(الفتّاح) مِنْ أسماء الله الحُسْنى

0 632

أسماء الله تعالى توقيفية، لا مجال للعقل والاجتهاد فيها، ولذا وجب الوقوف فيها على ما جاء به القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة، ومن منهج السلف في أسماء الله تعالى، التعرف على الخالق سبحانه، والتقرب إليه، ودعاؤه بها، والتضرع إليه بمعانيها، قال الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}(الأعراف:180). قال السعدي: "{فادعوه بها} وهذا شامل لدعاء العبادة، ودعاء المسألة، فيدعى في كل مطلوب بما يناسب ذلك المطلوب، فيقول الداعي مثلا: اللهم اغفر لي وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم، وتب علي يا تواب، وارزقني يا رزاق، والطف بي يا لطيف، ونحو ذلك".
ومن أسماء الله تعالى التي جاء ذكرها في القرآن الكريم: الفتاح، وقد ورد اسم الله الفتاح مفردا مرة واحدة في قول الله تعالى: {قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم}(سبأ:26)، وورد بصيغة الجمع مرة واحدة أيضا في قوله عز وجل: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين}(الأعراف:89). قال السعدي: "(الفتاح): الذي يحكم بين عباده بأحكامه الشرعية، وأحكامه القدرية، وأحكام الجزاء، الذي فتح بلطفه بصائر الصادقين، وفتح قلوبهم لمعرفته ومحبته والإنابة إليه، وفتح لعباده أبواب الرحمة والأرزاق المتنوعة، وسبب لهم الأسباب التي ينالون بها خير الدنيا والآخرة".
 
بعض معاني اسم الله (الفتاح):

ـ من معانى اسم الله عز وجل: (الفتاح): أنه الحاكم الذي يقضي بين عباده بالحق والعدل، ويحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون، وقد قال الله تعالى عن نوح عليه السلام قوله: {قال رب إن قومي كذبون * فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين}(الشعراء:117 ـ 118)، قال الطبري: "يقول: فاحكم بيني وبينهم حكما من عندك تهلك به المبطل، وتنتقم به ممن كفر بك وجحد توحيدك، وكذب رسولك". وقال سبحانه على لسان شعيب عليه السلام: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين}(الأعراف:89)، قال ابن كثير: "{وأنت خير الفاتحين} أي: خير الحاكمين، فإنك العادل الذي لا يجور أبدا".

ـ (الفتاح): الذي يفتح على عباده المؤمنين بالنصر، قال الله تعالى: {فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده}(المائدة:52)، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: " {أن يأتي بالفتح} فتح مكة والنصرة لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه". وقال تعالى: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا}(الفتح:1)، قالالسعدي: "هذا الفتح المذكور هو صلح الحديبية"، وصلح الحديبية هو الفتح الذي فتح الله عز وجل به على نبيه صلى الله عليه وسلم، وجاء من بعده الخير الكثير للمسلمين.

ـ ومن معاني اسم الله (الفتاح): أنه سبحانه بيده مفاتيح الغيب، يفتح لمن يشاء من عباده أبواب الرزق والرحمة، وقضاء الحوائج وتفريج الكربات، وما فتحه الله سبحانه لعبده من رحمة ورزق لا يمكن لأحد أيا كان شأنه أن يمنع هذا الرزق عنه، قال الله تعالى: {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم}( فاطر:2)، قال ابن كثير: " يخبر تعالى أنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع"، وقال السعدي:" ذكر انفراده تعالى بالتدبير والعطاء والمنع فقال: {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك} من رحمته عنهم {فلا مرسل له من بعده} فهذا يوجب التعلق بالله تعالى، والافتقار إليه من جميع الوجوه، وأن لا يدعى إلا هو، ولا يخاف ويرجى، إلا هو".

ـ و(الفتاح) سبحانه وتعالى: الذي يفتح أبواب الابتلاء والاختبار لعباده المؤمنين، قال الله تعالى: {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون}(الأنعام:44)، قال ابن كثير: "{فلما نسوا ما ذكروا به} أي: أعرضوا عنه وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم، {فتحنا عليهم أبواب كل شيء} أي: فتحنا عليهم أبواب الرزق من كل ما يختارون، وهذا استدراج منه تعالى". وقال الطبري: "يقول: بدلنا مكان البأساء الرخاء والسعة في العيش، ومكان الضراء الصحة والسلامة في الأبدان والأجسام، استدراجا منا لهم".

ـ الله عز وجل هو الفتاح، الذي يفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده أجمعين، ويفتح المنغلق عليهم من أمور حياتهم ومعاشهم، قال الله تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض}(الأعراف:96)، قال السعدي: "لما ذكر تعالى أن المكذبين للرسل يبتلون بالضراء موعظة وإنذارا، وبالسراء استدراجا ومكرا، ذكر أن أهل القرى، لو آمنوا بقلوبهم إيمانا صادقا صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله تعالى ظاهرا وباطنا بترك جميع ما حرم الله، لفتح عليهم بركات السماء والأرض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم، في أخصب عيش وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كد ولا نصب، ولكنهم لم يؤمنوا ويتقوا {فأخذناهم بما كانوا يكسبون} بالعقوبات والبلايا ونزع البركات، وكثرة الآفات، وهي بعض جزاء أعمالهم". وقال الخطابي: "الفتاح هو الحاكم بين عباده". وقال: "وقد يكون معنى الفتاح أيضا الذي يفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده، ويفتح المنغلق عليهم من أمورهم وأسبابهم ويفتح قلوبهم، وعيون بصائرهم، ليبصروا الحق".

ـ قال ابن القيم في قصيدته "النونية":

وكذلك الفتاح من أسمائه         والفتح في أوصافه أمران
فتح بحكم وهو شرع إلهنا       والفتح بالأقدار فتح ثان
والرب فتاح بذين كليهما        عدلا وإحسانا من الرحمن

من علم أن الله تعالى هو الفتاح الذي بيده ملكوت كل شيء، الذي يفتح أبواب الرزق الكثيرة والمتعددة لعباده، لا يتعلق قلبه بغير ربه سبحانه، ولا يتوكل إلا عليه، {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}(الطلاق:3)، {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها}(فاطر:2). فإذا صعبت عليك الأمور، وضاقت عليك الأرض، فالجأ إلى ربك الفتاح، وقل بقلبك ولسانك: يا فتاح، افتح لي أبواب رحمتك، يا فتاح، افتح لي أبواب رزقك، يفتح الله عز وجل لك كل مغلق، وييسر لك كل عسير، ويرزقك من خير الدنيا والآخرة.. وكن أنت مفتاحا للخير للناس فيما تقدر عليه، فطوبى لعبد عاش حياته مفتاحا للخير، مغلاقا للشر، فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا الخير خزائن، ولتلك الخزائن مفاتيح، فطوبى (كل مستطاب في الجنة) لعبد جعله الله عز وجل مفتاحا للخير، مغلاقا للشر، وويل لعبد جعله الله مفتاحا للشر، مغلاقا للخير) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
فاللهم افتح لنا أبواب رحمتك وفضلك، واجعلنا من مفاتيح الخير..

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة