- اسم الكاتب:الأستاذ/ ظاهر صالح
- التصنيف:المركز الإعلامي
عندما نتحدث عن الثقافة العربية في هذه الأيام تواجهنا مجموعة من العبارات والأوصاف التي تندب واقع هذه الثقافة فيتمثل أمامنا عدد من التعبيرات منها مأساة الثقافة العربية ومعاناة المثقفين العرب وتهميش الثقافة العربية وكلها تعبيرات وأوصاف مستمدة من قاموس المحن والمعاناة والنكسات التي أصابت العرب في بلدانهم والتي ارتبط مفهومها اعتباطا بمفهوم آخر عبر شعورها بالدونية والتخلف من جهة وبالانبهار الحضاري بالبلدان المتقدمة والثقافات المستوردة من جهة أخرى. فنقع في سوء تقدير نظن أن الثقافة هي جمعا لمعلومات وتكديسا لأرقام ورصا لأخبار إضافة إلى اقتصارها في تصورها على التراث المادي وشبه المعنوي متمثلا في بعض الممارسات الثقافية التي تتقاطع في بعض جوانبها مع الانتماء العام لهذه الهوية المسماة بالعربية بينما في جانبها العمومي تتمثل في ممارسات الجهات المحلية التي باتت تستند على تعريفها من دولتها، بل وصل الأمر إلى حد أن بعض الثقافات المحلية العربية باتت تود أن تفرض نفسها باعتبارها الأصيلة وباقي الثقافات الأخرى دخيلة ومقلدة وهو ما خلق بيئة تنافسية غير محمودة ونضل طريقها، ساهمت بها حالة من الترهل المؤسسي وكبت سلطوي يعم أغلب البلدان العربية.
تختلف المجتمعات من حيث الثقافة التي تسودها وتبقى الثقافة العربية بتنوعها وتلاقحها الأكثر حظا وقوة في مواجهة عوامل التعرية الثقافية التي تفرزها تبدلات الأزمان والأحوال، ذلك أتها ثقافة ثابتة وراسخة في التاريخ، ولم تتشكل عبر الهجرة أو غيرها كما في أقوام أخرى وعليه فإن الحماية الثقافية لعناصر الهوية والأخلاق والقيم هي الضامن الوحيد لتراث الأمة العربية. فثقافتنا هي انعكاس لطبيعة الحياة الاجتماعية والفكرية والوجدانية وهي منصة للتعبير عن وعي المجتمع ورسم قيمه الخاصة به، كما تشكل الثقافة الخطاب الأكثر نفاذا إلى العالم في نقل الصورة الحقيقية إلى الشعوب الأخرى فلا تواجه الثقافة إلا بالثقافة ولا تحارب إلا بالسلاح نفسه، لذلك لابد من الاهتمام بشتى مناحي الحياة الثقافية وعليها أن تظهر ذلك في إنشاء المكتبات والمسارح ومراكز الفنون ودعم دور النشر والمجلات الثقافية وتنظيم مهرجانات ومنتديات ومعارض ومؤتمرات يلتقي فيها أهل الفكر والأدب والفن لتشجيع ودعم الإبداع الثقافي والفكري في العالم العربي.
وإذا كان لنا أن نقتنع كمثقفين بأن حضارات الأمم وإنجازات الدول جميعها وفي مختلف عصور نموها وتطورها هي في ذات الوقت جزء من تراثنا الإنساني ومصدر لثقافتنا، فذلك لا يعني التهرب والتنصل من وجهنا في حضارتنا لاستعارة قناع من حضارة أخرى بل نستفيد قدر ما يتناسب معنا منها كأساليب لدراسة واقعنا، ويستوجب ذلك الإيمان بقدرتنا على الأخذ والتطوير ليكون لنا من بعد إمكانية التفاعل الحي مع تلك الحضارات الوافدة على أساس من إحساسنا بواقعنا في الأرض والتاريخ والمجتمع دون الانبهار بالتقنية الغربية ونسيان الأصل والشعور بالنقص والتخلف وبالتالي عدم القدرة على العطاء المثمر لأمتنا لانتمائها ذهنيا إلى واقع آخر أقام بينهم وبين واقعهم حالة من اليأس والسخرية والأزمات انعكست عبر أحاديثهم وكتاباتهم ونقاشاتهم على أننا أمة متخلفة ومهزومة ولا أمل لها في الانتصار على غيرها.
وفي إطار الحديث عن أزمة الثقافة او تنافس الثقافات المحلية العربية هو وجود بيئة السلطوية التي كابدتها المجتمعات العربية الحديثة والتي تصدت لأي شكل من الثقافة العربية الجامعة ذات الطابع المعرفي المتشبع بقيم الحرية والكرامة الإنسانية والأصالة العربية التاريخية، فثمة ثقافات تسعى إلى غزونا من الخارج وعلى غير إدراك ووعي فإذ بنا نسقط في شرك ما نصب إلينا ويسهل عندها التهامنا. إن الثقافة التي نريدها، هي تلك التي لا تنعزل بنا عن تراثنا ولا عن شعوبنا ولا عن عصورنا، هي الثقافة العلمية والفكرية التي لها من وعيها بنفسها ما يجنبها السقوط في مستنقع الماضي أو انبهار المستقبل، إنها الثقافة التي تنبع من احترام الإنسان لقدراته وتطلعه للمستقبل .لذلك ينبغي علينا أن لا نفقد ثقتنا بأنفسنا وبثقافتنا وتراثنا، وعلى كل مثقف منا ان يقف بوجه كل دعاوى الانبهار الساذج بالتقنية الغربية التي تسعى إلى عزلنا عن واقعتا والنيل من إحساسنا به تحت وطأة الشعور بالتخلف والنقص لإبقائنا في موقف المثقف المستهلك لثقافات غيره.
إن مسؤولية المثقف العربي اليوم تبدو على جانب من كبير من الأهمية بعد أن تحول العالم إلى قرية صغيرة ليس من السهل أن تعزل نفسك عنه وليس من المفروض أن تمحي شخصيتك فيه ولا يتم ذلك إلا عبر الإيمان بأن التعاون الثقافي لا يكون إلا من خلال عاملين الاول هو في أرضه ووطنه وتراثه عبر روافد الثقافة كالنشر والطباعة والإعلام، والثاني هو قدرته على استيعاب تجارب الآخرين وتطويرها بطريقة علمية ومدروسة.