(القهَّار) مِنْ أسْماءِ اللهِ الحُسْنى

0 958

الإيمان هو أعظم المطالب وأهمها، وقد جعل الله عز وجل له أسبابا تزيده وتقويه، ومن أعظم ما يقوي الإيمان ويزيده معرفة أسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والسنة، والحرص على فهم معانيها، والتعبد لله وسؤاله بها، قال الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون}(الأعراف:180).
وأسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل والاجتهاد فيها، فيجب الوقوف فيها على ما جاء به القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة، فلا يزاد فيها ولا ينقص. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة) رواه البخاري. قال النووي: "واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى، فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها، لا الإخبار بحصر الأسماء، ولهذا جاء في الحديث الآخر: (أسألك بكل اسم سميت به نفسك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك)". 
 
و(القهار) من أسماء الله تعالى الحسنى، وهو اسم يملأ القلب هيبة لله تعالى، وإجلالا وتعظيما له سبحانه، وخوفا منه ورجاء فيه، وهو مشتق من القهر، والقهار هو الذي لا موجود إلا وهو مسخر تحت قهره وقدرته، قال الطبري في تفسيره لقول الله تعالى: {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار}(غافر:16): "القهار لكل شيء سواه بقدرته، الغالب بعزته". وقد ورد اسم الله تعالى "القهار" في مواضع ستة من القرآن الكريم، كلها في تقرير توحيد الله تعالى، وأنه لا معبود بحق سواه، لأنه سبحانه قهر جميع خلقه، فهم تحت حكمه، ويجري عليهم أمره، ولا حول لهم ولا قوة إلا به، قال الله تعالى: {ياصاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار}(يوسف:39)، {قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار}(الرعد:16)، {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار}(إبراهيم:48)، {وما من إله إلا الله الواحد القهار}(ص:65)، {لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار}(الزمر:4)، {يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار}(غافر:16).
قال ابن القيم في كتابه "الصواعق المرسلة": "القهار لا يكون إلا واحدا، ويستحيل أن يكون له شريك، بل القهر والوحدة متلازمان، فالملك والقدرة والقوة والعزة كلها لله الواحد القهار، ومن سواه مربوب مقهور". وقال السعدي: "كل مخلوق فوقه مخلوق يقهره، ثم فوق ذلك القاهر قاهر أعلى منه، حتى ينتهي القهر للواحد القهار، فالقهر والتوحيد متلازمان متعينان لله وحده".

وكذلك ورد اسم الله "القهار" في الأحاديث النبوية، فعن عائشـة رضي الله عنهـا أنها قالت: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار}(إبراهيم:48)، فأين يكون الناس يومئذ يا رسول الله؟ فقال: على الصراط) رواه مسلم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تضور (أي تقلب في الليل على فراشه) قال: (لا إله إلا الله الواحد القهار، رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار) رواه النسائي وصححه الألباني.
قال ابن القيم في قصيدته "النونية":
وكذلك القهار من أوصافه       فالخلق مقهورون بالسلطان
لو لم يكن حيا عزيزا قادرا     ما كان من قهر ومن سلطان

من معاني اسم الله (القهار):

ـ "القهار" صيغة مبالغة، قال البيهقي في كتابه "الاعتقاد والهداية": "القهار هو القاهر على المبالغة، وهو القادر.. وقيل هو الذي قهر الخلق على ما أراد".
ـ و"القهار" هو الذي يدبر خلقه بما يريد، فلا يستطيع أحد رد تدبيره والخروج من تحت قهره وتقديره، وهو الذي أسلم وخضع له كل ما في الكون، قال الله تعالى: {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون}(آل عمران:83).
ـ "القهار" عز وجل: يقهر ولا يقهر، وهو الذي قهر الخلق كلهم بالموت، فلا يستطيع أحد من رده أو دفعه عن نفسه، قال الله تعالى: {وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين}(الأنعام: 61-62). قال ابن كثير: "أي: هو الذي قهر كل شيء، وخضع لجلاله وعظمته وكبريائه كل شيء". وقال السعدي: "نفذ فيهم إرادته الشاملة، ومشيئته العامة، فليسوا يملكون من الأمر شيئا، ولا يتحركون ولا يسكنون إلا بإذنه.. فإذا كان تعالى هو المنفرد بالخلق والتدبير، وهو القاهر فوق عباده، وقد اعتنى بهم كل الاعتناء في جميع أحوالهم، وهو الذي له الحكم القدري والحكم الشرعي والحكم الجزائي، فأين للمشركين العدول عن من هذا وصفه ونعته إلى عبادة من ليس له من الأمر شيء، ولا عنده مثقال ذرة من النفع، ولا له قدرة وإرادة؟".
وقال الخطابي: "القهار هو الذي قهر الجبابرة من عتاة خلقه بالعقوبة، وقهر الخلق كلهم بالموت". وقال الزجاج: "قهر المعاندين بما أقام من الآيات والدلالات على وحدانيته، وقهر جبابرة خلقه بعز سلطانه، وقهر الخلق كلهم بالموت". وقال السعدي في تفسيره: "القهار لجميع العالم العلوي والسفلي، القهار لكل شيء الذي خضعت له المخلوقات وذلك لعزته وقوته وكمال اقتداره". وقال الحليمي: "الذي يقهر ولا يقهر بحال"، وقال ابن الأثير: "القاهر هو الغالب جميع الخلق".
ـ والله هو القهار المستحق للعبادة والألوهية، وما سواه من الآلهة فإنما هي مخلوقات عاجزة مقهورة، لا تملك أن ترد الضر عن نفسها فكيف تقهر غيرها، وبهذا قال نبي الله يوسف لمن كان معه في السجن: {يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار}(يوسف:39). قال السعدي: "أي: أرباب عاجزة ضعيفة لا تنفع ولا تضر، ولا تعطي ولا تمنع، وهي متفرقة ما بين أشجار وأحجار وملائكة وأموات، وغير ذلك من أنواع المعبودات التي يتخذها المشركون، أتلك {خير أم الله} الذي له صفات الكمال، {الواحد} في ذاته وصفاته وأفعاله فلا شريك له في شيء من ذلك. {القهار} الذي انقادت الأشياء لقهره وسلطانه".

ـ و"القهار" سبحانه هو الذي يقهر الظلمة و الجبابرة والمتكبرين في الأرض، فقد أهلك قوم نوح وهود وثمود، وقهر فرعون وهامان، فإذا وقع على مؤمن ظلم وقهر من ظالم، فإنه يعلم أن هذا لحكمة يريدها الله، ولو شاء الله عز وجل أن يعجل وينتقم من الظالمين لكان، لكنه سبحانه يؤخرهم لوقت قدره سبحانه لحكمة يريدها، قال الله تعالى: {فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام * يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار * وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد * سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار * ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب * هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب}(إبراهيم: 52:47). قال السعدي: "والله تعالى لا يعجزه شيء فإنه {عزيز ذو انتقام} أي: إذا أراد أن ينتقم من أحد، فإنه لا يفوته ولا يعجزه".
وصفة القهر لا يناسب العبد أن يتصف بها، أو بشيء منها، فهي في حق العبد مذمومة لقيامها على الظلم والطغيان، والتسلط على الضعفاء والفقراء، كما قال الله تعالى حاكيا عن فرعون: {قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون}(الأعراف:127).

وحظ المؤمن من اسم الله (القهار) يكون بالخضوع والذل والانقياد لله تبارك وتعالى، وأن يدعو الله تعالى باسمه "القهار"، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تقلب من الليل قال: (لا إله إلا الله الواحد القهار، رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار).

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة