- اسم الكاتب:د.خالد راتب
- التصنيف:قضايا شبابية
مما لا شك فيه أن الإسلام دعا إلى القوة في العقول والأبدان والقلوب، ومن اجتمعت فيه هذه المقومات فهو العضو الفعال في المجتمع؛ لأن الله يحب المؤمن القوي (في إيمانه، وعقله، وجسده)؛ يقول - صلى الله عليه وسلم -: [المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز](رواه مسلم).
فالاهتمام بالجسم - إذا حسنت النية - عبادة يثاب عليها الإنسان؛ لأن الإنسان بقوته التي استمدت من حول الله وقوته قادر على نفع نفسه ومجتمعه، بخلاف المؤمن الضعيف؛ لا يقوى جسده على عبادة، ولا ينفع مجتمعه؛ لذا أمر الإسلام الإنسان أن يحافظ على صحته وبدنه؛ فقد أقر الرسول - صلى الله عليه وسلم - سلمان على النصيحة التي نصحها لأبي الدرداء، وهي: "إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه"، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: [صدق سلمان](رواه البخاري).
ونستفيد مما سبق أن كل ما يقوي البدن مما أحله الله مطلوب، والرياضة - بضوابطها الشرعية - أمر مطلوب؛ لأنها تؤدي إلى غايات نبيلة، ولكن هنا سؤال: هل ما يفعله الناس من اعتكاف على المباريات من قبيل الرياضة النافعة؟
الرياضة ممارسة لا مشاهدة
أقول: الرياضة ممارسة لا مشاهدة؟ هذه هي الإجابة الشافية بأمر الله؛ لأنك لو قارنت بين رجل يجلس الساعات الطوال أمام مشاهدة مباراة أو أكثر في اليوم، وفي الأسبوع، وعلى مدار الشهر - لجمعت ساعات كثيرة جدا، لو استغلت في تقوية جسم الإنسان، ومن قبل الإيمان، وفي التفكير في حال المسلمين الآن، وفي حال المسجد الأقصى الذي حوصر من كل اتجاه، وبنيت حوله الكنس الصهيونية، وأصبح لا يصلى فيه إلا بإذن من الصهاينة، ولأعمار محددة من قبل أعداء الله - لكان هذا الفعل أولى.
لو استغلت هذه الأوقات كما ينبغي لحققنا لإسلامنا وأمتنا ما أراده الله منا، ولكنا خير أمة أخرجت للناس، ولا تستهن بهذه الأوقات التي تنفق في غير نفع، فإن لحظة واحدة في عمر الإنسان هي عمر ثان لا ينبغي الاستهانة به، يقول ابن الجوزي: "ينبغي على الإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع لحظة في غير قربة".
أغلب المسلمين الآن مغيبون عن واقعهم، ساهون لاهون، قد احتل الإعلام المزيف - بما يقدمه - عقولهم، ووجهت اهتمامات أكثر الأمة إلى التفاهات، ووقع كثير من شبابنا في شباك الكرة، فهي التي تحرك مشاعرهم وتؤثر فيهم أكثر من تأثير القرآن الذي كاد أن يزلزل الجبال، ويحرك الجمادات: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله}[الحشر:21].
إن البحث عن سفاسف الأمور وتناقلها بين الناس أصبح جزءا أصيلا من حياتهم، وإذا جلس الواحد منا في مجالس الناس لا يسمع إلا عن الكرة، والفنانين والفنانات، لقد غزت الكرة ديارنا وأعمالنا ومدارسنا، حتى المساجد بيوت الله تأثرت بالكرة، فإذا كان هناك مباراة خلت المساجد واشتكت حالها إلى الله، ومن يأتي إليها أثناء المباراة يأتي على عجل يريد من الإمام أن يقيم الصلاة بسرعة ويصلي بسرعة، فجسده أمام الله وقلبه في الملعب بين أرجل اللاعبين، فسبحان الله!
إلى متى أيها الموحدون؟
إلى متى ترضون أن تكون المباريات والأفلام والمسلسلات هي العقل المحرك في حياتنا، أخشى أن تصبح الكرة وثنا في قلوب كثير من الناس وهم لا يشعرون، فالأمر جد خطير، فأين تذهبون؟!
قد يقول قائل: أنت تبالغ، لا، لا والله لا أبالغ، ولو أردت أن تعرف فانظر إلى الناس عندما يطلق الحكم صافرة البداية - بداية المباراة - فإن الأصوات تخشع، والأبصار تشخص، والأعصاب تشد، حتى يصل الأمر إلى السب والقذف، بل والتشاجر بين اللاعبين أو بين المشاهدين، بل يصل الأمر إلى القتل، بل قد يموت الإنسان تأثرا بالمباراة، وكم من إنسان مات بسكتة قلبية بسبب انهزام فريقه!
فإلى متى سنظل أسرى ما يصدر إلينا؟! ومتى نصل إلى الدرجة التي نعرف فيها ما ينفعنا فنقبل عليه وما يضرنا فنحجم عنه؟! إلى متى سيستمر هذا الغزو؟! ومتى نتحرر منه؟!