- اسم الكاتب:د. عبد الكريم بكار
- التصنيف:ثقافة و فكر
معظم الدارسين للطب والهندسة وإدارة الأعمال يحصلون على وظائف جيدة ، والحقيقة أن أي إنسان يبرع في أي تخصص ، ويصبح من الأوائل فيه ، فإنه يحصل على وظيفة جيدة ، كما أن هناك من درس الطب .. وعاش حياته كلها فقيرا ومغمورا ، لأنه لم يكن أكثر من طبيب عام وعادي جدا.
* في بعض الأحيان يكون مطلوبا أن نتخذ القرار بسرعة حتى لا تفوت علينا فرصة نادرة ، وتكون المعلومات موجودة ، لكن الوقت المتاح للحصول عليها غير كاف ، كما لو فرضنا أن القرار هو عبارة عن تسجيل في قسم من الأقسام الدراسية في إحدى الكليات ، حيث يجد كثير من الشباب أنفسهم مخيرين بين كليتين أو ثلاث ، وكثيرا ما يكون وقت التسجيل محدودا ، ومن الطبيعي أن الطالب اليوم يدرس ليتخرج ، ويتوظف ، ولهذا فإنه في حاجة إلى معلومات عن الجامعة التي سيدرس فيها ، وعن طبيعة التخصص الذي سيدرسه وعن سوق العمل المتاح لذلك التخصص ، وأمور أخرى من هذا القبيل ... فما الذي على الطالب القيام به في ظل شح المعلومات حول كل ما ذكرناه ؟ أعتقد أن عليه القيام بالآتي :
- تأخير اتخاذ القرار إلى آخر لحظة ممكنة من أجل التمكن من جمع أكبر قدر من المعلومات .
- بمجرد أن نتخذ قرارا من أجل الانطلاق في تخصص أو عمل من الأعمال ... نكون قد وضعنا أنفسنا في سياق المستقبل ، أي في دائرة المظنون والموهوم ، وذلك لأن الله - وحده - هو الذي يعلم بالضبط ما ستؤول إليه الأمور بعد سنة أو خمس سنوات ، ومن هنا فإن الواحد منا يجمع المعلومات ، ويفكر ويتأمل ويسأل .... ليس من أجل الحصول على قرار صائب ، وإنما من أجل الحصول على أفضل قرار ممكن في تقديره .
- سؤال الطلاب الذين يدرسون في الكليات التي وجدت نفسك ملزما بالدراسة في واحدة منها ، سؤالهم عن مدى شعورهم بالفائدة وعن قوة المناهج والجو العام ....، وسؤال بعض الخريجين عن مجالات العمل لتلك التخصصات ومدى توفر الفرص فيها . المهم أن يعرف المرء كيف يتعامل مع كلام أولئك الذين يستشيرهم ، لأنه قد لا يخلو كلامهم من شيء من التضارب والتناقض .
- استخارة الله - تعالى - والإلحاح عليه بأن يرشد إلى الصواب والخير ...
- لكل قرار يتخذه الإنسان ميزات وحسنات ، وله بعض المخاطر والتحديات ، والمهم فصل ما هو حقيقي ومتوقع فعلا من كل ذلك عما هو وهمي أو مضخم ، والفصل بين ما هو معقول ، وما هو غير معقول ...
- ستأتيك معلومات كثيرة لا علاقة لها بموضوعك ، أولا تؤثر قي قرارك ، حاول حذفها والتخلص منها لأن كثرة المعلومات تربك العقل في التعامل معها ، ومما يذكر في هذا السياق أن أحد القضاة نظر في قضية شائكة وطلب وثائق تتعلق بها ، فأحضر له مليون وثيقة ، فطوي ملف القضية ، وسجل القضية ضد مجهول !
- استخدام الحدس والفراسة وطمأنينة القلب ، ويروى عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال : " من لم ينفعه ظنه - أي حدسه - لم تنفعه عينه " والحدس ذو طبيعة غامضة ، إنه يشبه أن يكون معرفة الإنسان بشيء دون أن يعرف كيف عرفه ، وقد يكون الحدس نتيجة لتجمع الخبرات والمعلومات السابقة وتفاعلها مع بعضها ، مما ينتج عنه نوع من الانفجار في الوعي أو الإدراك .
- لا تكمن فائدة الفلسفة وفهم طبائع الأشياء والسنن الربانية في الخلق في سد الفجوات المعرفية والتعويض عن نقص المعلومات ، بل إنها تتجاوز ذلك إلى الحكم على المعلومات وتقويمها ، وكشف ما يمكن أن يكون فيها من زغل ، وفي سياق ما نحن فيه من مسألة اختيار التخصص ، قد يأتي من يقول لك : إن الطلب على تخصص الطب سيظل مستمرا ، ولن تجد طبيبا عاطلا عن العمل ؛ لأن الناس يزيدون والأمراض والأوبئة تزداد ، لهذا فهو تخصص ممتاز دائما ، وحين ينظر المرء في هذا الكلام من أفق القوانين العامة التي تحكم مسيرة الحياة ، فإنه سيستحضر المؤشرات والمعاني التالية :
١ - من يتحدث إلي يتحدث عن الطلب على مهنة الطب بعد ست أو سبع سنوات ، وهي فترة طويلة نسبيا ، ولا أحد يدري كيف ستكون الأوضاع وقتئذ.
٢- الطب تخصص مرموق جدا ، وستظل له أهمية ، لكن علي أن لا أنسى أن موقعي في ذلك التخصص أعظم أهمية ، فهناك طبيب مغمور ، يكسب رزقه بصعوبة ، وهناك طبيب بارز يشار إليه بالبنان ورزقه يفيض عن حاجته مرات عديدة.
٣- الإقبال على العلاج والتردد على الأطباء مرتبط بالحالة الاقتصادية للبلد ، فإذا كانت سيئة فإن إقبال الناس على الأطباء سيكون ضعيفا ، وبذلك يكون العرض أكثر من الطلب .
٤- الطب ليس هو التخصص الممتاز لكل الناس ، ولهذا فلابد للمرء حتى ينبغ فيه من امتلاك الرغبة القوية والقدرة الظاهرة .
* تساءل عن اتخاذ القرار ، عن أسوأ ما يمكن أن يتمخض عنه ذلك القرار ، وتأمل في نفسك هل تستطيع تحمل هذا القرار ؟ وكيف يمكن أن تتصرف ؟
* أن تتخذ قرارا يعني أن تخاطر ، ومهما كانت النتائج ، فإن ذلك أفضل من العيش من غير قرار ومن غير مخاطرة ، فالحياة الجيدة هي الحياة التي نعطي فيها للحياة ، ونأخذ منها بما يصلحنا ، ويصلحها .