- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:لغويات حديثية
حينما وجه بعض الباحثين دراساتهم اللغوية - على قلتها - إلى نحو الحديث الشريف وصرفه، وبناء الجملة فيه، ومعاني مصطلحاته ودلالاتها مقارنة مع معانيها، ودلالاتها في شعر العرب ونثرهم، أدهشهم ما وقفوا عليه من ظواهر لغوية في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم جذبت انتباههم؛ ومن ذلك:
تقديم الخبر على المبتدأ
من المقرر عند أهل اللغة أن يتقدم المبتدأ على الخبر في الجملة الاسمية، لكن الموقف اللغوي، والسياق الاجتماعي للكلام قد يفرض تقديم الخبر على المبتدأ.
وعند دراسة لغة الحديث الشريف وجد الباحثون أن التقديم والتأخير من أبرز سمات الكلام النبوي، وأن ما يتقدم من الحديث الشريف هو الجزء المهم في الكلام، وقد ناقش النحاة هذه المسألة (التقديم والتأخير) بالتفصيل قديما وحديثا، ويجمل قبل ضرب الأمثلة الواردة في الأحاديث النبوية الشريفة توضيح المسألة - عند النحاة - بشكل موجز:
أولا: تقدم الخبر وجوبا: ذكر النحاة أن أهم مواضع تقدم الخبر وجوبا؛ هي:
1- أن يكون المبتدأ نكرة محضة ولا مسوغ للابتداء به إلا تقدم الخبر المختص جملة كان الخبر أم شبهها.
2- أن يكون للخبر الصدارة في جملته.
3- أن يكون الخبر محصورا في المبتدأ.
ثانيا: تقدم الخبر جوازا: وهو الأصل الغالب في سياق المبتدأ والخبر.
فإذا لم يكن المبتدأ والخبر متساويان في درجة التعريف والتنكير، ولم يكن الخبر جملة فعلية، ولم يكن الخبر محصورا في المبتدأ، ولم يكن المبتدأ مقترنا بلام الابتداء، أو اسما مستحقا للصدارة في جملته؛ فإن تقديم الخبر أو تأخيره سيان، ومرد ذلك يعود إلى أهمية ما تقدمه منهما.
وقد وردت أحاديث نبوية عدة في تركيب الجملة الاسمية يجوز فيها تقديم الخبر، أو تأخيره؛ ومن ذلك:
(... فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر) متفق عليه.
(... من الفطرة قص الشارب) رواه البخاري.
(... إن شئت صبرت ولك الجنة) متفق عليه.
(... له الملك، وله الحمد) متفق عليه.
ومن الأحاديث النبوية الشريفة التي يجب تقدم الخبر فيها:
(... بين كل أذانين صلاة - ثلاثا - لمن شاء) متفق عليه.
(... على كل مسلم صدقة) متفق عليه.
(... مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دما، وأميطوا عنه الأذى) رواه البخاري.
ومن الأحاديث التي تقدم فيها الخبر وجوبا:
(... ما لك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر) متفق عليه.
فكلمة (معها) ظرف في محل رفع خبر مقدم وجوبا، والمبتدأ مؤخر وجوبا - وهو كلمة: حذاؤها -، لأن الضمير فيه يعود على جزء من الخبر، وهو الضمير في كلمة (معها)، وهو يعود إلى الإبل التي كانت موضع السؤال في الحديث الشريف.
وقد وجد الباحثون اللغويون أن الحذف يعد خصيصة بارزة في الحديث الشريف في كل نمط من أنماط الجملة، وفي كل قسم من أقسامها.
وقد تحدث النحاة عن حذف المبتدأ، أو حذف الخبر في الجملة الاسمية إذا كان في الكلام دلالة على المحذوف.
وذكروا أن المبتدأ يحذف جوازا إذا كان جوابا لاستفهام؛ ومثاله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل أفضل؟ فقال: (إيمان بالله ورسوله) قيل: ثم ماذا؟ قال: (الجهاد في سبيل الله) قيل: ثم ماذا؟ قال: (حج مبرور)، متفق عليه.
فقوله: (إيمان بالله ورسوله) خبر لمبتدأ محذوف تقديره: أفضل العمل، ويكون تقدير الكلام: أفضل العمل إيمان بالله ورسوله، وقد تكرر مثل هذا الأسلوب في (الصحيحين) مرات كثيرة، كما أشار المختصون.
ويحذف المبتدأ جوازا إذا كان بعد القول؛ ومثاله في الحديث الشريف: فقال الرجل: يا رسول الله! ألي هذا؟ قال: (لجميع أمتي كلهم) متفق عليه.
وتقدير القول: هو لجميع أمتي كلهم.
ويحذف المبتدأ جوازا إذا كان إذا كان ضميرا مستترا يعود على مذكور في سياق الكلام السابق، وذلك لفضيلة الإيجاز؛ ومنه حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فيؤم قومه، فصلى العشاء فقرأ بالبقرة، فانصرف الرجل، فكأن معاذا تناول منه، فبلغ النبي عليه الصلاة والسلام فقال: (فتان، فتان، فتان) - ثلاث مرار- أو قال: (فاتنا، فاتنا، فاتنا)، وأمره بسورتين من أوسط المفصل" متفق عليه.
وتقدير القول: هو فتان، هو فتان، هو فتان.
وسوف نأتي على ذكر بقية الظواهر اللغوية في مقالات لاحقة ضمن هذه السلسلة الماتعة بإذن الله تعالى، وبالله التوفيق.