- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:قضايا شبابية
سمه إن شئت التزاما أجوفا، أو ضعف إيمان، أو قسوة قلب، أو غفلة، أو هداية ناقصة.. فكلها في الحقيقة تعود إلى أعراض واحدة، وعلاماتها متوافقة، ومظاهرها متشابهة. فترى الشخص ظاهره الالتزام ولكنه في أفعاله وواقعه كثيرا ما يخالف هذا الظاهر الطيب.
مظاهر هذا المرض:
وقد ذكر الدعاة والمشايخ والعلماء بعض هذه المظاهر لصاحب هذا المرض فكان مما أجملوه:
ـ "عدم الخشوع في الصلاة، وعدم التبكير إليها، وأحيانا النوم عن الصلاة المكتوبة، خصوصا صلاة الفجر والعصر. وكثرة التفريط في أداء النوافل من الصيام والقيام والسنن والرواتب.
ـ عدم الاهتمام بقراءة القرآن وحفظه، مع ترك الأوراد اليومية والأذكار وعدم التألم لفواتها.
- سوء الأخلاق والمعاملة، وعدم قبول النصيحة من الآخرين، وحب التسيب وعدم الانضباط. والولع بالخصام وكثرة المجاملة، وهذا سبب لنسيان العلم وقسوة القلب.
- إضاعة الوقت فيما لا فائدة منه، والانشغال بالملهيات، وكثرة الضحك والمزاح، وعدم الجد في أمور الدين والدنيا أحيانا، والسهر إلى ساعات متأخرة من الليل في غير منفعة، وعدم التأسف على ضياع الوقت والعمر.
ـ التعلق بغير الله سبحانه وتعالى. والاهتمام بالمظهر اهتماما فوق المعتاد.
ـ ضعف في أمور الديانة وأخلاق أهل الهدى كإخلاف الوعد، والمزاح بالكذب، وعدم إنكار المنكر. وعدم الورع في الفتوى، والتساهل في الوقوع في الشبهات، وعدم التخلص من رواسب الجاهلية". (ملخص من محاضرة الالتزام الأجوف: للعايد).
إنه التزام أجوف، أو هداية ناقصة لم يأخذ صاحبها بمجامعها ولا تمسك بأهدابها، كما يقول الشيخ علي القرني حفظه الله في أحدى محاضراته:
"من لم يهتد على الحقيقة ويأخذ بأسباب الهداية، ولم تنهض همته لها، لا يزال قلبه في حضيض طبعه محبوسا منكوسا، راع مع الهمل، سائمة مع الأنعام، استطاب لقيمات الراحة والبطالة، واستلان فراش العجز والكسل والبلادة".
ليس مهتديا على الحقيقة:
"الهداية على الحقيقة" تسر صاحبها وترقيه، وتبشره وتهديه، تنفعه وترفعه، فلا يزال يحلق في سماء المعالي حتى لا ينتهي تحليقه دون عليين برحمة أرحم الراحمين، فمن سار مهتديا على الحقيقة، رجونا له الوصول وإن طال الدجى.
ولكن كثيرا من الناس مهتد هداية الحيارى، اسم ولا رسم، ومنظر ولا مخبر، وخيال ولا حقيقة..
فهل يكون مهتديا حقا من يوالي أعداء الله ويتخذهم بطانة من دون المؤمنين، ولو صلى وصام وحج وزكى؟ يكرم من أهانه الله، ويعز من أذله الله، ويدني من أبعده الله، ثم يدعي هداية الله!!
هل يكون مهتديا حقا من ظاهره الاستقامة، ثم في انهزامية مقيتة وبحجة ضغط الواقع يتراجع عن ثوابت الدين ومسلماته؟
أما إن الحق لا ينقلب باطلا، ولا الباطل يصير حقا مهما كانت التبعات.
هل يكون مهتديا على الحقيقة من يهمل حقوق الخلق ويسيء في المعاملات، لا يتقبل النصح ويرى ذلك اتهامات؟! يعيش الفوضى وعدم الانضباط، مضيعا وقته، غير منتظم في درس، أو محاضرة، أو عمل نافع، أو حلقات، ومع هذا فهو منشغل بالملهيات، مغرق في سماع الأناشيد والتمثيليات، سيارته ومكتبه مستودع للأناشيد والطرائف والاحتفالات؛ يحفظها حفظا يفوق حفظ الأحاديث والآيات، حتى إن بعضهم ليذهب مع اللحن يترنم ويطرب، ثم يبكي ما لا يبكيه عند سماع قوارع الآيات، ولربما صاحبها الدف، وترخص في ذلك، فلم يشعر إلا وهو من أهل الأغنيات؟ فالهبوط سهل والارتقاء صعب التبعات.
عفوا إخوتي: من كتم داءه، قتله، آن لنا أن نتعرف على دائنا ونعلنه لعلنا نتعاون فنصلحه.
عظم بيننا الاهتمام بالتحسيني والكمالي، وترك الحاجي والضروري، صارت الكماليات عندنا ضروريات، "فنأكل الحلوى ونحن في بلوى" كما قيل، وبعضنا مهتم بمظهره اهتماما يفوق اهتمام البنيات، ألف السطحية والمظهرية، فهو تمثال خشب لا يخيف ولا يرهب، يمني نفسه ويسوف، وقد أمن الهرم كما أمن الصيد حمام الحرم.
يد فارغة، ويد لا شيء فيها، فضول بلا فضل، وسن بلا سنة، متساهل في الأمر الخطير، متشدد في الأمر السهل اليسير.
وبعضنا ـ بل الكثير ـ لم يتخلص من رواسب الجاهلية من صور وقنوات ومجلات، لا يتورع عن المشتبهات، يتهاون بالسنن والمندوبات، ويفرط في الواجبات، جلساؤه قبل أن يهتدي هداية الخيال هم جلساؤه بعدها، مع أنهم أخطر شيء عليه؛ إذ هم أعرف الناس بنقاط ضعفه، ...
عاداته، أفكاره، اهتماماته هي هي لم تتبدل، لم يزل مصرا على بعض المال المشتبه، حتى إذا ما تورع عن بعض مال حرام، لم يزل لسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات؛ يشتم ذا ويجرح ذاك ويعدل ذلك.
أمانيه، حبه، بغضه، عطاؤه، منعه، هي هي، ولاؤه لمصلحته، عداؤه لكل ما يقف في طريقها، نفعي ذاتي، مستصعب مخالفة الناس والتحيز إلى الله ورسوله.
أيكون من هذا حاله مهتديا على الحقيقة؟
كلا إنما هو عش حمامة .. .. عود من غرب وعود من ثمامة، بل غيم حمى الشمس ولم يمطر ولم يكف.
حقيقة الهداية والمهتدي
الهداية على الحقيقة.. تحول جذري؛ مظهري ومخبري، والله ما يجدر بحامل الهداية أن يظهر بمظهر يرده الشرع، فلو خالف حامل الهداية، لكان كل مخالف أشرف منه، فلطخة في الثوب الأبيض ليست كلطخة في الثوب الأسود كما قيل.
أنت للهداية لا للتلبيس، إنما التلبيس خلق إبليس. أنت للنور لا للظلمة، ربما زلة أهلكت، وعثرة قتلت، وفائت لا يستدرك، لا يبنى على الصلاح إلا صالح، وكل ما بني على الفساد فهو فاسد، ولن يأتي يوم فيقول مهتد على الحقيقة لإبليس: "رضي الله عنه"! بل نعوذ بالله منه.
إذا ما الجرح رم على فساد .. .. تبين فيه تفريط الطبيب
الهداية ليست كلمة تقال، بل هي حقيقة ذات تكاليف، وأمانة ذات أعباء، وجهاد يحتاج إلى صبر، وجهد يحتاج إلى احتمال، وما حقيقة كخيال.
الهداية على الحقيقة عبودية مطلقة لله رب العالمين، والعبد المطلق ـ كما يقول ابن القيم في كلام قيم مضمونه في تصرف: لا تملكه رسوم، ولا تقيده قيود، عمله على مراد ربه، ولو كانت راحة نفسه في سواه، ملبسه ما تهيأ، مأكله ما تيسر، شغله ما أمر به في وقته، مجلسه حيث انتهى وخاليا وجد، لا تملكه إشارة، ولا يتعبده قيد، ولا يستولي عليه رسم، حر متجرد، دائر مع الأمر المأمور به حيث دار، يأنس به كل محب، ويستوحش منه كل مبطل؛ كالغيث حيثما وقع نفع، وكالنخلة لا يسقط ورقها، وكلها منفعة حتى شوكها، حزم مع المخالفين لأمر الله، غضب إذا انتهكت محارم الله، فهو لله وبالله، ومع الله، واها له ما أغربه بين الناس! وما أشد وحشته! وما أعظم أنسه بالله وفرحه وطمأنينته وسكونه، والله المستعان، وعليه التكلان!.
هذا دأب المهتدي حقيقة في السير إلى الله، كلما رفعت له منزلة سار إليها واشتغل بها، حتى تلوح له منزلة أخرى، ولم يزل هذا دأبه حتى ينتهي سيره، فإن رأيت العلماء رأيته بذاته معهم، وفي سمتهم وعلمهم وزيهم، وإن رأيت العباد رأيته معهم، وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم، وإن رأيت المتصدقين والمحسنين رأيته معهم، وإن رأيت العاكفين الخاشعين المخبتين رأيته معهم:
كالليث يسرف في الفعا .. .. ل وليس يسرف في الزئير
الهداية الحقيقية تمثيل للدين في تصريف شئون الحياة، واستخلاف للمهتدين في الأرض، وتبديل للخوف بالأمن، وعد واقع ماله من دافع، إنه وعد الله، ووعد الله حق، ولن يخلف الله وعده، قال الله: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا} [النور:55]
وعد من الله للعصبة المهتدية في كل عصر، وسنة من الله: {ولن تجد لسنة الله تبديلا} [الفتح:23].