لا نثبت لله إلا ما أثبته لنفسه

0 1822


{ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} (الأعراف:180)، تثبت هذه الآية الكريمة وجود أسماء لله تعالى قد بلغت الغاية في الحسن والجلال والجمال، فترى المؤمنين يستحضرونها ويتوسلون بها أثناء دعائهم وطلب حوائجهم من خالقهم ومولاهم، عسى أن تكون سببا في الإجابة وتحقيق مراداتهم.

وفي ثنايا هذه الإشارة الإلهية بضرورة الاحتفاء بالأسماء الحسنى، تقع الممارسات الخاطئة عند العوام حين ينسبون إلى الله تعالى أسماء، ولكنها في حقيقة الأمر لم تثبت بالنصوص الشرعية، ومثل ذلك ينتشر كثيرا بين عامة الناس حيث "يلتقطون" هذه الأسماء من أدعية مجهولة المصدر دون تفطن منهم إلى عدم ثبوتها، أو تحويرا لشيء من الصفات الإلهية الثابتة واعتبارها أسماء ثابتة لله، دون وعي منهم أن ثبوت صفة من صفات الله تعالى في الكتاب والسنة لا يعني جواز استنباط اسم منها ونسبته لله تعالى.

وليس الأمر محكورا على العامة، فإن بعض الأسماء المنسوبة لله تعالى قد اشتهرت على الألسن شهرة جعلت من التنبيه على بطلانها مثار استغراب أو استنكار نظرا لشدة انتشارها وكثرة استعمالها، فكان من الضرورة التنبيه على هذه القضية المنهجية المهمة في التعامل مع أسماء الله تعالى.

أسماء الله توقيفية

اتفقت كلمة أهل السنة والجماعة على أن أسماء الله توقيفية، ويعنون بذلك أنهم يتوقفون في إثبات أي اسم من الأسماء حتى يرد النص الذي يثبته، فلا يسمى سبحانه إلا بما سمى به نفسه، أو سماه به رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

قال ابن حزم في الفصل في الملل والأهواء : "لا يجوز أن يسمى الله تعالى ولا أن يخبر عنه إلا بما سمى به نفسه، أو أخبر به عن نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم، أو صح به إجماع جميع أهل الإسلام المتيقن ولا مزيد، وحتى وإن كان المعنى صحيحا فلا يجوز أن يطلق عليه تعالى اللفظ".

ونسب الحافظ ابن حجر إلى أبي القاسم القشيري قوله: "الأسماء تؤخذ توقيفا من الكتاب والسنة والإجماع، فكل اسم ورد فيها وجب إطلاقه في وصفه، وما لم يرد لا يجوز، ولو صح معناه".

وقال ابن القيم في مدراج السالكين: " وقد أخطأ أقبح خطأ من اشتق له من كل فعل اسما وبلغ باسمائه زيادة على الألف فسماه" الماكر "و "المخادع "و"الفاتن "و"الكائد" ونحو ذلك".

وقد خالفهم في ذلك المعتزلة، فقالوا أن أسماء الله ليست توقيفية فيجوز عندهم أن يسمى الله بكل اسم إذا كان متصفا بمعناه. ويقصدون أن هذا الاسم ينبغي أن يكون مشتقا من صفات الله تعالى الثابتة، ثم اشترطوا أن تكون تلك الأسماء ألا توهم نقصا في حق الباري تبارك وتعالى وسيأتي الرد على قولهم .

الأدلة على أن الأسماء توقيفية

تنوعت الأدلة التي تحرم نسبة الأسماء لله تعالى بمجرد الاستنباط أو النظر العقلي، وقد ذكر أهل السنة والجماعة في ذلك جملة من الأدلة الشرعية، وهي كالآتي:
الدليل الأول: قوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون } (الأعراف: 33).

والشاهد من الآية أن قوله تعالى: {الأسماء} جاءت (بأل) وهي هنا للعهد كما يقول أهل اللغة، فلا تكون الأسماء بذلك إلا معهودة، ولا معروف في ذلك إلا ما نص عليه في الكتاب أو السنة، ثم إن وصف الأسماء بالحسنى يدل على أنه ليس في الأسماء الأخرى أحسن منها، وأن غيرها لا يقوم مقامها ولا يؤدي معناها، فهذا الوصف يؤكد كونها توقيفية.

وفي قوله تعالى: {وذروا الذين يلحدون في أسمائه} (الأعراف:185) دليل على أن إطلاق الأسماء على الله تعالى دون دليل نصي داخل في معنى الإلحاد المذكور في الآية –والإلحاد هو العدول عما ينبغي في حق الأسماء".

قال الإمام البغوي: " ذكر أهل المعاني: الإلحاد في أسماء الله تسميته بما لم يتسم به ولم ينطق به كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم" وقال ابن حزم: "منع تعالى أن يسمى إلا بأسمائه الحسنى وأخبر أن من سماه بغيرها فقد ألحد".

الدليل الثاني: :الآيات الكريمة الثلاث: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} (البقرة:255)، {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والأثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} (الأعراف:33)،{ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} (الإسراء: 36).

فهذه الآيات تحرم بشكل واضح الخوض في كل أمر غيبي، وتنهى عن القول على الله بغير علم، وعليه فإن ذلك التحريم والتحذير يدخل فيه باب أسماء الله لأنه من الأمور الغيبية التي لا تعرف إلا بالنص الشرعي، ثم إن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه - تعالى - من الأسماء، فوجب الوقوف في ذلك على النص.

الدليل الثالث: ما رواه الإمام أحمد، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما قال عبد قط إذا أصابه هم وحزن: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي..) الحديث.

ووجه الدلالة، قوله عليه الصلاة والسلام: (أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك) فإنه يدل على أن التسمية أمر توقيفي لا يخضع للاجتهاد، وفي ذلك يقول ابن القيم: "فالحديث صريح في أن أسماءه ليست من فعل الآدميين وتسمياتهم".

ولا يصح أن يستدل أحد على قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث: (أو علمته أحدا من خلقك) على جواز الاجتهاد في هذا الباب وإن لم يرد النص؛ لأن ما سمى الله به نفسه يتناول جميع الأنواع المذكورة بعده، فيكون معنى الحديث: سميت به نفسك فأنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك.

الدليل الرابع: ما ذكرته عائشة رضي الله عنها من دعاء النبي –صلى الله عليه وسلم-: (اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) رواه مسلم.

فالشاهد أن التسمية نوع من الثناء على الله، فدل على أن العقل لا مجال له في باب الأسماء إلا التصديق والوقوف عند النصوص.

الدليل العقلي: وهو أن تسميته - تعالى - بما لم يسم به نفسه، أو إنكار ما سمى به نفسه، جناية في حقه تعالى، فوجب سلوك الأدب في ذلك، والاقتصار على ما جاء به النص.

وقد ضرب الإمام الغزالي لذلك مثلا بديعا، وهو أنه لا يجوز لنا أن نسمي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باسم لم يسمه به أبوه ولا سمى به نفسه، وكذا كل كبير من الخلق، فإذا امتنع ذلك في حق المخلوقين فامتناعه في حق الله أولى.

الثمرة من هذه المعرفة:

الثمرة العقدية من هذه القضية، هو عدم جواز نسبة أي اسم لله تعالى حتى نقف على النص الشرعي الواضح فيه، وكذلك عدم التسمي بما عبد من هذا الاسم، فلا يقال مثلا: عبدالمقصود، حتى نتأكد من ورود الدليل الشرعي الذي يثبت "المقصود" اسما من أسماء الله، ومثله: عبد الموجود، وعبدالستار، وغيرها من الأسماء.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة