الجُملة الفعليَّة في لغة الحديث الشَّريف 3-5

0 1400

لا يزال حديثنا موصولا عن الجملة الفعلية في الأحاديث النبوية المرفوعة، بعد أن قام بدراستها بعض اللغويين على مائدة البحث اللغوي، ووجدوا أن الجملة الفعلية التي لا محل لها من الإعراب في الأحاديث المرفوعة في (صحيح البخاري) قد بلغت أربعة وسبعين وأربعمئة وألف.

وقد مر معنا بعض تقسيماتهم للجملة الفعلية بناء على ورودها في الحديث الشريف؛ ومن تلك التقسيمات:

سادسا: الجملة ذات الفعل الماضي الذي هو من أفعال المقاربة: ومن أمثلتها في الحديث النبوي الصحيح: قوله صلى الله عليه وسلم: (كاد يقتله العطش).

استعمل العرب ثلاثة أفعال تدل على المقاربة؛ وهي: (كاد، قرب، أوشك)، وسميت هذه الأفعال بأفعال المقاربة؛ لأنها تدل على قرب وقوع الخبر، أي على قرب حصول المخبر به، وحكم هذه الأفعال حكم الأفعال الناقصة، لكن خبرها لا يكون إلا جملة فعلية؛ لأنهم أرادوا قرب وقوع الفعل فأتوا بلفظ الفعل ليكون أدل على الغرض، ولم ترد الجملة الخبرية الابتدائية التي فعلها من أفعال المقاربة بصيغة الماضي إلا مرة واحدة؛ وهي قوله صلى الله عليه وسلم: (كاد يقتله العطش).

ومن الملاحظ أن خبر (كاد) جاء فعلا مضارعا وهو الأصل في ورود خبره، أما إعراب هذه الجملة الخبرية فقد صار معلوما أنه لا محل لها من الإعراب.

سابعا: الجملة ذات الفعل المضارع الذي هو من أفعال المقاربة: ومن أمثلتها في الحديث النبوي الصحيح: (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم)، (يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب).

لم يرد هذا النوع من الجمل إلا في هذين الحديثين الشريفين، وقد بدأتا بالفعل المضارع (يوشك) الذي جاء خبره متصلا بـ(أن) المصدرية، وهو الأغلب في استعمالاته، أما اسمه فقد استتر في الجملة الأولى لكنه في الجملة الأخرى جاء اسما علما هو (الفرات)، وقد ذكر النحاة أن الكثير المستعمل في (أوشك) أن يجيء بلفظ المضارع، أما في لفظ الماضي فقليل.

ومن تقسيمات اللغويين للجملة الفعلية الواردة في الحديث النبوي المرفوع:

الجملة المستأنفة: وهي الجملة التي تأتى منقطعة عما قبلها لاستئناف كلام جديد، ولا بد أن يكون قبلها كلام تام، وقد عدها النحاة من الجمل الابتدائية، لكن الحقيقة أنها قسم قائم بنفسه، وهي تختلف عن الابتدائية إذ أنها يستأنف بها كلام جديد قبله كلام تام، على حين أن الابتدائية يبتدأ بها الكلام فلا شيء يسبقها، كذلك فإن الجملة الاستئنافية تدخل عليها حروف الاستئناف كـ(الواو، والفاء، وثم، وحتى الابتدائية، وأم المنقطعة، وبل، ولكن، عند تجردها من الواو العاطفة)، وكذلك تكون الاستئنافية جوابا للنداء أو الاستفهام.

وقد وردت الجملة المستأنفة، أو الاستئنافية في الأحاديث المرفوعة في صحيح البخاري في سبعة وستين ومئتي موضع، وكان ورودها كالتالي:

أولا: الجملة ذات الفعل الماضي التام المبني للمعلوم: ومن أمثلتها في الأحاديث النبوية الصحيحة: (فوضع رأسه، فنام نومة، ثم استيقظ)، (خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرفعت)، (إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها)، (فغطني، حتى بلغ مني الجهد)، (فسأل موسى السبيل، فجعل الله له الحوت آية).

في الأمثلة السابقة جمل استئنافية لا وظيفة نحوية لها، أو لا محل لها من الإعراب، وقد حوت هذه الجمل خمسة أفعال تصدرتها، والأفعال هي: (استيقظ، تلاحى، تصدق، بلغ، جعل) على التوالي، والملاحظ على هذه الأفعال أنها لازمة ومتعدية؛ فالفعل (استيقظ) لازم، والفعل (تلاحى) لازم أيضا لكن صيغته الصرفية (تفاعل) تدل على المشاركة، وهكذا ورد في الاستعمال النبوي الشريف، والفعل (تصدق) تعدى بحرف الجر (الباء)، على حين أن الفعل (بلغ) تعدى إلى مفعوله الأول بنفسه، وعدي إلى الثاني بوساطة حرف الجر، والفعل (جعل) تعدى إلى مفعولين بنفسه.

أما الفاعل في كل منها فـ(ضمير مستتر، فلان، ضمير متصل، ضمير مستتر، لفظ الجلالة) على التوالي.

وبالنظر إلى الجمل الاستئنافية الخمس، وجد الباحثون أنها قد تصدرت بأحرف الاستئناف (ثم، الفاء، الواو، حتى، الفاء) على التوالي، وقد توافر فيها شرطا الاستئناف؛ وهما: التصدر بأحد حروف الاستئناف، وأن تسبق بجملة تامة المعنى مقطوعة عنها صناعيا، فالجملة الأولى صدرت بحرف الاستئناف (ثم)، وهي مسبوقة بجملة تامة المعنى، وهي (فنام نومة)، وعليه فإن النبي صلى الله عليه وسلم استأنف كلاما جديدا فقال: (ثم استيقظ)، والجملة الثانية صدرت بحرف الاستئناف (الفاء)، وسبقت بجملة ابتدائية تامة المعنى، وهي (خرجت لأخبركم بليلة القدر)، ثم استأنف النبي -عليه الصلاة والسلام- الكلام فقال: (فتلاحى فلان وفلان)، ثم قال: (فرفعت)، وكأن أصل الحديث: (خرجت لأخبركم بليلة القدر فرفعت)، وعليه فإن الاستئناف أفاد هنا توضيحا لسبب الرفع لليلة القدر، ولا شك أن للمعنى أثرا في كون الجملة استئنافية، أو معطوفة.

أما الجملة الثالثة، فهي من المواضع التي تزل فيها الأقدام، فالذي ينظر إليها ظاهرا يرى أن (الواو) (واو) عطف، لكن المعنى الدقيق للجملة يريك غير هذا.

وأصل هذه الجملة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ملك أرضا خصبة، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم فيما يفعله فيها، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها)، أي تجعل الأرض لك بشرط أن يكون ما تنتجه للصالح العام، ويسمى هذا (الوقف) عند الفقهاء الوقف المشروط، وعليه فإننا إذا جعلنا (الواو) عاطفة يفسد معنى الجملة فتصير: "إن شئت تصدقت بها"، وهذا ليس هو مراد النبي صلى الله عليه وسلم.

وبناء على ما تقدم يكون (الواو) حرف استئناف، وتكون الجملة مستأنفة جديدة، ولا سيما أن الجملة التي قبلها تامة المعنى.

أما الجملة الرابعة فقد صدرت بالحرف (حتى) الذي هو من حروف الاستئناف أيضا، ومعناها واضح لا لبس فيه، لكن بعض النحاة جعل الجملة التي بعد (حتى) في محل جر بـ(حتى)، وخالفهم الجمهور؛ لأن حروف الجر لا تعلق عن العمل، ولوجوب كسر (إن) بعد (حتى)، على حين أن حرف الجر إذا دخل على (إن) فتحت همزتها، وهذا يدل على أن (حتى) ليست حرف جر.

وجاءت الجملة الأخيرة مصدرة بحرف الاستئناف (الفاء)، وسبقت بجملة تامة المعنى أيضا، وهي: (فسأل موسى السبيل)، ومن خلال سياق الحديث، فإن معناها: (فسأل موسى ربه السبيل)، فاستأنف -عليه الصلاة والسلام- الكلام فقال: (فجعل الله له الحوت آية)، ونلحظ كيف أن المعنى السياقي وجه إعراب الجملة وحولها من المعطوفة إلى الاستئنافية.

وقد وجد الباحثون اللغويون أن الجملة الفعلية الخبرية المستأنفة ذات الفعل الماضي التام المبني للمعلوم قد وردت في ثمانية ومئة موضع في (صحيح البخاري).

ثانيا: الجملة ذات الفعل الماضي التام المبني للمجهول: ومن أمثلتها في الحديث الشريف الصحيح: (فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها، حتى رفع)، (قام موسى النبي خطيبا في بني إسرائيل، فسئل)، (ثم انطلق بي حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى،…، ثم أدخلت الجنة).
في الأمثلة السابقة في الجمل الاستئنافية التي مرت يلاحظ أنها لا محل لها من الإعراب، وقد تصدرت بأحرف الاستئناف (حتى، الفاء، ثم) على التوالي، وقد سبقت جميعها بجمل تامة المعنى، وهذان هما شرطا الجمل الاستئنافية، وأفعال هذه الجمل مبنية للمجهول، وهي (رفع، سئل، أدخلت) على التوالي، وقد جاء النائب عن الفاعل فيها (الضمير المستتر (هو)، الضمير المستتر (هو)، الضمير المتصل (التاء) على التوالي.

وقد أخذ نائب الفاعل مكان الفاعل وإعرابه، وقد وردت الجملة الفعلية الخبرية الاستئنافية ذات الفعل الماضي التام المبني للمجهول في أربعة وثلاثين موضعا.

ثالثا: الجملة ذات الفعل المضارع التام المبني للمعلوم: ومن أمثلتها في الحديث الشريف الصحيح:

(وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه، فيثلغ رأسه فيتهدهد الحجر)، (ويجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر)، (فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد)، (وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه، فيشرشر شدقه).

الجمل الاستئنافية الماضية لا محل لها من الإعراب، وقد سبقتها جمل تامة المعنى، وقد صدرت بأحرف الاستئناف (الفاء، الواو، ثم، الفاء) على التوالي، وأفعالها (يتهدهد، يجتمع، يفرغ، يشرشر) على التوالي، وفاعل هذه الأفعال هو: (الحجر، ملائكة، لفظ الجلالة الله، ضمير مستتر) على التوالي.

ومن الملاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل فعلين من الرباعي المضاعف؛ هما: (يتهدهد، يشرشر) وماضيهما (هدهد، شرشر) ووزنهما الصرفي (فعلل)، أما من حيث التعدي واللزوم فقد جاءت أفعال هذه الجمل لازمة ومتعدية، فجاء فعلا الجملتين الأولى والثانية لازمين، أما فعل الجملة الثالثة، فتعدى بوساطة حرف الجر، على حين جاء فعل الجملة الرابعة رباعي الصيغة متعديا إلى مفعول واحد هو (الشدق).

وقد وردت الجملة الفعلية الخبرية الاستئنافية ذات الفعل المضارع التام المبني للمعلوم في تسعة وسبعين موضعا.

رابعا: الجملة ذات الفعل المضارع التام المبني للمجهول: ومن أمثلتها في الحديث الشريف الصحيح: (يغزو جيش الكعبة، فيخسف بهم)، (فيقال: لا دريت..، ثم يضرب بمطرقة من حديد).

فهاتان الجملتان استئنافيتان لا محل لهما من الإعراب، وقد تصدرهما حرفا استئناف هما (الفاء، ثم)، وسبقتا بجملتين تامتين المعنى، وقد بني فعلا الجملتين للمجهول، وكان نائب الفاعل في الجملة الأولى (الجار، والمجرور) وفي الجملة الثانية (الضمير المستتر)، وكلاهما من الصور التي تقوم مقام الفاعل عند حذفه لغرض يتطلبه واقع الحال.

وقد وردت الجملة الفعلية الخبرية الاستئنافية ذات الفعل المضارع التام المبني للمجهول في ثلاثين موضعا في (صحيح البخاري).

خامسا: الجملة ذات الفعل الماضي الناقص: ومن أمثلتها في الحديث الشريف الصحيح: (اللهم إني كان لي أبوان شيخان، فكنت أخرج، فأرعى)، (فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطا طيب النفس)، (بعثت من خير قرون بني آدم... حتى كنت من القرن الذي كنت فيه).

الجمل السابقة استئنافية، لا محل لها من الإعراب، وسبقت بكلام تام المعنى وصدرت بأحرف الاستنئاف (الفاء، الفاء، حتى)، وكانت أفعالها الناقصة هي: (كان، أصبح، كان)، وقد رفعت هذه الأفعال أسماءها؛ وهي: (ضمير الرفع المتصل، الضمير المستتر، الضمير المتصل)، وكانت أخبارهن: الأولى جملة فعلية فعلها مضارع، والثانية اسما عملت فيه (كان) النصب، والثالثة محذوفا تعلق به الجار، والمجرور وهو مقدر لدى الإعراب.

وردت الجملة الفعلية الخبرية الاستئنافية التي فعلها ماض ناقص في اثني عشر موضعا في (صحيح البخاري).

سادسا: الجملة ذات الفعل المضارع الناقص: ومن أمثلتها في الحديث الشريف الصحيح: (فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته).

وجد الباحثون اللغويون أن الجملة المضارعة الناقصة لم ترد إلا في هذه الجملة، وقد سبقها كلام تام المعنى، وقد تصدرها حرف الاستئناف (الفاء)، وهي لا محل لها من الإعراب.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة