(الرقيب) من أسماء الله الحسنى

0 799

العلم بأسماء الله الحسنى، له فوائد وفضائل كثيرة وعظيمة، منها: معرفة الله عز وجل، وسؤاله ودعاؤه بها، وتعميق حبه سبحانه والأدب معه، وإصلاح القلوب، وتزكية النفوس، ودخول الجنة، قال الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}(الأعراف:180)، قال الشوكاني في "فتح القدير": "هذه الآية مشتملة على الإخبار من الله سبحانه بما له من الأسماء على الجملة دون التفصيل، والحسنى تأنيث الأحسن أي التي هي أحسن الأسماء لدلالتها على أحسن مسمى وأشرف مدلول، ثم أمرهم بأن يدعوه بها عند الحاجة فإنه إذا دعي بأحسن أسمائه كان ذلك من أسباب الإجابة".
وقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على معرفة أسماء الله عز وجل وإحصائها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة) رواه البخاري. قال النووي: "واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى، فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها، لا الإخبار بحصر الأسماء، ولهذا جاء في الحديث الآخر: (أسألك بكل اسم سميت به نفسك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك.. وأما قوله صلى الله عليه وسلم (من أحصاها دخل الجنة) فاختلفوا في المراد بإحصائها، فقال البخاري وغيره من المحققين معناه: حفظها، وهذا هو الأظهر، لأنه جاء مفسرا في الرواية الأخرى من حفظها، وقيل: (أحصاها): عدها".

و(الرقيب) اسم من أسماء الله الحسنى الثابتة في كتاب الله تعالى، وقد ورد اسم الله (الرقيب) في القرآن الكريم ثلاث مرات، في قول الله تعالى: {إن الله كان عليكم رقيبا}(النساء:1)، وقوله سبحانه: {وكان الله على كل شيء رقيبا}(االأحزاب:52). وقوله عز وجل: {وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد}(المائدة:117).
قال القرطبي: "أصل المراقبة: المراعاة، أي كنت الحافظ لهم، والعالم بهم، والشاهد عليهم". وقال السعدي: "الرقيب: المطلع على ما أكنته الصدور، القائم على كل نفس بما كسبت، الذي حفظ المخلوقات وأجراها على أحسن نظام وأكمل تدبير".
وقال ابن الأثير في كتابه"جامع الأصول" في شرح اسم الله تعالى (الرقيب): "الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء". وقال الحليمي في "المنهاج": "الرقيب: هو الذي لا يغفل عما خلق فيلحقه نقص، أو يدخل خلل من قبل غفلته عنه". وقال الطيبي في "الكاشف عن حقائق السنن": "(الرقيب) الحفيظ الذي يراقب الأشياء ويلاحظها، فلا تعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء". وقال ابن الحصار: "الرقيب: المراعي أحوال المرقوب، الحافظ له جملة وتفصيلا، المحصي لجميع أحواله". وقال الزجاج في " تفسير الأسماء": "الرقيب": هو الحافظ الذي لا يغيب عما يحفظه".
وفي "عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني": "{فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم}(المائدة:117) أي: الحفيظ عليهم، والمراقبة في الأصل المراعاة، وقيل: أنت العالم بهم، وأنت على كل شيء شهيد أي: شاهد لما حضر وغاب، وقيل: على من عصى وأطاع".
وقال الهروي في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح": "(الرقيب): أي: الحفيظ الذي يراقب الأشياء فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، هو الذي يعلم أحوال العباد وأفعالهم، ويحصي عدد أنفاسهم، ويعلم آجالهم، فمرجعه إلى صفة الذات، وقد قال تعالى: {إن الله كان عليكم رقيبا}(النساء:1)، {وكان الله على كل شيء رقيبا}(الأحزاب: 52)".
وقال ابن عثيمين: "(الرقيب) معناه المراقب الذي يراقبك".

بعض المعاني من اسم الله (الرقيب):

- من معاني اسم الله عز وجل (الرقيب): أنه سبحانه يرقب كل شيء ويحفظه، ويعلم كل شي ظاهره وباطنه، ولا يخفى عليه من العبد سره ولا علانيته، فلا يعزب عنه منها دقيق ولا جليل، قال الله تعالى: {وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين}(يونس: 61). قال ابن كثير: "يخبر تعالى نبيه صلوات الله عليه وسلامه أنه يعلم جميع أحواله وأحوال أمته، وجميع الخلائق في كل ساعة وآن ولحظة، وأنه لا يعزب عن علمه وبصره مثقال ذرة في حقارتها وصغرها في السموات ولا في الأرض، ولا أصغر منها ولا أكبر إلا في كتاب مبين".
ومن معاني اسم الله (الرقيب): أنه عز وجل لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو سبحانه المطلع على خلقه، يعلم كل صغيرة وكبيرة في ملكه، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، قال الله تعالى: {ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم}(المجادلة:7)، قال ابن كثير: "أي: يطلع عليهم يسمع كلامهم وسرهم ونجواهم، ورسله أيضا مع ذلك تكتب ما يتناجون به، مع علم الله وسمعه لهم، كما قال: {ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب}(التوبة:78)، وقال {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون}(الزخرف:80)، ولهذا حكى غير واحد الإجماع على أن المراد بهذه الآية معية علم الله تعالى، ولا شك في إرادة ذلك ولكن سمعه أيضا مع علمه محيط بهم، وبصره نافذ فيهم، فهو سبحانه، مطلع على خلقه، لا يغيب عنه من أمورهم شيء".
قال القرطبي في "الأسنى شرح الأسماء الحسنى": "(رقيب) بمعنى: راقب، فهو من صفات ذاته، راجعة إلى العلم والسمع والبصر، فإن الله تعالى رقيب على الأشياء بعلمه المقدس عن مباشرة النسيان، ورقيب للمبصرات ببصره الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، ورقيب للمسموعات بسمعه الـمدرك لكل حركة وكلام، فهو سبحانه رقيب عليها بهذه الصفات، تحت رقبته الكليات والجزئيات وجميع الخفيات في الأرضين والسماوات، ولا خفي عنده، بل جميع الموجودات كلها على نمط واحد، في أنها تحت رقبته التي هي من صفته".

من علم أن الله عز وجل عليه رقيب، ومشاهد له في كل حركة من حركاته، وأن من أسمائه سبحانه (الرقيب)، حصلت له المراقبة، فمن أعظم حظوظ وأحوال المؤمن من اسم الله (الرقيب) مراقبة الله تعالى في سره وعلانيته. قال البيضاوي في "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة" في حظ العبد من اسم الله (الرقيب): "أن يراقب أحوال نفسه، ويأخذ حذره من أن ينتهز الشيطان منه فرصة، فيهلكه علي غفلة فيلاحظ مكامنه ومنافذه، ويسد عليه طرقة ومجاريه". وفي "شرح البخاري للسفيري": "وكان الفضيل رحمه الله تعالى يقول: يا مسكين تغلق بابك وترخي سترك وتستحي من الناس ولا تستحي من الملكين الذين معك، ولا تستحي من القرآن الذي في صدرك، ولا تستحي من الجليل سبحانه وتعالى وهو لا يخفي عليه خافية". وقال الهروي: "وحظك منه (اسم الله الرقيب) أن تراقبه في كل حال، ولا تلتفت إلى غيره في سؤال، وتكون رقيبا خصوصا على من جعلك راعيا عليه، فتكون مراعيا ومتوجها في أحواله إليه". وقال ابن القيم في "مدارج السالكين": "(المراقبة) دوام علم العبد، وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه.. فاستدامته لهذا العلم واليقين: هي المراقبة، وهي ثمرة علمه بأن الله سبحانه رقيب عليه، ناظر إليه، سامع لقوله، وهو مطلع على عمله، كل وقت وكل لحظة، وكل نفس وكل طرفة عين".
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت   ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعـة               ولا أن ما تخفي عليه يغيـب

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة