أسلوب المدح والذَّمّ في لغة الحديث النّبويّ 1-2

0 1689

من الأساليب النحوية التي استخدمها العرب للتعبير عن المدح، أو الذم؛ أسلوب (نعم، وبئس)، و(حبذا، ولا حبذا)، وغيرها من الأفعال التي تسد مسدها؛ مثل: (ساء، وحسن، وضعف، وكبر)، وما قام مقامها.

وهذا يدل على المستوى الإيجازي الرفيع الذي تتمتع به هذه اللغة المقدسة، ولا سيما أن هذه الألفاظ في هذا الأسلوب تأتي على وفق نظام بديع؛ فعناصره ثلاثة: (فعل المدح أو الذم، والفاعل، والمخصوص بالمدح أو الذم)، ويجوز في هذه العناصر بعض التغيرات التي لا تخرج عن نظام اللغة العربية.

ولا يجوز الاكتفاء بالفعل وفاعله في هذا الأسلوب؛ فلا تقول: (نعم الرجل) من غير ذكر المخصوص، أو الإشارة إليه، وزيادة على ما تقدم فإن (الفاعل) لا يكون إلا معرفا بـ(أل)، أو مضافا إلى معرف بـ(أل)، أو مضافا إلى مضاف معرف بـ(أل)، أو ضميرا مستترا مفسرا بتمييز.

ولو عدنا إلى ألفاظ المدح أو الذم نفسها لوجدنا أن (نعم، وبئس) لفظان وضعا لإنشاء المدح أو الذم على التوالي، قال سيبويه: "وأصل نعم، وبئس: نعم، وبئس، وهما الأصلان اللذان وضعا في الرداءة والصلاح، ولا يكون منهما فعل لغير هذا المعنى"، وقد عدهما البصريون فعلين جامدين على حين عدهما الكوفيون اسمين، ولكل فريق أدلته.

وتستخدم (نعم، وبئس) للمدح العام، أو للذم العام على التوالي؛ فقولك: "نعم الرجل محمد"، يعني: أنك مدحت (محمدا) مدحا عاما دونما ذكر لخصلة معينة، وكذلك حال الذم، ولكن قد تذكر خصلة معينة من خصال المدح أو الذم إذا أردت ذلك؛ فتقول مثلا: "نعم شاعر القوم حسان".

وتتصل بـ(نعم، وبئس) (ما) فيقال: (نعم ما)، و(بئس ما)، وقد تدغم الميمان في (نعم) و(ما)؛ فيقال: (نعما)، قال تعالى: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي} (البقرة:271).

وللنحاة في (ما) قولان: إما أنها تمييز بمعنى (شيء)، وإما أنها فاعل لـ(نعم)، وهي اسم موصول، أو معرفة تامة بمعنى (الشيء).

أما المخصوص بالمدح أو الذم بعد (نعم، أو بئس) فيؤتى به مرفوعا بعد الفعل وفاعله، أو بعد التمييز إن كان موجودا، ولا بد من وجود المخصوص ولا يحذف إلا إذا دل عليه دليل، وبهذا فإن فعل المدح أو الذم يختلف عن سائر الأفعال؛ إذ إنها قد تكتفي بمرفوعها، وهذا لا يكتفي به مطلقا بل لا بد من تعيين ممدوح، أو مذموم.

ولإعراب المخصوص ثلاثة أوجه؛ هي: إما أنه مبتدأ خبره ما قبله، أو أنه خبر لمبتدأ محذوف وجوبا تقديره (هو)، أو أنه بدل من الفاعل.

بقي أن نقول: إنه قد يستخدم (نعم، وبئس) استخداما آخر، وهو كونهما متصرفين وليسا جامدين، فيكون لهما فعل مضارع وأمر واسم فاعل وغير ذلك، وهما عند ذاك للإخبار عن النعمة والبؤس، ويدخل عليهما تغير في بنيتهما إذ يكونان مكسوري العين؛ فتقول: "نعم الرجل بمعيشته"، وهكذا.

ومن الأفعال الأخر التي للمدح أو الذم: (حبذا، ولا حبذا)، و(حب) في الأصل متصرف لكنه جمد في هذا التركيب لإنشاء المدح، وعند دخول (لا) عليه فإنه يفيد الذم.

وقد وردت أفعال المدح أو الذم في صحيح البخاري في اثني عشر موضعا، على وفق ما يأتي:

أولا: أفعال المدح:

الصورة الأولى: فعل المدح (نعم)، والفاعل اسم معرف بـ(أل)، والمخصوص:

ومثاله من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم الرجل عبد الله)، (نعم الجهاد الحج)، في هذين المثالين استخدم النبي عليه الصلاة والسلام الفعل (نعم)، وهو فعل جامد لإنشاء المدح -على رأي البصريين-، و(الرجل، والجهاد) على التوالي فاعله، وهما معرفان بـ(أل) الجنسية.

قال سيبويه: "إذا قلت: عبد الله نعم الرجل، فإنما تريد أن تجعله من أمة كلهم صالح، ولم ترد أن تعرف شيئا بعينه بالصلاح بعد نعم"، وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم من هذين الجنسين (عبد الله، الحج) على التوالي، وعليه فإن المخصوص مبتدأ خبره ما قبله؛ لأنه لا يختلف إعرابه تقدم أو تأخر، ولأنه تدخل عليه (النواسخ) مقدما أو مؤخرا، ولم ترد هذه الصورة في صحيح البخاري في غير هذين الموضعين.

الصورة الثانية: فعل المدح (نعم)، والفاعل مضاف إلى ما فيه (أل)، والمخصوص محذوف:

ومثاله من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإن هذا المال خضرة حلوة، فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل)، حيث ورد في هذا الحديث (نعم) دالا على المدح، وفاعله مضافا إلى ما فيه (أل)، وهو (صاحب) المضاف إلى (المسلم)، والمخصوص بالمدح محذوف لدلالة ما قبله عليه وهو (المال)، وقد وردت هذه الصورة في (ثلاثة) مواضع في صحيح البخاري.

وسوف نأتي على بقية هذا الموضوع في مقال لاحق بإذن الله تعالى.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة