- اسم الكاتب:د. سعيد محمد حافظ
- التصنيف:ثقافة و فكر
هناك حقيقة مهمة يحاول الفكر الغربي أن ينكرها، أو يتجاهلها، أو يقلل من قدرها؛ لأنها ذات تأثير نفسي بالغ، فضلا عن أثرها التاريخي البارز، وهي أن المسلمين هم الذين وضعوا المنهج العلمي التجريبي الذي تقوم عليه الحضارة الحديثة، وأنهم لم يقبلوا المنهج النظري اليوناني على صورته الأصلية، وإنما تناولوه بالنقد والتحليل والمراجعة، لأنه كان منهج حضارة عبودية يختلف عن مفاهيمهم وقيمهم، ولذلك فقد تحرك المسلمون، من خلال القرآن الكريم والسنة المطهرة، لتأسيس منهج جديد هو المنهج التجريبي، وقد شهد بذلك كبار أعلام الفكر الغربي.
ولقد سبق المسلمون في معطيات كثيرة مفكري الغرب، سواء في مجال الاجتماع، أو الاقتصاد، أو السياسة. وظل الغرب ينكر أثر المسلمين في حضارته أكثر من ثلاث مائة سنة حتى جاء من كشف عن أثر العرب في كل العلوم التجريبية والكيميائية والطبيعية، فضلا عن الطب والفلك، ولم يجد الغربيون أمامهم بدا من الاعتراف بذلك، بعد أن قال علماؤهم إن ابن الهيثم من أعظم علماء البشرية على الإطلاق، واعترفوا بأن ابن خلدون أول من وضع أسس علم الاجتماع وفلسفة التاريخ.
إن نصاعة تاريخ الكاتب الصادق في انتمائه إلى أمته وفكرها؛ هي مفتاح الثقة به، ويكون في دعوته وهدفه وكتاباته مطابقا لتوجيه القرآن الكريم في قوله تعالى: {لتبيننه للناس ولا تكتمونه} (آل عمران:187). كذلك فإن هذا الكاتب لا يحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، ولا يكون أبدا أداة لتتزيف الحق أو إعلاء شأن الأهواء، أو خداع القارئ بالعناوين البراقة والكلمات اللامعة: كالفكر الحر، والانطلاق، ونسبية الأخلاق، وحتمية التطور.
إن من علامات تمييز هذا الكاتب الصادق الإخلاص والإيمان. والكتاب المقدورون لدينا، لنأخذ منهم ونتلقى عنهم، هم الذين عرفوا بنصاعة الصفحة، وسلامة الفطرة، والولاء للخير، خير هذه الأمة وفكرها وقيمها الأساسية.
من أكبر الأخطاء قول القائل: "قلب عربي وعقل أوروبي"؛ وذلك لأننا نؤمن بقلب عربي إسلامي وعقل عربي إسلامي أيضا، لا تفرقة بين العقل والقلب، ولا سبيل لأن يسير أحدهما في نهج مخالف للآخر، ولابد أن ينسجما معا في طريق واحد هو طريق التوحيد والإيمان والأخلاق على النحو الذي رسمه القرآن وقام عليه الإسلام.
فإن كان المقصود بالعقل الأوروبي علوم الغرب الحديثة؛ فإننا حين نأخذها إنما نأخذها بالعقل العربي الإسلامي ومن خلال دائرة فكرنا الأصيل ذي الجذور العميقة لئلا تخرج به عن مقوماته.
أما القلب العربي فلن يكون قلبا حقيقة إلا إذا كان إسلاميا وعربيا معا، فيه المروءة تتحرك في ضوء العربية، وفي ضوء الخلق الإسلامي ودوافعه ومراميه.
وهناك تحديات ثلاثة خطيرة واجهت المسلمين في العصر الحديث، هي:
أولا: التحدي المنبعث من واقع المسلمين الفكري.
ثانيا: التحدي المنبعث من داخل المجتمع الإسلامي نتيجة الاحتلال، ويتمثل في الشعوبية ونفوذ التنصير ومدارس الإرساليات، ومناهج التربية والتعليم التي أخرجت الإسلام من العقل والقلب المسلم، وفتحت أمامه طريقا واسعا لتقبل كل الأوهام والأهواء.
ثالثا: التحدي الخارجي، ويتمثل في التغريب ومناهجه ودعوته، ومن ورائه الاستشراق، ليملأ الفراغ الذي تركته مخططات الاستعمار في تفريغ التربية والتعليم في العالم الإسلامي، وقد تظاهرت الحركتان الاستشراقية والتنصيرية على هذا العمل.
إن طابع التشاؤم الذي يسود الأدب الحديث هو طابع غربي محض، وهو دخيل على الأدب العربي والفكر الإسلامي. وفي ظل هذا الاتجاه السوداوي المتشائم تنتشر على أوسع نطاق في عالم الغرب أفكار عن "لا معقولية الحياة" و"عبث الوجود" حتى أصبح المفكرون المتشائمون يشنون هجمات حادة على كل فكر معارض. ويرى الباحثون اليوم أن الوجودية هي أعلى أطوار فلسفة التشاؤم.