حارس الإيمان الديني

0 763

لقد فرض مصطفى كمال أتاتورك (1881-1938م) على الشعب التركي المسلم علمانية متوحشة، ضاهت العلمانية الملحدة التي فرضتها الأحزاب الشيوعية على المجتمعات التي حكمتها. فالطبيعة قد أصبحت بديلا عن الله، والدين والتراث والقيم والأخلاق، بل والتاريخ، وحتى الزي والعادات والتقاليد قد غدت رجعية تسوق المتهمين بها إلى أعواد المشانق!

وأمام هذا التحدي، طلق الشيخ بديع الزمان سعيد النورسي (1924-1379هـ ، 1877-1960م) السياسة، وعكف على القرآن الكريم وحراسة الإيمان الديني، وقرر أن يستدل بالطبيعة (التي أرادوها إلها) على وجود الله! مستخدما في ذلك العلوم الطبيعية والمنطق والاستدلال العقلي. وكانت "رسائل النور" هي أداة هذه الدعوة التي ركزت على حراسة الإيمان، ونقض الإلحاد.

ومع ذلك، لم تترك الدولة العلمانية النورسي، وإنما جعلت حياته سلسلة من السجن والنفي والحصار والمحاكمات!

ففي سنة 1948م ألقي القبض عليه مع 15 من مريديه وطلابه، بتهمة تأليف جماعة سياسية، ونشر أفكار معادية للنظام القائم، وإطلاق صفة الدجال السفياني على أتاتورك!

وفي دفاع النورسي (أمام المحكمة) عن نفسه تلاميذه ودعوته، قال ضمن ما قال:

"إنني أعلن بصراحة تامة أننا لسنا مع زعيم أصدر حسب هواه أوامر في قوة القانون بتحويل جامع "أيا صوفيا" إلى دار للأصنام، وجعل مقر المشيخة الإسلامية العامة مدرسة للبنات! ولا نجد أنفسنا ملزمين بقبول أمر واقع كهذا إطلاقا، إنه لا يمكن لأي شعب أن يعيش بدون دين، هذا دستور عام معترف به في الدنيا كلها، وإن الكفر المطلق يسبب لصاحبه عذابا أشد إيلاما من عذاب جهنم في الدنيا نفسها".

ثم خاطب النورسي قضاته، متحديا:

"ألا فلتعلموا جيدا بأنه لو كان لي من الرؤوس بعدد ما في رأسي من شعر، وفصل كل يوم واحد منه عن جسدي، فلن أحني هذا الرأس، الذي نذرته للحقائق القرآنية، أمام الزندقة والكفر المطلق، ولن أتخلى أبدا عن هذه الخدمة الإيمانية النورية، ولا يمكنني أن أتخلى.

وما دامت مبادئ الجمهورية لا تتعرض للملاحدة وفقا لمبدأ حرية الضمير والوجدان، فمن الأولى والأحق أن لا تتعرض لأولئك الذين لا علاقة لهم بالدنيا، ولا يجادلون مع أهلها، ويعملون لآخرتهم وإيمانهم ووطنهم بشكل نافع. كما لا يحق لأرباب السياسية أن يحملوا الشعب على التخلي عن الصلاح والتقوى الذين هما بمثابة الغذاء والعلاج ومن أهم الاحتياجات الضرورية لهذا الشعب منذ ألف عام.

لقد ثبت ثبوتا قاطعا أنه لا يمكن لأي شعب أن يعيش بدون دين، وثبت أيضا أن الشرق، من الوجهة الدينية، لا يشبه أوروبا، وأن الإسلام لا يشبه المسيحية، لا من حيث الحياة الدنيوية ونظرتها إلى الجماعة والفرد، ولا من حيث الحياة الآخرة،  وأنه لا يمكن لأي رقي أو حضارة أن يملأ فراغ التدين الذي أصبح حاجة فطرية لشعب هذا الوطن".

هكذا دافع النورسي (وهو مكبل بالحديد) عن إسلام الشعب التركي، وحاكم العلمانية والإلحاد.

وإن الناظر في حياة وحالة الإسلام في تركيا اليوم، يدرك كيف حكمت محكمة التاريخ لصالح النورسي!
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة