- اسم الكاتب:د.عبد الرحمن السميط
- التصنيف:قضايا شبابية
عندما بدأنا العمل في إفريقيا قبل حوالي ربع قرن, لم نكن نتوقع إننا سنواجه كل هذه الصعاب الكثيرة, لكن إرادة الله - تعالى - جعلت فيها لذة كلما تذكرنا الأجر العظيم الذي يدخره لنا المولى - عز وجل -.
لم أكن أتوقع أن أسافر مع مجموعة من الأبقار على متن شاحنة تجاوز عمرها ثلاثين سنة في رحلة دامت عشرة أيام عبر طريق ترابي.. لكنني كنت"مسرورا"بألسنة رفيقات السفر اللواتي كن يلحسن رأسي من حين لآخر, كلما تراكم فوقه شيء من الغبار المتطاير من تحت عجلات الشاحنة"المريحة"ذلك أن البقر يحب في العادة إن يلحس الغبار الغني بالأملاح.
لقد كوفئت مرة على فعل الخير بتحقيق أجري معي في أحد مركز الشرطة منعت خلاله من الجلوس لعدة ساعات, لأن الضابط المحقق كان كاثوليكيا متعصبا.
والحقيقة إنني لا أريد الخوض في تفاصيل المتاعب الجمة التي كنا نجابهها في المستنقعات, والنوم في الأكواخ المفروشة بروث البهائم والسير على الأرجل مسافات طويلة حتى تتورم الأقدام, من دون طعام أو شراب وسط الأهوال والمخاطر.. فكم من مرة تعرضنا فيها لإطلاق نار عشوائية لا سيما في المناطق التي تعيش حروبا أهلية.
ولو كانت الشاحنات تتكلم لشهدت الشاحنات التي تبرعت بها إحدى الجهات لمكتبنا في موزنبيق على العبث الذي لقيته على أيدي المتمردين خلال سبعة عشر عاما من خدمتها, فقد تم حرقها مرتين بصورة كاملة, وفي كل مرة كنا نعيد إصلاحها من جديد, ولازالت في الخدمة! أو الشاحنة التي كانت محمله بالاسمنت لبناء احد المشاريع فأحرقها العتاة الضالون من المتمردين ونجا بأعجوبة كل من سائقها وداعيتنا ليواصلا سيراهما بسلام إلى المدينة بعد اجتياز مسافة ثمانين كيلومتر سيرا على الإقدام, ولم أحزن على الاسمنت أو الجوازات والوثائق الضائعة, ولكنني حزنت على كيس من السكر كان أملنا أن نقدمه في مشروع إفطار الصائم لبعض الأهالي الذين لم يذوقوا طعم السكر منذ ثماني سنوات!
لا أريد الحديث كذلك عن العشرات من دعاتنا الذين وهبوا أرواحهم في سبيل الدعوة الإسلامية في كل من جنوب السودان وليبيريا وسيراليون وموزنبيق والصومال وغيرها, ومضوا شهداء في درب خدمة إخوانهم ويسعدني جدا إن اقتفي أثرهم.
فلست نادما على المضي قدما في هذا الطريق! لأنني اخترته بقناعه تامة ورضا بقضاء رب العالمين ولكنني أشفق على أخواني الذين اختاروا زينة الحياة الدنيا التي صرفت أبصارهم عن اللذة الحقيقة التي تحف بها المشاق و المكاره!
وإلى اللقاء.