- اسم الكاتب:خالد بن عبد الرحمن الجريسي
- التصنيف:ثقافة و فكر
الإسلام عقيدة وشريعة وعمل، والعمل يشمل العبادات والطاعات كما يشمل النشاط المبذول في كسب الرزق وفي عمارة الحياة وتنمية الإنتاج والخيرات، وبذلك يتحقق التوازن بين مطالب الجسد والروح.
فمع حرص الإسلام على تزكية روح المؤمن وترفعها عن الدنيا والحث على الزهد فإنه حث أيضا على السعي في الأرض للحصول على المادة {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا}[القصص] وذلك حتى لا يقع أهل هذا الدين الإسلامي تحت أسر الأمم المادية، وحتى لا يهون شأنهم في هذه الحياة، فالإنسان خليفة الله في أرضه {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها}[هود].
وليتمكن الإنسان من عمارة الأرض فإنه سبحانه ذللها له {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور}[الملك] حتى يعمل على عمارتها ظاهرا وباطنا.
فهو مأمور بعمارتها بالعبادة وإقامة الحق والعدل ومفطور على عمارتها من النواحي المادية والاقتصادية المختلفة فـ (نعم المال الصالح للرجل الصالح)[ابن حبان].ومن هنا جاءت نصوص الإسلام حاثة المسلمين على مزاولة التجارة والزراعة والصناعة بمهنها المختلفة، لأن بها قوام الأرض، وصلاح أمور العباد الدنيوية.
فقد جاء في الأثر حث الأمة على مزاولة التجارة (عليكم بالتجارة فإن فيها تسعة أعشار الرزق) ، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة)[الترمذي].
كما أنه صلى الله عليه وسلم حث أمته على العناية بالأرض وزراعتها في قوله: (التمسوا الرزق في خبايا الأرض)[الطبراني]، وقوله: (ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا أو يبذر بذرا فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كان له به صدقة)[مسلم].والمؤمن صاحب الحرفة أحب إلى الله من ذي البطالة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب العبد المؤمن المحترف)[الطبراني].
وهو من الكسب الطيب كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم: حين سئل: أي الكسب أطيب؟ قال: (عمل الرجل بيده, وكل بيع مبرور)[الحاكم]. وقوله: (خير الكسب كسب يدي العامل إذا نصح)[أحمد] وفي قوله: (ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده)[البخاري].
ومع حث الإسلام على العمل وطلب الرزق أن يكون الرزق حلالا طيبا كما قال الله تعالى: {يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا}[البقرة].
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (طوبى لمن طاب كسبه)[الطبراني] والرزق الطيب من أسباب إجابة الدعاء كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم: (أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)[البخاري].كذلك فإن الإسلام وجه المؤمن للسعي والعمل والحركة الدائبة وجعلها من لوازم طلب الرزق ففي الأثر (يا ابن آدم حرك يدك يسبب لك الرزق) .
ومما يساعد على البركة في الرزق التبكير في طلبه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لأمتي في بكورها)[الترمذي] .
والعلم والتطوير والتفكر والاعتبار من ضروريات النجاح في العمل لقول الله تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}[الزمر] وقوله تعالى: {وما يستوي الأعمى والبصير}[فاطر].
ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين)[مسلم] ، والمسلم في عمله يسعى إلى هدف وغاية لقول الله تعالى: {أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم}[الملك].
ولابد له من اتخاذ الأسباب المعينة له في ذلك ، ثم يفوض النتائج إلى الله عز وجل وليؤمن بـ (إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله)[ابن حبان]ويعمل بوصية النبي صلى الله عليه وسلم التي يقول فيها: (لا تستبطئوا الرزق فإنه لن يموت العبد حتى يبلغه آخر رزق هو له فأجملوا في الطلب ...)[ابن حبان].
والمسلم مطالب بحسن الأداء في عمله والإتقان فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)[الطبراني].
وعليه أن يستشعر عظم المسؤولية الملقاة على عاتقه فـ (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)[مسلم].ومن أسس العمل بذل المعروف والتعاون على الخير لقوله تعالى: { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )[المائدة].
(والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)[مسلم].ومما سبق نلحظ أن الدين الإسلامي؛ دين شريعة وحياة، دين عقيدة وعمل، وأنه فاق الأديان السماوية السابقة في تنظيم شؤون الناس الاقتصادية والاجتماعية في حياتهم الدنيوية ليضمن لهم بذلك العيش الكريم الحافل بالحركة الدائبة والعمل المثمر.