- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:قضايا شبابية
الإنسان في هذه الحياة لابد له من مخالطة الناس، واتخاذ بعضهم جليسا له ورفيقا وصديقا، وعونا على مشاكل الحياة.
ولما كان الناس متفاوتين في أخلاقهم وطباعهم: فمنهم الخير الفاضل الذي ينتفع بصحبته وصداقته، ومجاورته ومشاورته، ومنهم الرديء الناقص في عقله وخلقه ودينه، الذي يتضرر بقربه وعشرته ومحبته صداقته؛ نبهنا النبي صلى الله عليه وسلم ووجهنا إذا أراد أحدنا أن يتخذ صاحبا أن يتخير من بين الناس، وأن ينظر ويدرس ويحقق ويدقق، ولا يعجل، ولا يصحب من الناس أي إنسان كما اتفق، وإنما يهتم لهذا الأمر اهتماما عظيما؛ لما سيكون لهذه الصحبة من أثر في الدنيا والآخرة.
فقد روى الإمام أحمد والترمذي عن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل].
وقال تعالى: {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}.
فأرشد إلى اختيار الصحبة وحسن اختيار الرفيق والخليل:
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم .. .. ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
فليس شيء أدل على شيء من الصاحب على صاحبه:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه .. .. فكل قرين بالمقارن يقتدي
وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلين للصديق الصالح وصديق السوء:
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مثل الجليس الصالح وجليس السوء؛ كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافح الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة](متفق عليه).
فبين أن صحبة الصالحين ومجالسة المتقين الطيبين خير وبركة، ونفع ومغنم، في كل أحوالها، تماما كمجالسة حامل المسك، فجليسه معه في نفع دائم، فهو إما أن يهديك من عطره أو يعطرك، وإما أن تشتري منه، وأقل شيء أنك مدة الجلوس معه وأنت قرير النفس، منشرح الصدر برائحة المسك والعود، والعنبر والورود.
وهذا مجرد مثل للتقريب والتشبيه، وإلا فما يحصل من الخير بمصاحبة الصالحين ومجالستهم أبلغ وأفضل من المسك الأذفر:
فالصاحب الصالح: إما أن يعلمك أمورا تنفعك في دينك، وإما أن يعلمك شيئا ينفعك في دنياك، وإما أن يدلك على خير أو يمنعك من شر، أو يأمرك بالمعروف أو ينهاك عن المنكر، وصديق الخير والبر إن رأى منك خطأ أرشدك، أو لاحظ فيك عيبا بصرك وقومك، فإذا ذكرت الله أعانك، وإن أنت نسيت ذكرك، إن حضرت وقرك، وإن غبت فبالخير والجميل يذكرك، ويحمى عرضك ويذب عنك في غيبتك، وإن أصابك شيء من أمر الدنيا واساك بنفسه وماله.
وأقل نفع يحصل من الجليس الصالح: انكفاف الإنسان بسببه عن السيئات والمساوئ والمعاصي؛ رعاية للصحبة، وحياء من صاحبه، ومنافسة في الخير، وترفعا عن الشر.
وصحبة الصالحين الطيبين تنفع في الدنيا والآخرة: وانظر إلى ما نال أبو بكر بسبب صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم، وكيف رفعته ليكون أفضل الناس بعد الأنبياء والمرسلين.
وانظر إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وما نالهم بصحبتهم لرسول الله حتى أصبحوا خير القرون على الإطلاق، ونالوا رضا الخلاق، والفوز بالخلود في دار القرار، وعلوا بصحبتهم له فوق كل من سواهم، فلا ينال أحد بعدهم منالهم، ولا يبلغ أحد مهما عمل من الخير مقامهم، وما ذلك إلا بفضل الصحبة الطيبة.
وأما في الآخرة:
فإن رفقة أهل الخير وصحبة الصالحين كما تنفع أصحابها في الدنيا كذلك يكون نفعها في الآخرة..
فأول ذلك أن العبد إذا مات فإن صاحبه لا ينساه بعمل صالح، كحفر بئر، أو صدقة جارية، أو عمل طيب يهب ثوابه لصديق عمره.. أو على الأقل بدعوة صالحة ربما لا يجدها من كثير من أهله وأقاربه.
ثم يوم القيامة تكون المنفعة الكبرى؛ حين يناشد الصالحون ربهم أن ينقذ إخوانهم وأصدقاء الخير الذين كانوا معهم في الدنيا، ويشفعون عند الله أن يخرج من دخل النار منهم منها وأن يدخلهم الجنة كما جاء في الصحيحين وهذا لفظ مسلم. عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [والذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون. فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم. فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه]. وصدق الله تعالى إذ يقول: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين}.
ولفظ رواية البخاري: [ما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمن يومئذ للجبار وإذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم يقولون ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويعملون معنا فيقول الله تعالى اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه ويحرم الله صورهم على النار فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه وإلى أنصاف ساقيه فيخرجون من عرفوا].
صحبة الأشرار
وأما مصاحبة الأشرار: فهي السم الناقع، والبلاء الواقع، يشجعون صاحبهم وجليسهم على فعل المنكرات، ويرغبون في المعاصي والمخالفات، ويفتحون لمن خالطهم وجالسهم أبواب الشرور، ويزينون لمجالسيهم أنواع الفسق والفجور، ويذكرونه من أنواع المخازي ما قد نسيه، ويعلمونه من البلايا ما قد جهله.
ومع ذلك فهم يخونون من رافقهم، ويفسدون من صادقهم، ويضيعون من أطاعهم ووافقهم.. كم من إنسان طيب الخلق لما عرفهم ساء خلقه.. وكم من خير مستقيم لما صحبوه انحرف وانجرف، وكم من طالب مجد وقع على رفقاء السوء فضيعوا مستقبله، كم من زوج وأب سعيد في بيته لما صاحبهم صار يسهر ويشرب ويسكر فضيع أهله وانقلبت سعادته شقاء وتعاسة.. وكم وكم.
ورفقاء السوء قد يفسدون على المرء آخرته، ويكون بسببهم من أهل النار، كما حدث مع أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه قال: "لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عم قل لا إله إلا الله كلمه أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فأنزل الله عز وجل: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم}، وأنزل الله تعالى في أبي طالب فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين}.
وكما أن رفقاء السوء وأصدقاء الشر قد يصدون صاحبهم عن الإيمان فكذلك هم من أكبر العوائق عن التوبة.. فصاحبهم يدع التوبة خشية مفارقتهم وفقدهم، خاصة إذا لم يكن له صحبة سواهم.
وإما لأنه إذا أراد التوبة زهدوه في الخير والهدى وزينوا له ما هم عليه من الشر والردى، ومدوا له حبل الأمل، وطول العمر وأنك متى كبرت تبت ورجعت.
فإن رأوا منه جدا في التوبة وإصرارا على تركهم ومفارقتهم وترك باطلهم وغيهم وما هم عليه، ذكروه بالليالي الحمراء، والأيام السوداء، والأفعال الشنعاء..
تذكر كم ليــلة سهــرنـا .. .. في ظـلها والزمــان عـيد
تذكر كم نغـمة سمــعنا .. .. وأنت فيـنا راقــص مريد
تذكر كم خـمرة شربـنا .. .. من نشوها والشراب زيد
أين النساء التي عـرفنا .. .. وأنت فينا القائــد المجـيد
أين القمار الذي لعـبـنا .. .. وأنت فينا حـاضر شــهيد
أين الصلاة التي تركنا .. .. والكفر في حــقـنا مـزيـد
كأن ذا لم يكـن تقضـى.. .. وأنت فينا الصالح الوحيد.
فإن أراد الله به خيرا ثبته ووفقه لمفارقتهم، وإلا لم يستطع منهم فكاكا ولا عنهم انفكاكا، فيخسر دنياه وآخرته.
صحبة الفجار وأثرها في الآخرة
وأما في الآخرة فيتجلى الأثر القبيح لهذه الصحبة، فيبدي كل منهم العداوة لصاحبه، كما قال الله تعالى: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين}(الزخرف).
ويتبرأ كل واحد منهم من الآخر ويشمت فيه قال تعالى: {إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب (166) وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا ۗ كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم ۖ وما هم بخارجين من النار}(البقرة:166، 167).
ويتمنى كل منهم لو أنه ما رأى صاحبه ولا عرفه ولا صادقه ولا جالسه ولا رضي به صاحبا وخليلا، ويعض أصابع الندم على تلك الصحبة ولكن بعد فوات الأوان، وحين لا ينفع الندم قال تعالى: {ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا (27) يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا (28) لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني ۗ وكان الشيطان للإنسان خذولا}(الفرقان:27، 29).
فوازن رحمك الله بين صحبة الأخيار وصحبة الفجار، وبين صداقة الطيبين وصداقة الفاجرين، وانصح لنفسك فـ[لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي].