- اسم الكاتب:الشيخ علي الطنطاوي (رحمه الله)
- التصنيف:ثقافة و فكر
إن قالوا: "جامدون" فقولوا: نعم، نحن جامدون وأنتم مائعون! إن الماء الجامد كقطعة الألماس التي يبتسم فيها النور، وتقبلها شفاه الشمس، أما المائع فيجري حتى يكون وحلا تطؤه الأقدام..
فأينا أنقى وأطهر: نحن الجامدون، أم أنتم أيها المائعون؟!
وإن قالوا: "رجعيون" فقولوا: نعم، ولكنها رجعة إلى أيام المجد الذي شدناه على قمة الدهر، والنور الذي أضأناه للزمان؛ ليعرف طريقه إلى الخلود، والحضارة التي دنا بها البشر، وجعلنا بها الإنسان خليقا بالإنسانية..
فهل تكرهون أن نرجع إلى مثل تلك الأيام؟!
وإن قالوا: "نحن تقدميون" فقولوا: نعم، ولكنكم لا تتقدمون إلا إلى الهاوية، هاوية الانحلال والفساد، تريدون أن تكونوا أحرارا في غرائزكم، كحرية الديكة والحمير، فمن قربكم من هذه الهاوية، فمن قال لكم: اهتكوا أستار العورات، وارفعوا السجف بين الرجال والنساء، فهو تقدمي، ومن زل لسانه مرة فذكر الدين، أو نطق بكلمة الخلق، أو قال: حلال وحرام، فهو رجعي من الرجعيين.
وإن قالوا: "نحن اشتراكيون" فقولوا: ما رأينا عندكم منها إلا اسمها، تتجملون به في خطبكم ومباحثكم، وتتخذه أحزابكم الهزيلة شبكة تصطاد بها الأصوات يوم الانتخاب!
وإن قالوا: "الروح الرياضية" فقولوا: نعم، ولكن رياضتكم جسد مكشوف بلا روح، والرياضة رياضة النفس قبل رياضة الجسم، وروحها التعاون بإخلاص، والإقرار بالحق، وأن لا يزدهيك النصر، ولا تحطمك الهزيمة، ولا يداخلك اليأس، وأن يكون عليك من نفسك رقيب يحاسبها قبل أن تحاسب، وأن يكون لك من إرادتك قيد لشهواتك، فأين أنتم من هذا كله وأنتم بطاشون عند الظفر، خوارون عند الصدمة الأولى، قد تعبدتكم شهواتكم، وتحكمت فيكم غرائزكم، ثم إنكم مختلفون متباغضون متحاسدون، لا تعرفون من التعاون إلا أنه كلمة تنطق بها ألسنتكم، وتكذب بها أفعالكم؟
وإن قالوا: "المساواة بين الجنسين" فقولوا: نعم، وسوف نسن قانونا يوجب أن يحبل الرجل مرة، وتحبل المرأة مرة، ويرضع سنة، وترضع هي سنة، وبذلك يتساوى الجنسان، ويجتمع النقيضان، فيصير الرجل امرأة، وتصير المرأة رجلا، ويتحقق ما تريده الجمعيات النسائية!
وإن قالوا: "أتردوننا إلى الوراء وترجعوننا -ونحن في عصر الذرة- إلى غار حراء؟" فقولوا: الحق معكم، إن الزمان ماض إلى الأمام، وكل قديم قد جد في مكانه ما أوجب تركه، لذلك تركتم الدين أولا، ثم رأيتم العقل أقدم من الدين، فتركتموه وغدوتم من بعده مجانين!
ومهما قالوا من أشباه هذا الهذر، فلا تبالوه ولا تحفلوه، واجعلوا ردكم عليهم هزأ به وسخرية بأهله، وأن تبقوا سائرين في طريقكم إلى غايتكم، فإنهم ما يقصدون إلا تعويقكم عنها، وإقامة الأشواك في سبيلكم إليها، وغايتكم يا أيها الشباب المسلمون في السماء، ستركبون إليها الرياح، وتسيرون على هام السحب، ولقد أعدت طيارتكم، وهدرت محركاتها، وستمشون على درب من شعاع الشمس، لا على محجة من تراب الأرض، فهل تعوق الأشواك من يشق طريقه في كبد السماء؟
إنهم لا يملكون إلا أن يقولوا فدعوهم وما يقولون.