- اسم الكاتب:عبد الله شاكر
- التصنيف:من ذاكرة التاريخ
من فضائله أن الله أسرى بنبيه من المسجد الحرام إليه، وأنه صلى بالأنبياء إماما، قال الله - تعالى -: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) (الإسراء).
قال ابن كثير - رحمه الله -: "يمجد - تعالى - نفسه، ويعظم شأنه لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه، فلا إله غيره، ولا رب سواه (الذي أسرى بعبده) يعني محمدا (ليلا) أي في جنح الليل (من المسجد الحرام)، وهو مسجد مكة (إلى المسجد الأقصى)، وهو بيت المقدس الذي بإيلياء، معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل - عليه السلام -، ولهذا جمعوا له هناك كلهم، فأمهم في محلتهم ودارهم، فدل على أنه الإمام الأعظم، والرئيس المقدم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين" تفسير ابن كثير.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله: ((لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربة ما كربت مثله قط، قال فرفعه الله لي أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء؛ فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى ابن مريم - عليه السلام - قائم يصلي أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم - عليه السلام - قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم يعني نفسه، فحانت الصلاة فأممتهم، فلما فرغت من الصلاة قال قائل يا محمد هذا مالك صاحب النار فسلم عليه فالتفت إليه فبدأني بالسلام)) (صحيح مسلم).
ويلاحظ في هذا الحديث أن النبي ذكر صراحة تقدمه على جميع المرسلين وأنه أمهم، وصلاة المرسلين خلفه اعتراف منهم بمنزلته وفضله ومكانته، وأن رسالته نسخت جميع الرسالات السابقة عليه، فلا يعمل بها ولا يرجع إليها، وأن مسئولية المسجد الأقصى أصبحت مسئولية الرسالة الخاتمة التي ختمها الله بنبينا؛ لأن جميع الأنبياء والمرسلين قد سلموا له بذلك، فالمسجد الأقصى للمسلمين إلى أن تقوم الساعة بشهادة جميع المرسلين، وقد اختلف العلماء في مكان هذه الصلاة ووقتها، والراجح أنها كانت ببيت المقدس بعد معراجه.
قال ابن كثير - رحمه الله -: "ثم هبط إلى بيت المقدس، وهبط معه الأنبياء، فصلى بهم فيه لما حانت الصلاة، ويحتمل أنها الصبح من يومئذ، ومن الناس من يزعم أنه أمهم في السماء، والذي تظاهرت به الروايات أنه ببيت المقدس، ولكن في بعضها أنه كان أول دخوله إليه، والظاهر أنه بعد رجوعه إليه؛ لأنه لما مر بهم في منازلهم جعل يسأل جبريل عنهم واحدا واحدا، وهو يخبره بهم، وهذا هو اللائق؛ لأنه كان أولا مطلوبا إلى الجناب العلوي ليفرض عليه وعلى أمته ما يشاء الله - تعالى -، ثم لما فرغ من الذي أريد به اجتمع هو وإخوانه من النبيين، ثم أظهر شرفه وفضله عليهم بتقديمه في الإمامة، وذلك عن إشارة جبريل - عليه السلام - له في ذلك، ثم خرج من بيت المقدس فركب البراق وعاد إلى مكة بغلس، والله - سبحانه وتعالى – أعلم" تفسير ابن كثير.
كما رجح ذلك الشيخ الألباني - رحمه الله – فقال: "والصحيح أنه إنما اجتمع بهم في السماوات، ثم نزل إلى بيت المقدس ثانيا وهم معه، وصلى بهم فيه، ثم إنه ركب البراق، وكر راجعا إلى مكة، والله أعلم" الإسراء والمعراج للألباني.
من فضائل المسجد الأقصى
ومن فضائل المسجد الأقصى أنه أحد المساجد الثلاثة التي أذن الشرع في شد الرحال إليها، كما ثبت عن قزعة مولى زياد قال سمعت أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه - يحدث بأربع عن النبي فأعجبنني وآنقنني، قال: ((لا تسافر المرأة يومين إلا معها زوجها أو ذو محرم، ولا صوم في يومين الفطر والأضحى، ولا صلاة بعد صلاتين بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب، ولا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام ومسجد الأقصى ومسجدي)) (البخاري).
وقد اشتمل هذا الحديث على أربعة أحكام أحدها سفر المرأة، وثانيها منع صوم الفطر والأضحى، وثالثها منع الصلاة بعد الصبح والعصر، ورابعها منع شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة.
والصلاة في المسجد الأقصى تفضل الصلاة في غيره بمائتين وخمسين صلاة، كما في حديث أبي ذر - رضي الله عنه – قال: "تذاكرنا ونحن عند رسول الله أيهما أفضل مسجد رسول الله، أو مسجد بيت المقدس، فقال رسول الله صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى، وليوشكن أن لا يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعا، أو قال خير من الدنيا وما فيها" (أخرجه الحاكم، وصححه ووافقه الذهبي المستدرك).
والمسجد الأقصى هو ثاني مسجد بني على الأرض كما في البخاري عن أبي ذر - رضي الله عنه – قال: قلت يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: ((المسجد الحرام)) قال: قلت ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى؟ قلت: كم بينهما؟ قال: ((أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصل فإن الفضل فيه)) (البخاري).
قال ابن حجر في الفتح: "وليس إبراهيم أول من بنى الكعبة، ولا سليمان أول من بنى بيت المقدس، فقد روينا أن أول من بنى الكعبة آدم، ثم انتشر ولده في الأرض، فجائز أن يكون بعضهم قد وضع بيت المقدس، ثم بنى إبراهيم الكعبة بنص القرآن، وكذا قال القرطبي إن الحديث لا يدل على أن إبراهيم وسليمان لما بنيا المسجدين ابتدآ وضعهما لهما، بل ذلك تجديد لما أسسه غيرهما" فتح الباري.
وقد سأل سليمان - عليه السلام - ربه وهو يبني بيت المقدس أن يخرج من صلى فيه من خطيئته كيوم ولدته أمه، ففي مسند الإمام أحمد وغيره أن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل الله - عز وجل - خلالا ثلاثة: ((سأل الله حكما يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله حين فرغ من بناء المسجد ألا يأتيه أحد لا ينهزه أي لا يدفعه إلا الصلاة فيه أن يخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه، أما اثنتان فقد أعطيهما، وأرجو أن يكون أعطى الثالثة)) والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع.
ونحن نرجو أن يعطى الثالثة، وأن يكتب لنا الله الصلاة فيه وننال هذا الأجر والفضل.
أرض فلسطين هي مهاجر إبراهيم - عليه السلام –
وأرض فلسطين المباركة هي مهاجر إبراهيم ولوط - عليهما السلام - فالله- تبارك وتعالى - لما نجى إبراهيم ولوطا - عليهما السلام - وجههما إلى فلسطين ليقيما عليها ويستقرا بها، وفيها توفي خليل الرحمن إبراهيم - عليه السلام - في البيت المقدس، ودفن في أرض فلسطين، وكان ملك داود وسليمان - عليه السلام - في البيت المقدس، كما عاش من اصطفاهم الله من آل عمران ببيت المقدس، وقد نذرت أم مريم ما في بطنها لخدمة بيت المقدس، وهذا يفيد مكانته عندهم قال - تعالى -: (إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم) (آل عمران).
والمعنى أنها نذرت ما في بطنها وسألت ربها أن يكون خالصا مفرغا للعبادة ولخدمة بيت المقدس، ولمكانة بيت المقدس وفضله سأل كليم الله موسى - عليه السلام - ربه أن يدنيه عند الموت من الأرض المقدسة لشرفها وبركتها، كما في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: "أرسل ملك الموت إلى موسى - عليه السلام -، فلما جاءه صكه، فرجع إلى ربه، فقال أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فرد الله عليه عينه، وقال ارجع فقل له يضع يده على متن ثور فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة سنة قال أي رب، ثم ماذا؟ قال ثم الموت قال فالآن فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجرقال رسول الله فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر". (البخاري، ومسلم).
وقد ترجم الإمام البخاري - رحمه الله - لهذا الحديث بقوله: "باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة" فتح الباري.
وقال النووي - رحمه الله -: "وأما سؤاله الإدناء من الأرض المقدسة؛ فلشرفها وفضيلة من فيها من المدفونين من الأنبياء وغيرهم قال بعض العلماء وإنما سأل الإدناء ولم يسأل نفس بيت المقدس؛ لأنه خاف أن يكون قبره مشهورا عندهم فيفتتن به الناس" شرح النووي على مسلم.
ومن المعلوم أن الأصل في نجاة الإنسان عمله الصالح، غير أن الحديث دال على فضل بيت المقدس وأنه حقا بقعة مباركة، وأن موسى - عليه السلام - حرص على أن يكون قبره قريبا منه.
والأقصى اليوم في أيدي ثلة من اليهود العابثين المحتلين، وعلى الأمة المسلمة أن تسعى لإرجاعه وضمه إليها، فهو مسرى رسولها. والدفاع عن الأقصى أمانة في عنق كل مسلم، وبذل الجهد في ذلك مطلوب وواجب، ونصرة إخواننا في فلسطين كذلك، أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يرد المسجد الأقصى إلى ديار المسلمين، وأن يكتب لنا فيه صلاة قبل الممات، وأن يقهر الصهاينة المعتدين ومن على شاكلتهم من المجرمين، ويومئذ سنفرح بنصر الله العزيز الحكيم، والحمد لله رب العالمين.