الجُملة الفعليَّة في لغة الحديث الشَّريف 5-5

0 1332

لا يزال الحديث موصولا مع بعض الظواهر اللغوية في الجملة الفعلية الواردة في الأحاديث النبوية في (صحيح البخاري).

الجملة ذات الفعل الماضي التام المبني للمجهول: ومثالها من الحديث النبوي الشريف، قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا وضع العشاء، وأقيمت الصلاة، فابدؤا بالعشاء).

جملة (وأقيمت الصلاة) اقترنت بـ(الواو) وفعلها ماض مبني للمجهول وهو (أقيم)، وقد أنث الفعل بـ(تاء) التأنيث الساكنة، لأن النائب عن الفاعل وهو (الصلاة) مؤنث مجازي، والجملة لا محل لها من الإعراب، وقد أفادت النص توضيحا في المعنى وتسديدا في التوجيه.

الجملة ذات الفعل الماضي الناقص: ومثالها من الحديث النبوي الشريف، قوله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق شركا في عبد، فكان له مال يبلغ ثمن العبد، قوم العبد قيمة عدل).

الجملة السابقة حوت جملة اعتراضية، هي: (فكان له مال)، وفعلها ماض ناقص وهو (كان)، واسمه (مال)، وقد تأخر وتقدم عليه الجار والمجرور (له) المتعلقان بمحذوف (خبر) كان، وقد اتصلت الجملة الاعتراضية بـ(الفاء)، وأفادت النص توضيحا في المعنى، غير متأثرة بالإعراب الذي يعم الجملة التي سبقتها، وهي لا محل لها من الإعراب، وقد وردت هذه الجملة في موضعين فقط.

الجملة المفسرة: وهي الفضلة الكاشفة لحقيقة ما تليه نحو قوله تعالى: {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله}، فجملة (تؤمنون) تفسير للتجارة، وقد قيدت بـ(الفضلة) احترازا من الجملة المفسرة لضمير الشأن، فإن لها موضعا بالإجماع، نحو قوله تعالى: {إنه أنا الله العزيز الحكيم}، إذ إن جملة (أنا الله العزيز الحكيم) تفسير لضمير الشأن (الهاء) وهي خبره.

والرأي المشهور في الجملة المفسرة أنها لا محل لها من الإعراب، وقد خالف بعض النحاة ذلك، إذ يرون أن الجملة المفسرة بحسب ما تفسره، فإن كان له محل من الإعراب فهي كذلك وإلا فلا، ففي قولنا: (زيدا أكرمته) لا محل لها من الإعراب، إذ إن جملة (أكرمته) مفسرة للجملة المحذوفة التي نصبت (زيدا) وهي ابتدائية لا محل لها من الإعراب فكذلك المفسرة لها، أما في جملة (زيد الخبز يأكله) فجملة (يأكله) جملة مفسرة لها محل من الإعراب لأنها مفسرة للجملة التي نصبت (الخبز)، وهي لها محل من الإعراب لأنها في محل رفع خبر، فكذلك المفسرة لها وإلى مثل هذا ذهب بعض المحدثين، وهو في حقيقته رأي وجيه، ويظهر أثره في كثير من الجمل التي فسرت جملا لها محل من الاعراب، ففي قولنا: (إن زيدا تكرمه يكرمك)، فجملة (تكرمه) مفسرة لجملة (تكرم) المحذوفة، والدليل على ذلك ظهور الجزم على الفعل المفسر، حتى إن ذهبنا إلى أن الجزم ظهر على الفعل وليس على الجملة، فإن المحل محل جزم إذ لو وقع الفعل الماضي لقلنا: إنه مبني على كذا في محل جزم، وبناء على ما تقدم فإننا نعدها جملا لها محل من الإعراب.

وقد قسم النحاة الجملة المفسرة ثلاثة أقسام، فهي: إما مجردة من حرفي التفسير (أن، أو أي)، نحو: (هل تريد النجاح، تخلص في عملك)، وكما في الأمثلة السابقة، وإما مقترنة بحرف التفسير (أي) نحو: (عطشت أي أريد ماء)، أو مقترنة بحرف التفسير (أن)، ولكن يشترط فيها أن لا يدخل عليها حرف من حروف الجر، نحو: (أمرت زيدا أن يقول الحق).

وفي الحقيقة إن هناك فروقا بين التفسير بـ(أن) والتفسير بـ(أي)، فالتفسير بـ(أن) يشترط فيه:
أولا: أن تسبق (أن) التفسيرية بجملة، وأن تتأخر عنها جملة أيضا.
ثانيا: أن يكون في الجملة السابقة لـ(أن) التفسيرية معنى القول لا حروفه.
ثالثا: أن لا يدخل عليها حرف جر.

أما التفسير بـ(أي) فهو أعم وأوسع من التفسير بـ(أن)، إذ لا يشترط فيه الشروط السابقة، فهي تفسر كل مبهم المفردات والجمل، وتقع بعد القول وغيره.

ولم ترد الجملة المفسرة في الأحاديث المرفوعة في (صحيح البخاري) إلا في ثلاثة مواضع، وكان التفسير بوساطة الحرف (أن) على النحو الآتي: قوله عليه الصلاة والسلام: (أمرنا أن نسجد على سبعة أعظم).

الجملة السابقة جاءت فيها (أن) التفسيرية متبوعة بجملة مفسرة للأمر، وقد حوى الأمر هنا -أي الفعل- معنى القول من غير حروفه، فالفعل (أمرنا) المبني للمجهول بمعنى (قيل لنا)، ولهذا صح عد (أن) تفسيرية -كما تقدم-، أما الجملة التي بعد (أن) التفسيرية فهي (نسجد على سبعة أعظم)، وقد تصدرت بالفعل المضارع (نسجد) الذي نصب لتقدم (أن) عليه، وفاعله ضمير مستتر تقديره (نحن) وقد تعدى الفعل بوساطة حرف الجر (على) إلى مفعوله (سبعة)، والجملة لا محل لها من الإعراب لأنها فسرت جملة (أمرنا) التي هي ابتدائية لا محل لها من الإعراب.

جملة صلة الموصول: الأسماء الموصولة أسماء ناقصة الدلالة، لا يتضح معناها إلا إذا وصلت بالصلة، فهي مفتقرة إلى تلك الصلة، وليس كل جملة تصلح أن تكون صلة الموصول الاسمي، وعليه فإن لها شروطا يجب أن تتحقق فيها، ومنها كونها خبرية لفظا ومعنى، وأن يكون معناها معهودا للمخاطب أي معلومة للمخاطب، إذ إن فائدة الصلة هي رفع الإبهام عن الموصول وتوضيحه للمخاطب، فإذا كانت الصلة مبهمة أيضا عند المخاطب فما الفائدة من الإتيان بها؟

وكذلك يجب أن تكون الجملة مشتملة على ضمير يعود على الاسم الموصول -غالبا- إذ قد يعود على غيره جوازا، نحو: (أنا الذي سافرت)، وهذا الضمير يسمى العائد، وهو يجب أن يطابق العائد إليه لفظا ومعنى أو في أحداهما، وفي التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع، وهذا في الموصولات المختصة، أما المشتركة فلا يجب ذلك إلا إذا خيف اللبس.

ولا يفصل بين الصلة والموصول بأجنبي، وهو ما ليس من الصلة إلا ببعض الأشياء مثل: الجملة الاعتراضية، والقسم، والنداء، والحال، و(كان) الزائدة، وبناء على هذا فإن الموصول لا يتبع بأي تابع، ولا يخبر عنه ولا يستثنى منه قبل تمام صلته، فهذه شروطه التي يتصف بها، وجملة الصلة لا محل لها من الإعراب، إذ الموضع الإعرابي للموصول فقط، بدليل ظهور الإعراب على الاسم الموصول نحو: (سلمت على أيهم لقيته).

وقد وردت الجملة الفعلية الخبرية التي هي صلة الموصول الاسمي في الأحاديث المرفوعة في (صحيح البخاري) في (أحد عشر وثلاثمئة) موضع على النحو الآتي:

أولا: الجملة ذات الفعل الماضي التام المبني للمعلوم: ومن أمثلتها من الأحاديث النبوية: (فلا أدري، أكان فيمن صعق)، (ثم اقرأ ما تيسر)، (إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها)، (اشرب أيهما شئت)، (أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة)، (وقتل النفس التي حرم الله).

الجمل السابقة لا محل لها من الإعراب، إذ إنها صلات للموصلات الاسمية (من، ما، ما، أي، الذي، التي) على التوالي، وهذه الموصولات تنقسم على موصولات مشتركة، وموصولات مختصة فـ(من، ما، أي) مشتركة لأنها تكون للمفرد والمثنى والجمع، وللمذكر وللمؤنث، أما (الذي، التي) فمختصة لأن (الذي) تختص بالمفرد المذكر، و(التي) تختص بالمفردة المؤنثة، ولو رجعتا إلى أفعال هذه الصلات لوجدناها (صعق، تيسر، وسوس، شاء، أخرج، حرم) على التوالي، وننظر إلى الجملة من جهة اسمها الموصول وصلته، أما الجملة الأولى فاسمها الموصول هو (من)، وهو من الموصولات المشتركة، ويستعمل للدلالة على العاقل، وهكذا ورد في الاستعمال النبوي وفعله (صعق) لازم، والعائد ضمير مستتر في (صعق)، وهو الرابط بين الاسم الموصول وصلته، أما الجملة الثانية فاسمها الموصول (ما) وهي دالة على غير العاقل، وهي من الموصولات المشتركة، وفعلها (تيسر) متعد بحرف جر محذوف، والتقدير (ما تيسر لك)، والعائد ضمير مستتر في الفعل وهو الرابط بين الصلة والموصول.

والجملة الثالثة اسمها الموصول (ما) أيضا، وفعلها (وسوس) الرباعي المضاعف وهو متعد بحرف جر كذلك، والعائد (الضمير المتصل الهاء) الذي هو في محل جر بالباء، وهنا قد وقع العائد على الموصول في محل جر، وهنا لا يجوز حذف العائد، إذ يشترط في حذفه عند دخول حرف الجر عليه، أن يدخل على الموصول حرف جر، مثل الذي دخل على العائد، ومن المعلوم أن الاسم الموصول (ما) في محل نصب.

أما الجملة الرابعة فقد جاء الاسم الموصول فيها (أي)، وقد اختلف في موصوليتها فذهب بعضهم إلى أنها لا تقع إلا شرطية أو استفهامية، وذكر سيبويه أن إعرابها مطلقا لغة جيدة. والراجح أنها تقع شرطية، واستفهامية، وصفة، وموصولة و(أي) ملازمة للإضافة في كل أحوالها، فهي تضاف إلى معرفة إن كانت موصولة، والى نكرة إن كانت صفة، وتضاف إلى النكرة أو المعرفة إن كانت شرطية أو استفهامية وهي معربة، إلا في حالة إضافتها وحذف صدر صلتها نحو (أحترم أيهم أفضل)، وقد وردت (أيهما) في الشاهد النبوي معربة وصلتها جملة (شئت)، والعائد محذوف.

أما الجملتان الخامسة والسادسة فقد جاء الاسم الموصول فيهما (الذي، التي) على التوالي، وهما يصحان للعاقل وغيره (المذكر والمؤنث) على التوالي، وقال النحاة: إن (الذي) وأخواته مما فيه (ال) يتوصل بها إلى وصف المعارف بالجمل، إذ إننا لا نصف المعرفة بالجملة، ولكن نصف النكرة بالجملة؛ فنقول: (جاء رجل يقول الحق)، فإذا أردنا أن نصف المعرفة بالجملة جئنا بـ(الذي) فقلنا: (جاء الرجل الذي يقول الحق)، وقد جاءت صلة (الذي) جملة فعلها (أخرج) متعد بوساطة (الهمزة)، والعائد هو الضمير (الكاف) وهو في محل نصب، ويجوز حذفه عند أمن اللبس إلا إذا كان منفصلا أو في صلة (ال)، أو كان ناصبه غير الفعل التام، فشروط جواز حذفه هي أن يكون متصلا منصوبا بفعل تام، أو بوصف.

أما صلة (التي) فقد جاء فعلها (حرم) متعد بالتضعيف، والعائد محذوف وهو جائز الحذف هنا -كما تقدم-.

وقد وردت الجملة الفعلية الخبرية الواقعة صلة للموصول الاسمي وفعلها ماض تام مبني للمعلوم في (ثلاثة وستين ومئة) موضع.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة