(السِتْر) من صفات الله عز وجل

0 841

الله عز وجل يحب الستر، ويأمر بستر العورات، وهذا من كمال وعظيم رحمته وفضله، فإنه سبحانه وتعالى يستر عباده فلا يفضحهم بما ارتكبوا من معاص وسيئات، وستره سبحانه على عباده لا يقتصر على الدنيا فقط، بل يشمل الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة}(لقمان:20) قال البغوي في تفسيره: "قال ابن عباس: النعمة الظاهرة: الإسلام والقرآن، والباطنة: ما ستر عليك من الذنوب ولم يعجل عليك بالنقمة".
والستر: صفة ثابتة لله تعالى بالسنة النبوية الصحيحة، فعن يعلى بن أمية رضي الله عنـه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله عز وجل حليم، حيي ستير، يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر) رواه أحمد وصححه الألباني. و"الستير" معناه: أنه يحب الستر والصون لعباده ولا يفضحهم، كما أنه يحب من عباده الستر على أنفسهم والابتعاد عما يشينهم. قال ابن الأثير في "النهاية": "(ستير): فعيل بمعنى فاعل: أي من شأنه وإرادته حب الستر والصون". وقال البيهقي: "(ستير): يعني أنه ساتر يستر على عباده كثيرا، ولا يفضحهم في المشاهد. كذلك يحب من عباده الستر على أنفسهم، واجتناب ما يشينهم". وقال المناوي: "(ستير) أي: تارك لحب القبائح، ساتر للعيوب والفضائح". وقال الطيبي: "المعنى إن الله تبارك وتعالي تارك للمقابح، ساتر للعيوب والفضائح، يحب الحياء والتستر من العبد". وقال العيني: "أي: من شأنه وإرادته حب الستر والصون"، يحب الستر، أي ستر العبد نفسه، وستر أخيه المسلم إذا رآه يعمل ما لا يليق به. وقال البغوي: " (ستير) أي: ساتر للعيوب والذنوب، لا يهتك أستارهم. (يحب الحياء والستر) أي: يحب هاتين الصفتين من عباده".
وقال ابن القيم في قصيدته "النونية:
وهو الحيي فليس يفضح عبده     عند التجاهر منه بالعصيان
لكنه يلقي عليه ستره               فهو الستير وصاحب الغفران

أسباب الفوز بستر الله:

أسباب الفوز بستر الله عز وجل كثيرة، ومنها:
عدم المجاهرة والتحدث بالمعصية، فمن وقع في معصية عليه أن يستر على نفسه، ويسارع إلى التوبة منها، ولا يخبر أحدا بها، فعن سالم بن عبد الله رضي الله عنه قال: (سمعت أبا هريرة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كل أمتى معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل العبد بالليل عملا، ثم يصبح قد ستره ربه، فيقول: يا فلان قد عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، فيبيت يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه) رواه البخاري. قال ابن حجر في "فتح الباري" : "قال ابن بطال: في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين، وفيه ضرب من العناد لهم، وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف، لأن المعاصي تذل أهلها، ومن إقامة الحد عليه إن كان فيه حد، ومن التعزير إن لم يوجب حدا، وإذا تمحض حق الله فهو أكرم الأكرمين، ورحمته سبقت غضبه، فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة، والذي يجاهر يفوته جميع ذلك".

ستر المسلم على أخيه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يستر عبد عبدا في الدنيا، إلا ستره الله يوم القيامة) رواه مسلم. ومعنى الستر هنا عام لا يتقيد بالستر البدني فقط، أو الستر المعنوي فقط، بل يشملهما جميعا، فمن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة. وعن سالم عن أبيه عبد الله رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة) رواه مسلم. قل ابن حجر: "أي: رآه على قبيح فلم يظهره، أي: للناس، وليس في هذا ما يقتضي ترك الإنكار عليه فيما بينه وبينه.. والذي يظهر أن الستر محله في معصية قد انقضت، والإنكار في معصية قد حصل التلبس بها، فيجب الإنكار عليه".

ومن أسباب نيل ستر الله: أن يستتر العبد في لباسه ولا يتعرى أمام الناس، قال صلى الله عليه وسلم: (الله عز حيي ستير، يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر) رواه أحمد وصححه الألباني.
ومن الأسباب أيضا: الصدقة، قال صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل) رواه مسلم.
ومن أسباب نيل ستر الله: تربية البنات والإحسان إليهن، قال صلى الله عليه وسلم: (من يلي من هذه البنات شيئا فأحسن إليهن كن له سترا من النار) رواه البخاري.
ومنها: ستر الميت عند تغسيله، قال صلوات الله وسلامه عليه: (من غسل ميتا فستره ستره الله من الذنوب، ومن كفنه كساه الله من السندس) رواه الطبراني وحسنه الألباني.
كذلك من أسباب نيل ستر الله: دعاء وسؤال الله تعالى الستر، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع (يترك) هذه الدعوات حين يمسي وحين يصبح: اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، وديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي) رواه أبو داود وصححه لألباني.

من صفات الله عز وجل "الستر"، فإنه سبحانه "ستير" يحب الستر والصون، يستر على عباده الذنوب والعيوب، ومن أعظم نعم الله تعالى على عبده أن يشمله بستره في الدنيا والآخرة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يدنى المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا، أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته) رواه البخاري.
نسأل الله تعالى أن يمن علينا بستره وعفوه في الدنيا والآخرة..

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة