الأساليب اللُّغويّة الشّائعة في الأمثال النّبويّة 3-3

0 742

قام بعض الباحثين بإعداد دراسة لغوية في الأمثال النبوية في "صحيح البخاري"؛ فحصر مئتين وسبعة وثلاثين مثلا نبويا سائرا -وهي التي تشيع على ألسنة الناس-، وثمانين مثلا قياسيا تمثيليا -وهي التي فيها تشبيه مفرد أو مركب-.

وقد أثبتت الدراسة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بكلام من سبقه، وأن المصنفين قد اهتموا كثيرا بالأمثال القرآنية، والأمثال الشعبية السائرة، لكن اهتمامهم بالأمثال النبوية -على مائدة البحث اللغوي خاصة- كان قليلا لأسباب ليس مقام بسطها هنا.

وعند دراسة أساليب لغة الأمثال النبوية، مع بيان الوجه الدلالي فيها، وجد أن من أهم الأساليب اللغوية للأمثال النبوية؛ هي:

أولا: أسلوب التقديم والتأخير: يرى أهل اللغة أن التقديم، والتأخير يعد من أهم مباحث علم المعاني؛ لأنه يبحث في بناء الجمل، وصياغة العبارات، ويتأمل التراكيب كي يبرز ما يكمن وراءها من أسرار، ومزايا بلاغية.

وذكروا أن أغراض التأخير البلاغية تنحصر في: إبراز الأهمية، وقصر المسند إليه على المسند، والتنبيه على كون المسند خبر لا نعت، وتخصيص النفي، وتقوية الحكم وتقريره.

ومن أمثلة التقديم والتأخير في الأمثال النبوية:

- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في كل كبد رطبة أجر) متفق عليه.

فتقدم الخبر (في كل كبد) على المبتدأ (أجر)؛ لأن المبتدأ نكرة، والخبر شبه جملة.

- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تسحروا، فإن في السحور بركة) متفق عليه.

فتقدم خبر إن (في السحور) على اسمها (بركة).

- حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن؛ وقال له: (اتق دعوة المظلوم؛ فإنها ليس بينها وبين الله حجاب) متفق عليه.

فتقدم خبر (ليس) وهو (بينها) على اسمها (حجاب).

- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل من بني فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن امرأتي ولدت غلاما أسود -وهو يريد الانتفاء منه- فقال له: (هل لك من إبل؟)، قال: نعم، قال: (ما ألوانها؟)، قال: حمر، فقال له: (هل فيها من أورق؟)، قال: نعم، قال: (فأنى كان ذلك؟)، قال: أراه عرق نزعه، قال: (فلعل ابنك هذا نزعه عرق)، ولم يرخص له في الانتفاء منه. متفق عليه. (الأورق) الأسمر. و(الورقة) السمرة. يقال: جمل أورق، وناقة ورقاء. 

فقدم المفعول به (ابنك) على الفاعل (عرق).

- حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل الجنة قتات) متفق عليه.

فقدم المفعول به (الجنة) لأهميته.

- حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب) متفق عليه.

جاء التقديم هنا لإفادة الحصر، فتقديم المفعول به (جوف) في هذا المثل على الفاعل (التراب) لأن الفعل محصور في الفاعل؛ فلو قال: (يملأ التراب جوف ابن آدم)، لكان يحتمل أن هناك أشياء أخرى تملأ جوفه.

- حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) متفق عليه.

فقدم (بعدي فتنة) لإبراز أهمية المقدم.

ثانيا: أسلوب الحذف: الحذف هو الاستغناء عن جزء من الكلام لدلالة السياق عليه. ويسميه البلاغيون، واللغويون -أحيانا- الإيجاز، أو الاختصار، من أمثلة ذلك في الأمثال النبوية:

- حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما) متفق عليه.
ففي المثال السابق حذف مفعول الفعلين (بينا)، و(كتما) -أي العيوب- فأفاد هذا الحذف العموم؛ لذا فإن أي كتمان مهما كان نوعه، ودرجته يؤدي إلى محق البركة، وهو أبلغ في التأثير في نفس المستمع، وهذا الحذف له نظائر عدة في الأمثال النبوية.

ثالثا: أسلوب الزيادة: والمقصود الأحرف الزائدة التي حددها النحاة بثمانية أحرف؛ هي: (إن، أن، ما، لا، من، الباء، اللام، الكاف)، وإن اختلفوا في تسميتها؛ فتارة يسمونها حروف الصلة، وتارة يطلقون عليها: حروف زيادة.

ويرى النحاة الأولون -الخليل وسيبويه وغيرهما- الأهمية البلاغية للأحرف الزائدة، التي حصروها بالتأكيد والتقوية، من أمثلة ذلك في الأمثال النبوية:

- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟) متفق عليه.

- حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (رحمة الله على موسى، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر) متفق عليه.

رابعا: أسلوب الشرط: وجد الباحثون اللغويون أن أسلوب الشرط شائع جدا في الأمثال النبوية، وهو أكثر الأساليب شيوعا بعد أسلوب التوكيد؛ من أمثلة ذلك:

- حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد) متفق عليه.

- حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا) متفق عليه.

خامسا: أسلوب التوكيد: التوكيد أو التأكيد هو الاهتمام بالشيء المبلغ لتنبيه المخاطب إليه، وهو من أكثر الأساليب شيوعا في الأمثال النبوية؛ من أمثلة ذلك:

- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن بالله، والله لا يؤمن بالله، ولا يؤمن). قالوا : يا رسول الله! وما ذلك؟ قال: (جار لا يأمن جاره بوائقه)، قالوا: يا رسول الله! وما بوائقه؟ قال: (شره) رواه مسلم.

- حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم) متفق عليه.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة