- اسم الكاتب:دكتور / أحمد عبد المجيد مكى
- التصنيف:ثقافة و فكر
يعد الشيخ محمد الغزالي (المتوفى سنة 1996 م - 1416هـ) من العلماء الذين لهم اهتمام بالغ بواقع الأمة وما يجري لها ، من ذلك أنه يرقب -وبعين ثاقبة - أثر التدين المغشوش في حياة الأمة ، وقد اهتم اهتماما بالغا بهذا الأمر ، وكتب فيه كتابات كثيرة ومتنوعة ، تارة يوجز حديثه في كلمات قليلة أشبه بما ورثناه من أقوال السلف الصالح وحكمهم ، من ذلك قوله : عرب اليوم في محنة، ما مروا بمثلها في جاهلية ولا إسلام، لأن التدين المغشوش قد يكون أنكى بالأمم من الإلحاد الصارخ. (كتاب : المحاور الخمسة للقرآن الكريم)
وتارة اخرى يشرح الأسباب ويحلل ويفسر. ولما كان الوقوف على ما بسطه في هذا الصدد أمرا يطول ، لذا سأكتفي بإشارات مقتضبة ، تذكيرا للقاري الكريم، ولفتا لأنظار الباحثين كي تتجه همتهم إلى تراث ذلك الإمام الجليل والعالم الفذ فتستخرج منه الدواء والعلاج لهذا المرض الخطير ، وهذه الإشارات ستكون في النقاط الخمس التالية:
- يدعو الشيخ إلى الاهتمام بما توصل اليه الغرب في مجال العلوم الإنسانية - مثل علم النفس والاجتماع والتربية والأخلاق والاقتصاد والسياسة والإدارة والتاريخ .. إلخ ، لأن هذه العلوم تكون أحيانا وصافة لأحوال النفس والمجتمع ، ويتسم عملها في هذا المجال بالصدق والحياد غالبا . وقد تقرر أحكاما حسنة تتفق مع النظرة التي هي صفة الإسلام الأولى . وقد تشرح وسائل جيدة لأهداف يسعى إليها الدين، كل ذلك بشرط أن لا يتعارض مع شيء من ثوابتنا.
ويعلل دعوته هذه قائلا : وإنما دفعني إلى الوصاة باستمرار هذه الدراسة أمران : أنها تعرض الواقع الأدبي والمادي للبشرية كلها ، ومعرفة هذا الواقع مطلوبة . وأنها قد تتضمن مقترحات لخير الإنسانية أجود من المقترحات التي يعرضها أصحاب التدين المغشوش ، أو السطحي للإصلاح العام ! . إذ يوجد بين المتدينين للأسف من يعتبر الدساتير بدعة مردودة ، لأن ضبط نواقض الوضوء أهم عنده من ضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم .!(كتاب : مشكلات في طريق الحياة الإسلامية).
- في كتابه علل وأدوية يرى أن الاهتمام المبالغ فيه في المظهر على حساب الجوهر سبب في هزيمة الأمة هزيمة نكراء فيقول : وعندما يتحول التدين إلى حركات بدن، وإتقان شكل، فإن حقيقته تضيع وغايته تبعد أو تتلاشى. المعنى الأصيل للتدين أن يكون حركة قلب، ويقظة فكر، أما المراسم الجوفاء والصورة الشاحبة فلا دلالة لها على شيء، ومن عجز عن تصحيح قلبه ولبه فهو عما سواهما أعجز، ويوم يتولى عملا ما في المجتمع فسوف يكون نموذجا للفشل لأنه لن يدفع تيارات الحياة إلى حيث يجب، بل ستدفعه هذه التيارات إلى حيث تشاء. وهنا الهزيمة الشنعاء للدين والدنيا.
- يتحدث الشيخ عن ثقافة بعض من يتصدرون للدعوة والإفتاء فيقول : ويوجد بين المتدينين قوم أصحاب فقر مدقع في ثقافتهم الإسلامية ، وإذا كان لهم زاد علمي فمن أوراق شاحبة بعيدة عن الفكر الإسلامي الصحيح والأقوال الراجحة لفقهائه ! وهم يؤثرون الحديث الضعيف على الصحيح ، أو يفهمون الخبر الصحيح على غير وجهه . ! (كتاب : مشكلات في طريق الحياة الإسلامية).
- وفي مقدمة كتابه : الغزو الثقافي يرى الإمام الغزالي أن التدين المغشوش ليس فقط يقدم الهزيمة ويصنع التخلف بل يوقع الناس في حرج شديد ، فيقول : والمحزن أنه في غيبة الفقه الذكي، انتشر الدخن المخوف، وامتد أذاه ، وأصاب الإسلام الصحيح منه شر مستطير.. وقد نظرت إلى حصائل بعض الناس من علوم الدين فوجدتها لا تتجاوز هذا الدخن. إنهم يلقون أحاديث، ويصدرون فتاوى ويخوضون باسم الإسلام معارك ، والإسلام بعيد عما يقولون وعما يفعلون ، وإن كان يصلى نارهم ويحمل عارهم.. وهو مظلوم ، مظلوم.. الإسلام الصحيح يقدم لأتباعه الخير، ويهب لهم النصر.. وهذا التدين المغشوش يقدم الهزيمة ويصنع التخلف، ويحس الناس معه بالحرج .
- ويرى الشيخ أن للتدين المغشوش أثرا كبيرا في إذكاء نار الخلاف الفقهي وشغل الأمة بقضايا فرعية ، كما يرى أن نفسيات أصحاب هذا التدين تستحق أن توضع تحت الدراسة ، فيقول : ليس الدين ستارة لتغطية العيوب ، وإنما هو طهارة منها ، وحصانة ضدها ، وفى تجاربي ما يجعلني أشمئز من التدين المغشوش ، وأصيح دائما أحذر عقباه . . إن المنحرفين يسترون ـ بركعات ينقرونها ـ فتوقا هائلة في بنائهم الخلقي وصلاحيتهم النفسية ، وهم لا يظنون بالناس إلا الشر ، ويتربصون بهم العقاب لا المتاب ، وهم يسمعون أن شعب الإيمان بضع وسبعون شعبة ، بيد أنهم لا يعرفون فيها رأسا من ذنب ، ولا فريضة من نافلة ، والتطبيق الذى يعرفون هو وحده الذى يقرون. إفراط . . وتفريط والخلاف الفقهي لا يوهى بين المؤمنين أخوة ، ولا يحدث وقيعة ! وهؤلاء يجعلون من الحبة قبة ، ومن الخلاف الفرعي أزمة . والخلاف إذا نشب يكون لأسباب علمية وجيهة ، وهؤلاء تكمن وراء خلافاتهم علل تستحق الكشف! (كتاب : مشكلات في طريق الحياة الإسلامية).
أسأل الله أن يرحم الشيخ رحمة واسعة ، كما أسأله أن يرزقنا البصيرة في الدين. آمين