الشباب والهُوية الإسلامية

0 461

يعاني الانتماء العقدي والفكري لدى الشباب المسلم – بصورة عامة وفي المجتمعات الغربية بصورة خاصة – ضعفا قد يصل في بعض الحالات إلى الذوبان في الثقافات الأخرى، بل والإحساس بالخجل والأسف من الانتماء للهوية الإسلامية ومحاولة التنصل من كل ما هو إسلامي سواء على المستوى الفكري وعلى المستوى السلوكي؛ حتى يمكننا القول بأن الأزمة الحقيقة التي تعانيها الأمة الإسلامية اليوم: هي أزمة هوية.
فالهوية هي حقيقة الشيء التي تميزه عن غيره وتصبغه بصبغة ذاتية، تمده القوة والحيوية والقدرة على البقاء وهي بالنسبة لأمة ما مجموعة من: حقائق، وأفكار، وتاريخ، وثقافة، وحضارة وسلوكيات، وعادات وتقاليد، وآداب وأخلاق مشتركة لتلك الأمة، تختص بها وتميزها عن غيرها.

أما الهوية الإسلامية : فهي الانتماء إلى الدين الإسلامي الصحيح والذي هو من عند الله تعالى ، وفق ما صح عن رسول الله – محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم – إلى البشرية جميعا وإلى عقيدة التوحيد، والتي هي أعظم فكرة حملها الإسلام للبشرية. وما يترتب على ذلك من اصطباغ الإنسان بصبغة الإسلام فكرا وسلوكا في كآفة جوانب الحياة، بداية من الإعتقاد وحتى الشكل الظاهر في الملبس والزي والهيئة، وذلك من خلال أطر عامة تحكم الحياة، مع ترك التفاصيل تحدد وفقا للواقع المتجدد المتغير، بما يحقق مصالح الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة.

وربما يلتمس المرء العذر لشباب الأمة الإسلامية اليوم، فهم جيل صكت مسامعه منذ نعومة أظافره عبارت التشوية والتشنيع بالإسلام، ومورست عليه مجموعة كبيرة من الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية، أضف إلى ذلك حالة الضعف والتخلف والترجع التي يعيشها المسلمون اليوم في كافة المجالات – والمغلوب كما يقول ابن خلدون : مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده – وفقد الصلة بالتراث الفكري الإسلامي وغياب القدوة، وغياب تعاليم الدين، والفراغ النفسي والمعنوي المسيطر على كثير من الشباب … كل ذلك وغيره أدى إلى ضعف هوية الشباب؛ فأنتج هذا الواقع الأليم ثلاثة أصناف من الشباب:
صنف تطرف في أفكاره فأفسد أكثر مما أصلح وقدم لخصمه سهما مسموما ليطعن به الإسلام.
وصنف مسخت هويته تماما فانسلخ من عقيدته ودينه ودفعه الانبهار بالغرب وحضارته، مع شعوره بالدونية والإنكسار، إلى التحرر من قيمه وأخلاقه ودينه، منتهجا نهجا إباحيا مقيتا.
وصنف ثالث ظل متشبثا بحبل النجاة الموصول بسفينة الإسلام الراسخة وقيمه السامقة وتعاليمه النافعة، ومنهجه القويم، يستمد أفكاره من دستور الإسلام الدائم القرآن والسنة، مستصحبا فهم الأوائل لتلك النصوص، مسترشدا بعلماء الأمة الكرام فهدي إلى صراط مستقيم.

ولعل أول وأنفع الوسائل لرد الشباب إلى هويته الإسلامية أن يدرك الشباب مدى أهمية ومكانة هذه الهوية في الحفاظ على ذاته وشخصيته، وأن الهوية الإسلامية هي أكمل وأفضل الأطروحات الموجودة؛ وذلك من خلال تصحيح المفاهيم الخاطئة التي ألصقها البعض بالإسلام – بقصد أو بدون قصد – فالإسلام دين العمل والنظام والرحمة، والمحبة ، والتعاون، واحترام الآخر، والتعايش معه، بل هو يكرم الإنسان دون النظر إلى لونه أو جنسه، فهو دين يضمن لمعتنقه السعادة في الدنيا والآخرة.
كما يجب التفريق بين الفكر الإسلامي كفكر مجرد وبين المعتنقين له في أرض الواقع، فلا يحكم علي الإسلام من خلال أفراده، بل يحكم عليه من خلال محتواه الفكري المجرد بموضوعية مستقلة تماما عن معتنقيه، فالفكرة شيء وتطبيقها من قبل أفراد معينين شيء آخر، فمن الظلم للإسلام أن يحكم عليه من خلال أفراد ربما لا يحسنون فهمه، أو لا يحسنون تطبيقه، فتجد الإسلام مثلا يدعوهم إلى العمل والجد ويعتبر من يسعى لتحصيل الرزق كالمجاهد في سبيل الله ثم تراهم في ذيل الأمم حضارة وتقدما.
ثم يأتي دور المؤسسات الاجتماعية: الأسرة، المدرسة، المسجد، الجامعة، الإعلام، والتي يجب عليها ترسيخ الهوية الإسلامية ، والإعتزاز بها وبلغتها العربية، من خلال بيان محاسنها وأهميتها وغرس مبادئها الاعتقادية والإيمانية والأخلاقية في نفوس الأطفال الصغار، ليشبوا متشبعين بأفكارها مستظلين بظلها.

الحفاظ على الهوية الذاتية للإنسان، يحمل في طياته رسالة سلام وأمان للآخر الذي يصبح لدية صورة واضحة لك، يمكنه أن يرسمها من خلال أفكارك وعقائدك؛ ومن ثم يصبح التعامل أكثر سهولة ونفعا، بدلا من الغموض الذي يؤدي حتما إلى اضطراب وتخوف وحذر في التعاملات، خاصة وأن الإسلام قد رسم صورة جلية للتعامل مع الآخر، باعتباره إنسانا له كل ما للمسلم من حقوق، وقدم له كل الضمانات – من خلال نصوص قطعية الثبوت والدلالة – التي تجعله يعيش في أمان وسلام حقيقي مع المسلمين.
كما أن الحفاظ على الهوية، لا يعني أبدا الإنغلاق والعزلة والتقوقع في داخل شرنقة الذاتية، بل على العكس تماما فصاحب الهوية الواضحة يتعامل مع كل الأفكار وكل الأطياف دون خوف أو تردد؛ لأنه ببساطة واثق في هويته مؤمن بعقيدته.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة