- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:إعجاز القرآن الكريم
من الآيات التي تضمنت إعجازا علميا قوله عز وجل: {والأرض فرشناها فنعم الماهدون} (الذاريات:48).
جاء في معاجم اللغة أن (المهد) يعني: الفراش، والسرير، والأرض السهلة المستوية، و(المهاد) الفراش، والأرض المنخفضة المستوية، وتمهد، أي: تسهل وتوطأ.
لقد وصف العليم الخبير الأرض بأنها مهد: {فنعم الماهدون} ولقد بدأ الإعداد لفرش الأرض على ما نراها عليه الآن بتكوين قشرتها، حيث يقدر عمر الأرض بـ (4500) مليون سنة، ويقدر عمر أقدم الصخور على الأرض بـ (3. 800) مليون سنة، وما بين الزمنين كانت الأرض كتلة من سوائل وغازات لا شكل لها، مرتفعة الحرارة، واستغرق تكوين شكلها -نتيجة لدورانها حول نفسها واستقرار هذا الشكل- بتكوين قشرة خارجية صلبة زمنا كبيرا، وهنا نرى إعجازا رائعا في كتاب الله، إذ يقول الخالق العليم: {والأرض بعد ذلك دحاها} (النازعات:30) والإعجاز في قوله سبحانه: {بعد ذلك} فلم يتم (دحي) الأرض عند أول خلقها، بل استغرق ذلك زمنا، وسواء كان (الدحي) متأخرا عن خلق السماوات، أو خلق الأرض، فإنه جاء متأخرا؛ لقوله: {بعد ذلك} ولم يكن متزامنا مع ما قبله. وعلماء الأرض يقدرون أن {بعد ذلك} بـ {700} مليون سنة.
تكون الكتلة القارية الأولى
تكونت القشرة الصلبة الأولى، وكانت رقيقة بالنسبة لحجم الأرض، ونظرا للحركة الدائمة للأرض بمكوناتها السائلة في الداخل، فإن هذه القشرة تشرخت، وانفصلت إلى عدد كبير من الأجزاء. ونتيجة للحركة الدائمة أيضا، فإن هذه الأجزاء تصادمت مع بعضها في مواقع، وتباعدت عن بعضها في مواقع أخرى، ما تسبب في خروج سوائل الوشاح -وهي الطبقة التي تسفل القشرة الأرضية- وتكون ما يعرف الآن بـ (القشرة المحيطية) وهي أكثر سمكا من القشرة الأولى. واستمرت الحركة العامة للأرض، وحركة أجزاء القشرة الأرضية، والتي يفصل بينها الشروخ والصدوع.
طبيعة الفرش
إن الأرض فرشت بالعديد من أنواع الفرش، فكل قطعة من الأرض قد فرشت بنوع مختلف من أنواع الفرش: {وفي الأرض قطع متجاورات} (الرعد:4) هذا في البعد الأفقي، أما في البعد العمودي، فنجد أن هناك فرش بعضها فوق بعض، فعلى مدى التاريخ الأرضي، فرشت المناطق مرات ومرات، وكل فرش يعلو الذي سبق، وكل فرش أدى -ويؤدي الآن- دوره، وفقا لنوعه وسمكه وخواصه.
تخلص من هذا، أن الأرض فرشت لعدة مرات، ففي كل عصر من العصور هناك فرش، وكلما جاء عصر جديد جاء معه فرش جديد، لقد أصبحت الفرش القديمة مصانع للبترول، والغازات الطبيعية، ومخازن له، ومخازن لماء المطر {وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض} (المؤمنون:18). {وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين} (الحجر:22). فالفرش القديمة مصانع ومخازن وثروات، والفرش الحديثة لنحيا عليها آمنين.
أنواع الفرش
إضافة إلى أن البحار قد فرشت بالماء، والمناطق البركانية قد فرشت بالطفوح والرماد، فإن الصحارى قد فرشت كثير من أجزائها بالرمال، حيث تكونت بحار من الرمال -كبحر الرمال الأعظم إلى الغرب من وادينا- وبحار الرمال في الجزيرة العربية وغيرها، وهي مختلفة في ألوانها ما بين الأصفر والأبيض والأحمر، وفقا لمصدر الرمال، وهناك رمال الشواطئ، وهي نوع آخر من الفرش، من حيث الوضع والوظيفة، فإن مياه البحر تندفع إليه، فتتذلل مسامه وتبتعد عنه، فيعود فيتضاغط، ونحن نلاحظ حين نسير على الشاطئ بأقدامنا، فإن وزننا يسبب هبوطا في موضع القدم وجفاف، حيث يطرد الماء من بين المسام، فإذا مر وقت دخل الماء ثانية إلى موقع القدم، فانتفخ وعاد إلى ما كان عليه. وهناك فرش من الطين حول الأنهار، وفي مصبات الوديان والسيول بالصحاري، حيث تتكون التربة الزراعية الخصبة بجوار الماء، ليعملا في إنبات النبات، فيكون للإنسان والحيوان زرعا وماء. وهناك فرش من الحصى مختلف أحجامه وألوانه ومنافعه وغيره كثير، وما ذكر أمثلة فحسب.
أما الأمر الذي لا يمكن المرور دون ذكره، فهو ذلك النوع من الصخور المسمى (بالصخور الرسوبية) وهي صخور يسميها علماء الأرض (صخورا ناعمة) لتمييزها عن الصخور الصلبة النارية والمتحولة، وهي صخور متماسكة، وكثير منها يتكون تحت ماء البحر، أي يلزم لتكونه وجود مياه بحرية، وهذا النوع من الصخور (كالحجر الجبري) موجود فوق المهد القاري فوق الصخور الصلبة، والتي هي الدعامة الرئيسية للقارة أو المهد، ويسفل الرواسب الفتاتية العليا، بمعنى أن الفرش الفتاتي يرقد فوق وسادة ليست شديدة الصلابة، ثم ترقد هذه الوسادة فوق الدعامة الصلبة للقارة. إن تكوين هذه الوسادة يستلزم أن يغمر البحر أجزاء من القارة لملايين السنين ليرسب هذه الوسادة، ثم يتراجع تاركا أياما فوق اليابسة لتبدأ عمليات الفرش الأخرى تباعا.
إن الطريقة التي تتراص بها حبيبات الفرش ليسجد لها العلماء، فإن الناظر لقطاع رأسي يجد أن حجم الحبيبات غالبا ما يصغر من أسفل القطاع لأعلاه، أي أن أدق الأحجام تكون بالأعالي نتعامل معها، وذات الأحجام الأكبر تسفلها، وتتدرج الحبيبات في الكبر بصورة انسيابية، حتى تصل إلى أكبر الأحجام في قاع القطاع، والتي ترقد بدورها فوق الغطاء الصخري المتماسك، ثم إن هذه الحبيبات بينها ما يعرفه العلماء (بالفراغات البينية) والتي تمتلئ بالهواء، أو بالماء أحيانا.
وحينما يرقد الإنسان على هذه الأرض فإنها تهبط، وتتضاغط الحبيبات وفقا لما يقع عليها من ضغط، فالرأس له وزن غير المناكب، فما يسفل الرأس يستجيب وفقا لوزن الرأس، وما يسفل المنكبين يستجيب وفقا لوزن هذا الجزء من الجسد، وبالتالي، فإن الأرض تتشكل وفقا لجسم الإنسان مستجيبة لحالته، فإذا قام من عليها عادت إلى طبيعتها، وانتفشت انتظارا لقادم جديد؛ ولذلك، فإن أكثر المراقد راحة وسلامة للجسد هي أرض الله المفروشة ببساط قدرته، أما الرقاد فوق أسرة البشر، واستخدام وسائدهم، فإن مشاكل العمود الفقري وآلام العضلات سوف تلاحق الإنسان على المدى الطويل. وقد أدرك علماء الطب هذه الحقيقة، ويحاول المخترعون الآن تجهيز وسائد مطاطية تتشكل وفقا للعمود الفقري وفقراته العنيفة.
المهد يتحرك
تأكد لعلماء الأرض أن قطع الأرض ما زالت تتحرك، سابحة فوق بطانة الوشاح التي تسفلها مباشرة، وقد أدت أبحاث مستفيضة -استغرقت أكثر من خمسين عاما- إلى أن قطع القشرة الأرضية الهائلة الحجم تتحرك. ولنعط مثالا علميا لجزء واحد منها، وهو ما يعرف بـ (اللوح الإفريقي) ويشتمل قارة إفريقيا، والنصف الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، والنصف الغربي للبحر الأحمر، والنصف الشرقي للمحيط الأطلسي الجنوبي، وجزءا كبيرا من قاع المحيط الهندي، هذا الجزء يتحرك بما عليه من سلاسل الجبال الممتدة من صحرائنا الشرقية، جنوبا في السودان ثم الحبشة، وجبال شمال إفريقيا وغربها وجنوبها الغربي، كل هذا اللوح العظيم من ألواح القشرة الأرضية يتحرك حركة بطيئة جدا، تصل إلى عدة سنتيمترات كل عام، بعكس اتجاه حركة عقارب الساعة، مع الاندفاع نحو الشمال في حركة انسيابية مزدوجة، فبجانب أنه يدور حول نفسه في حركة دائرية، فإنه يندفع في الوقت نفسه ناحية الشمال.
ويتحرك (اللوح العربي) المجاور لنا من ناحية الشرق، وهو اللوح الذي تقع فيه الجزيرة العربية بالطريقة نفسها، وفي الاتجاه نفسه، ولكنه يسبح بسرعة أكبر من سباحة (اللوح الإفريقي) فـ (اللوح الإفريقي) يجري خلف (اللوح العربي) ولكن الأخير يسبقه قليلا كل عام، ما يتسبب في اتساع البحر الأحمر بينهما إلى عدة سنتيمترات كل عام.
آليات الفرش
إن الإنسان يستخدم في أعمال الفرش أليافا وآليات، ظانا أنه قد أدى العمل بآلياته، ولا ينظر للمواد التي استخدمها: كيف جاءت، وكيف أصبحت صالحة للاستخدام في عمليات الفرش، وهو بكل آلياته يعمل في مجال محدود للغاية. أما الآلية التي وضعها الله في الأرض، فهي تحوي أكثر من مليون عملية، لا نعرفها حتى الآن، تتناغم مع بعضها عبر الزمان والمكان، لتكون منظومة الفرش، فالنشاط الناري يقوم بدفع المواد من باطن الأرض ليكون صخورا نارية، تشكل المصدر الأم للمواد، وما يحدث لها بعد ذلك من تجوية وتعرية، وتكوين صخور رسوبية، ثم متحولة، فنارية مرة أخرى، وهو ما يعرف بـ (الدورة الصخرية). وهناك دورة أخرى تعرف بـ (الدورة الحركية) والتي تتسبب في تحرك المواد وصعودها وهبوطها. ودورة ثالثة تعرف بـ (بالدورة المائية) وهي حركة المياه والهواء وغازات الغلاف الجوي. وهذه الدورات الثلاث تتداخل مع بعضها، وتعمل بلا تعارض، بل تتوافق في منظومة واحدة. ولكل مكان ولكل ظرف قانون، حتى تحيرت عقول علماء الأرض، وعاش الآلاف منهم في كل عصر يدرسون ويدققون فيما يحدث أمامهم.
إن أهم المعجزات في نظام الأرض هو الدوام الدوري للعمليات الأرضية، والتي لا تتوقف أبدا إلا بفناء الأرض ومن عليها، حتى علم علماء الأرض أن التغيير الدائم لسطح الأرض هو القانون الثابت، بمعنى أن الثابت الوحيد هو التغير، إن عمليات فقدان الكتلة الصخرية من أماكن معينة، ونقلها إلى أماكن أخرى، وعمليات تكون الأنهار -صباها، وشبابها، وشيخوختها- وانتقالها من مكان لآخر، وحركة المياه الجوفية والبحرية، والثورات البركانية والانجرافات القارية، وغير ذلك، ما يضيق المقام عن ذكره، كل هذا يحدث ولا يحس بمعظمه البشر، وبطريقة هادئة رائعة الحسن لا تعطل مجرى حياتنا، بل تساعد الإنسان على أداء رسالته التي خلق من أجلها. إن هذا التناغم لا يكون إلا بفعل الخالق العظيم جل جلاله، وللإنسان أن يدعي ما يشاء، إلا أن العالم من البشر يبقى دائما في زمرة الذين وصفهم الله في كتابه العزيز: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} (فاطر:28).
* مادة المقال مستفادة من موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.