- اسم الكاتب:د.عبد الحق حميش
- التصنيف:قضايا شبابية
إن الشباب عمود المجتمع، بهم يقوى ويبقى ومن دونهم يضعف ويضمحل. وتقوم الأمم والشعوب بسواعد ونشاط وعلم الشباب فيها، كما أن كسلهم وجهلهم هو عين التخلف والتراجع عن ركب الحضارة والتقدم.
إن الشباب في كل زمان ومكان عماد الأمة، وسر نهضتها، ومبعث حضارتها، وحامل لوائها ورايتها، وقائد مسيرتها إلى المجد والتقدم والحضارة، وصناع مجدها، وصمام حياتها، وعنوان مستقبلها، فهم يملكون الطاقة والقوة والحماسة التي تؤهلهم إلى أن يعطوا من أعمالهم وجهودهم وعزمهم وصبرهم ثمرات ناضجة للأمة إذا ما ساروا على الطريق الصحيح المرسوم في اتجاه التنمية والتقدم، واستغلوا نشاطهم فيما فيه منفعة لهم ولغيرهم خدمة للوطن وللأمة.
اعتناء الإسلام بالشباب
لذلك اعتنى الإسلام بالشباب عناية فائقة، ووجههم توجيها سديدا نحو البناء والنماء والخير، واهتم الرسول صلى الله عليه وسلم بالشباب اهتماما كبيرا، فقد كانوا الفئة الأكثر التي وقفت بجانبه في بداية الدعوة فأيدوه ونصروه ونشروا الإسلام وتحملوا في سبيل ذلك المشاق والعنت. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ما آتى الله عز وجل عبدا علما إلا شابا، والخير كله في الشباب"، ثم تلا قوله عز وجل: {قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم}، وقوله تعالى: {إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى}، وقوله تعالى: {وآتيناه الحكم صبيا}.
وعمل عليه الصلاة والسلام على تهذيب أخلاق الشباب، وشحذ هممهم، وتوجيه طاقاتهم، وإعدادهم لتحمل المسؤولية في قيادة الأمة، كما حفزهم على العمل والعبادة، فقال عليه الصلاة والسلام: [سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: وعد منهم: [شاب نشأ في عبادة الله].
وحث الرسول صلى الله عليه وسلم الشباب على أن يكونوا أقوياء في العقيدة، أقوياء في البنيان، أقوياء في العمل، فقال: [المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير]، غير أنه نوه إلى أن القوة ليست بقوة البنيان فقط، ولكنها قوة امتلاك النفس والتحكم في طبائعها، فقال: [ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب].
الشباب وتحمل المسؤولية
فعلى قيادات الأمة في مختلف المجالات وعلى كل المستويات أن تسند إلى الشباب المناصب والمسؤوليات، إعدادا لهم، وتنمية لملكاتهم، وتفجيرا للكامن من طاقاتهم، مع إتاحة الفرصة لهم للالتقاء بالشيوخ والكبار، والاستفادة من خبرتهم، والاقتباس من تجاربهم؛ حتى تلتحم قوة الشباب مع حكمة الشيوخ، فيثمرا رشادا في الرأي وصلاحا في العمل، ولله در عمر بن الخطاب الذي كان يتخذ من شباب الأمة الواعي المستنير مستشارين له؛ يشاركون الأشياخ الحكماء في مجلسه، ويشيرون عليه بما ينفع الأمة.
ولتفادي كل السلبيات التي قد تصدر من الشباب في المجتمـع، يجب السعي إلى استثمار طاقاتهم وقواهم فيما يرجى نفعه وفائدته من فرص للعمل والشغل لامتصاص أكبر قدر من البطالـة التي باتت تنخر العمود الفقري للمجتمع، وتهدد أكثر أفراده حيوية بالضياع والفقر والتشرد، ولا بد من إشغالهم بالأنشطـة التعليمية والثقافيـة والاجتماعيـة والرياضية للنهوض بهذه الفئـة الشابـة والرفع من مستواها ومعنوياتهـا، بدل إهمالهـا والتخلي عنها في عتمة زوايا الضياع.
إننا حينما نتأمل حالة مجتمعنا اليوم ونحاول أن نرصد نشاط شبابه عن كثب، نجده منصرفا إلى ما يهدم دعائم هذا الوطن بدل بنائها وإقامتها؛ إذ يختفي حس المسؤوليـة وينعدم الواجب، وتغيب التضحيـة وراء ستائر العبث والاستهتار واللامبالاة، فلا يبقـى إلا الدور السلبي الذي أصبح يقوم به جل الشباب، إذا لم نقل كلهم استثناء لفئة قليلة جدا.
إن منافذ اللهو ومعاقل الفساد، وأوكار الـشر ومواطن الكسل، ومكامـن الخمول التي تستهوي شبابنا اليوم، تقضي على دوره الإيجابي في المجتمع، وليس هناك أكثر من سبل الشيطان ومغاويه في الحياة، وليس أسهل من الوقوع في شركها حينما تنقاد النفس مع شراع الشهوات والملذات المستهوية.
وبناء على ذلك، فليس غريبـا أن نجد فئات واسعـة من الشباب في عمـر الزهور يقتلون أوقاتهـم فيما لا طائل من ورائه؛ جلوسا في المقاهي طيلـة اليوم كالعجزة راصدين كل غاد ورائح، أو رابضين أمام أبواب الإعداديات والثانويات يتصيدون تلميذات المدارس للتحرش بهن ومضايقتهن، وفي أحسن الأحوال يمكثون في بيوتهم نائمين إلى ساعات متأخرة جدا من النهار، أو جالسين إلى قنوات اللهو والموسيقى.
ضرورة تنمية الشباب
إن تنمية الشباب ـ روحيا وعقليا وجسديا تنمية جيدة وبشكل سليم ـ تنتج شبابا يحمل هم الأمة، متوجها للخير نافعا ومطورا للمجتمع، مواجها لتحديات الحاضر، فيسعى لنمو المجتمع وازدهاره وبلوغه أعلى درجات الكمال الحضاري، اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، فأما إذا كانوا بخلاف ما سبق، من تنمية متدنية غير مهتمة بالشباب، وشباب غير مهتم بما خصه الله من خصال، منصرف إلى حياة اللهو والدعة، بحجة أنهم يريدون أن يعيشوا شبابهم، وأن الشباب للمتعة والاستمتاع فقط، غير مدركين أن هذه المرحلة من حياتهم قد ألقي فيها على عاتقهم أمر الأمة والمجتمع، فهذا ضياع لطاقة فعالة وإهدار لأكبر قوى منتجة.
فعلى المجتمع أن ينمي الشباب روحيا وعقليا وجسديا وعدم إهمالهم، فإن اعتزاز أي أمة بنفسها هو اعتزازها بشبابها أولا؛ إذ هم الدعائم القوية والمتينة التي تستطيع أن تبني بها صروح أمجادها حاضرا ومستقبلا؛ كي تبقى صامدة أمام رياح الزمان التي لا تبقي ولا تذر، وأمام التحديات الجسام التي تهدد كيانها ووجودها، لأن صلاح الشباب صلاح للأمة والمجتمع، وفي فسادهم فساد الأمة والمجتمع.