- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:قضايا شبابية
{ما لكم لا ترجون لله وقارا} [نوح:13].. صرخ بها نوح في قومه لما رآهم نافرين عنه، جاحدين لربهم، مشركين به.. متعجبا من صنيعهم ومذكرا لهم بأن أعظم توقير يجب أن يكون لمن أسبغ عليك نعمه مذ كنت لا شيء ثم في طور الـنطفة، ولذا قال مذكرا: {وقد خلقكم أطوارا} [نوح:14] حينما لم تكن شيئا مذكورا! ثم توالت عليك مننه، وتتابعت عليك نعمه. وهو مثل قوله تعالى في سورة الانفطار: {ياأيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك . في أي صورة ما شاء ركبك}.
هل تأملت أحوالك وأنت تنتقل من طور إلى طور، من غير حول ولا قوة لك ولا لأحد من البشر.
قال ابن القيم عن الرحم: "من الذي أوحى إليه أن يتضايق عليك وأنت نطفة حتى لا تفسد هناك؟ وأوحى إليه أن يتسع لك وينفسح حتى تخرج منه سليما إلى أن خرجت فريدا وحيدا ضعيفا لا قشرة ولا لباس ولا متاع ولا مال؟ أحوج خلق الله وأضعفهم وأفقرهم، فصرف ذلك اللبن الذي كنت تتغذى به في بطن أمك إلى خزانتين معلقتين على صدرها! تحمل غذاءك على صدرها، كما حملتك في بطنها، ثم ساقه إلى تينك الخزانتين ألطف سوق على مجار وطرق قد تهيأت له، فلا يزال واقفا في طرقه ومجاريه حتى تستوفي ما في الخزانة، فيجرى وينساق إليك، فهو بئر لا تنقطع مادتها، ولا تنسد طرقها، يسوقها إليك في طرق لا يهتدي إليها الطواف، ولا يسلكها الرجال، فمن رققه لك، وصفاه، وأطاب طعمه، وحسن لونه، وأحكم طبخه أعدل إحكام؟ لا بالحار المؤذي، ولا بالبارد الردي، ولا المر ولا المالح، ولا الكريه الرائحة، بل قلبه إلى ضرب آخر من التغذية والمنفعة، خلاف ما كان في البطن، فوافاك في أشد أوقات الحاجة إليه على حين ظمأ شديد وجوع مفرط جمع لك فيه بين الشراب والغذاء فحين تولد قد تلمظت وحركت شفتيك للرضاع، فتجد الثدي المعلق كالإداوة قد تدلى إليك، وأقبل بدره عليك". اهـ .
أما خرجت من بطن أمك مقلوبا لا ترى ولا تعي؟! {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا}[النحل:78].
أما وهبك الله عينين، لترى؟ ومنحك أذنين، لتسمع؟ وحباك قلبا واعيا لتعي وتدرك؟ بلى.. فبها أدركت ووعيت وعقلت وتعلمت {وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون}[النحل:78]، وهداك سبل السلام وسبيل الرشاد {ألم نجعل له عينين. ولسانا وشفتين. وهديناه النجدين} [البلد:8-10].
إن لم تتفكر في نفسك التي بين جنبيك، ولم تر دقيق صنع الله فيها: فدونك ما هو أعظم من ذلك: خلق السماوات {ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا}[نوح:15]، وجعل فيهن ما تقوم به حياتكم {وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا}[نوح:16]
كيف لا يوقر ولا يرجى له وقار.. من لا إله غيره؟ ولا رب سواه؟ فلا خالق ولا رازق غيره؟ ولا مدبر للأمر إلا إياه؟ إذ لا كاشف للبلوى إلا الله.
قال ابن القيم: "كيف لا تحب القلوب من لا يأتي بالحسنات إلا هو؟ ولا يذهب بالسيئات إلا هو؟ ولا يجيب الدعوات، ويقيل العثرات، ويغفر الخطيئات، ويستر العورات، ويكشف الكربات، ويغيث اللهفات، وينيل الطلبات سواه؟ فهو أحق من ذكر، وأحق من شكر، وأحق من حمد، وأحق من عبد، وأنصر من ابتغي، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى، وأرحم من استرحم، وأكرم من قصد، وأعز من التجئ إليه، وأكفى من توكل عليه. أرحم بعبده من الوالدة بولدها، وأشد فرحا بتوبة عباده التائبين من الفاقد لراحلته التي عليها طعامها وشرابه في الأرض المهلكة إذا يأس من الحياة فوجدها. وهو الملك فلا شريك له، والفرد فلا ند له. كل شيء هالك إلا وجهه، لن يطاع إلا بإذنه، ولن يعصي إلا بعلمه؛ يطاع فيشكر، وبتوفيقه ونعمته أطيع، ويعصي فيغفر ويعف، وحقه أضيع. فهو أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، وأوفى وفي بالعهد، وأعدل قائم بالقسط، حال دون النفوس، وأخذ بالنواصي، وكتب الآثار، ونسخ الآجال، فالقلوب له مفضية، والسر عنده علانية، والعلانية والغيوب لديه مكشوف، وكل أحد إليه ملهوف، وعنت الوجوه لنور وجهه، وعجزت القلوب عن إدراك كنهه، ودلت الفطرة والأدلة كلها على امتناع مثله وشبهه، أشرقت لنور وجهه الظلمات، واستنارت له الأرض والسماوات، وصلحت عليه جميع المخلوقات، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".اهـ. فما للنفوس لا تعظم الملك القدوس؟
1- إن من إجلال الله تعظيم شعائر الله: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}[الحج:32].. قال القرطبي في تفسيره: "الشعائر جمع شعيرة، وهو كل شي لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم".اهـ.
2- إن من إجلال الله تعظيم حرمات الله: {ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه}[الحج:30]، فلا يتجرأ عليها، ولا يتهاون في الوقوع فيها، وتعدي حدودها.
3ـ وإن من ذلك ألا يحلف بالله كذبا.. جاء في خبر نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام أنه قال : "ربي عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتزاعمان، وكل يحلف بالله - أو على الـنفر يتزاعمون- فانقلب إلى أهلي فأكـفـر عن أيمانهم، إرادة ألا يأثم أحد ذكره، ولا يذكره أحد إلا بالحق.
وفي خبر المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام: أنه رأى رجلا يسرق، فقال له: أسرقت؟ قال: كلا والله الذي لا إله إلا هو. فقال عيسى: آمنت بالله، وكذبت عيني(رواه البخاري ومسلم).
4- ومن إجلال الله.. ألا يجعل الله عرضة للأيمان: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس}[البقرة:224]
5- وأن لا يجعل الله أهون الناظرين.. بل يعظم نظر الإلـه، ويستحيا من الله..
قال أبو محمد عبد الله بن محمد الأندلسي القحطاني في نونيته:
وإذا خــلوت بريبــة في ظــلمة .. .. والنفس داعـية إلى الطغيان
فاستح من نظر الإله وقـل لــها .. .. إن الذي خلق الظلام يراني
6- وإن من إجلال الله : إجلال كبار السن من المسلمين، وأهل القرآن والعلم والدين، وأهل العدل من ولاة أمور المسلمين، كما في الحديث: [إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم ، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه ، وإكرام ذي السلطان المقسط](رواه أبو داود ، وحسنه الألباني).