- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:الأسرة اليوم
من نعم الله تعالى الجليلة على عباده أن هيأ لهم بيوتا يأوون إليها ويسكنون فيها، وقد امتن عليهم بهذه النعمة في سورة النحل المعروفة بسورة النعم، فقال: {والله جعل لكم من بيوتكم سكنا}(النحل:80).
فالبيت سكن ورحمة، ولباس ومودة، يحتمي الإنسان فيه من الحر، ويستدفئ به من البرد، ويستره عن الأنظار، ويحصنه من الأعداء.
قال الحافظ ابن كثير في تفسير: "يذكر - تبارك وتعالى - تمام نعمه على عبيده، بما جعل لهم من البيوت، التي هي سكن لهم، يأوون إليها ويستترون، وينتفعون بها سائر وجوه الانتفاع".
إن البيت المسلم هو اللبنة القوية في بناء المجتمع الملتزم بمنهج الله في هذه الحياة، والأسرة في الإسلام نظام إلهي، ومنهج رباني، وهدي نبوي، وسلوك إنساني، والحياة في بيوت المسلمين عبادة شاملة، وتربية مستمرة؛ فالحياة الأسرية التي تقام بزواج رجل وامرأة هي آية من آيات الله سبحانه وتعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} (الروم:21).
أي أن الله جعلها سكنا يأوي إليها أهلها، تطمئن فيها النفوس، وتأمن فيها الحرمات، وتستر فيها الأعراض، ويتربى في كنفها الأجيال، وهو - سبحانه وتعالى - يريد بذلك من البيوت أن تكون قلاع خير ومحبة ووئام، وحصون بر وحنان وأمان، وديار خير وفضيلة وإحسان.
والمسلم يدرك قدر نعمة السكن والمأوى عليه، حينما يرى أحوال من سلبوا هذه النعمة، من المشردين واللاجئين من إخواننا في العقيدة والدين، الذين يعيشون في الملاجئ، أو على أرصفة الشوارع، حينها يعلم المسلم يقينا معنى التشتت والحرمان، الناجمين عن فقد السكن والمأوى.
إصلاح البيوت:
ولما كانت الأسرة المسلمة والبيت المسلم هو الدعامة الأساس في صرح الأمة، واللبنة الأولى في تكوين المجتمع، وهو المدرسة الحقيقية التي يتخرج منها الأعضاء الفاعلون في المجتمع، ساسة وقادة، علماء وقضاة، مربون ودعاة، وطلاب ومجاهدون، وزوجات صالحات، وأمهات مربيات، وأنه على قدر ما تكون اللبنة قوية يكون البناء راسخا منيعا، وكلما كانت ضعيفة كان البناء واهيا، آيلا للانهيار والتصدع..
فلأجل ذلك كله سعى الإسلام سعيا حثيثا لإصلاح الأسر والبيوت، ووضع لها أسس بنائها، ودعائم قيامها حتى كان للبيت المسلم سماته وصفاته التي تميزه عن غيره من البيوت.
سمات وخصائص البيت المسلم:
صلاح الزوجين:
جعل الإسلام أول الأسس التي يقوم عليها البيت المسلم، صلاح أعمدته، فكان في مقدمة ذلك اختيار الزوجة ذات الصلاح والدين؛ لأنها - بإذن الله تعالى - أهم عوامل الإصلاح للبيت بعد الرجل؛ ففي الصحيحين عن أبى هريرة - رضى الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: [تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك].
وأرشد أولياء المرأة إلى اختيار الزوج الصالح، ذي الخلق القويم، والدين المستقيم؛ قال - صلى الله عليه وسلم: [إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد عريض](رواه ابن ماجه).
وباجتماع الزوج الصالح، والزوجة الصالحة، يبنى البيت الصالح بإذن الله تعالى: {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون}(الأعراف: 58).
قائم على الإيمان:
ومن خصوصيات البيت المسلم قيامه على الإيمان والعمل الصالح، فهو بيت قائم على الدين والتقى، فالرابط بين أفراده رابطة الإيمان: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم}(الطور:21).
وهو متميز في إسلامه، يوالي ويحب في الله، ويعادي ويبغض في الله، ولا يتشبه بأعداء الله، ولا يقلدهم، ولا يشاركهم أعيادهم الشركية والبدعية؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: [من تشبه بقوم فهو منهم](رواه أبود داود والبزار).
عامر بالصلوات:
ومن سمات البيت المسلم، محافظة أهله على الصلوات.. فأما رجاله فيسارعون لتأديتها في المساجد، {واركعوا مع الراكعين}[البقرة:43).. وتقيم نساؤه الصلاة ويحافظن عليها فهي عماد الدين، وأوجب فرائضه بعد الشهادتين.
ويحرص الرجال على صلاة النوافل والسنن في البيت ليقوى الإخلاص واليقين وليتأسى بهم أهل البيت قال صلى الله عليه وسلم: [صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة](متفق عليه). وفي البخاري: [اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبورا]. وفي صحيح مسلم: [إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرا].
فالصلاة نور تنير البيوت بعد أن تنير قلوب أصحابها والمحافظين عليها.
الذكر والطاعة:
ومن مميزات البيت المسلم أنه بيت قائم على ذكر الله جل وعلا وطاعته، فالذكر حصن للبيت شياطين الإنس والجن ومن كل سوء، ولهذا شرع للمسلم أن يذكر الله عند دخول منزله، وعند خروجه، وعند الطعام، وعند الشراب، وعند النوم وعند الاستيقاظ، وعند البدء في الأعمال، وعند دخول الخلاء وعند الخروج منه، وعند ارتداء الملابس أو خلعها.. ذكر في كل حال.
هذه هي البيوت الحية وأما البيوت التي لا يذكر الله فيها فيه بيوت ميتة ميت أصحابها.. كما قال صلى الله عليه وسلم: [مثل البيت الذى يذكر الله فيه والبيت الذى لا يذكر الله فيه مثل الحى والميت].
فكم في البيوت من بيوت ميتة؛ بل هي في الحقيقة مأوى للجن والشياطين، بعيدة عن ذكر الله، مليئة بالفساد والمنكرات، لا يسمع فيها إلا مزامير الشياطين.
وما أقبح البيوت إذا خلت من ذكر الله، فاجتالتها الشياطين، وعششت فيها وفرخت، فصارت قبورا موحشة، وأطلالا خربة، فعميت قلوب ساكنيها، وابتعدت عنها الملائكة.
العلم والعمل
والبيت المسلم قائم على العلم والعمل، فأفراده يعلم بعضهم بعضا، وينصح بعضهم بعضا، فالأب ذو علم وتقى، يوجه الأبناء والبنات، ويحثهم على الآداب الشرعية، من آداب الطهارة، وأحكام الصلاة، وآداب الاستئذان، والحلال والحرام، فتراه موجها لأهل بيته، يعلمهم وينصحهم، حتى يكون البيت قائما على معرفة الحق والعمل به.
الحياء الحياء:
والبيت المسلم قائم على الحياء، فالحياء خير كله، والحياء لا يأتي إلا بخير، فهو بيت ليس فيه ما يخدش الحياء والكرامة، أو يروج الرذيلة والسيئ من الأخلاق.
ومن الحياء أن أسراره محفوظة، وخلافاته مستورة، خصوصا ما كان بين الرجل وامرأته: كما في الحديث [إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضى إلى امرأته وتفضى إليه ثم هو ينشر سرها] رواه مسلم.
التعاون على البر والتقوى:
والبيت المؤمن بيت يتعاون فيه أهله على البر والتقوى، وعلى طاعة الله، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فأي ضعف في المرأة أو قصور في سلوكها، فإن الرجل الصالح يصحح الأوضاع، ويقوي ما أعوج من السلوك، ويبذل جهده لتوجيه المرأة، وإصلاح شأنها وإبعادها عن كل ما يخالف الشرع، وكذلك المرأة المسلمة، فهي متعاونة مع زوجها، عندما ترى نقصا أو خللا فهي ذات نصح وتوجيه، وصبر وتحمل، ونصيحة للزوج وسعيا في إنقاذه من عذاب الله، فهو بيت يقوم على التعاضد والتناصر والتعاون والتناصح، وعلى الخير والتقوى، في صحيح مسلم عن عائشة قالت كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلى من الليل فإذا أوتر قال: [قومي فأوتري يا عائشة]. وفي الحديث أيضا: [رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت فإن أبت نضح في وجهها الماء رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء] (رواه أبود داود وغيره).
إكرام الجار والضيف
ومن سمات البيت المسلم أنه يقوم على احترام الجار وإكرام الضيف، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في البخاري [من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته]. وفيه يقول صلى الله عليه وسلم [والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن . قيل ومن يا رسول الله قال الذى لا يأمن جاره بوائقه].
ومن حقوق الجيران التي يحفظها المسلم: "تنصره إذا استنصرك، وتعينه إذا استعانك، وتقرضه إذا استقرضك،، وتعوده إذا مرض، وتتبع جنازته إذا مات" كل هذا من حقوق الجار".
المحافظة على الفطرة السليمة
والبيت المسلم يحافظ فيه على الفطرة، فالرجل يحافظ على رجولته، والمرأة تحافظ على أنوثتها؛ فيصان الأولاد عن التشبه بالنساء، والبنات عن التشبه بالرجال، فإن تشبه أحد الجنسين بالآخر، من مظاهر التميع والتفرنج – وهو باب شر، ووسيلة لإشاعة الانحلال في المجتمع، وفتح لأبواب الفساد؛ فعن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال (لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال) رواه البخاري.
إن بيوتنا أمانة، وزوجاتنا فيها أمانة، وأبناؤنا وبناتنا فيها أمانة، ونحن مسؤولون عن كل ما يحدث في هذه البيوت أمام الله، وعن كل من ولانا الله أمرهم فيها، وإن الله سائل كل راع عما استرعى: أحفظ أم ضيع؟
اللهم احفظ بيوت المسلمين، واجعلها قائمة على ما تحبه وترضاه.. آمين.