الكفاح المستمر

0 301
  • اسم الكاتب:من كتاب (الحق المر) للشيخ محمد الغزالي، الجزء الأول

  • التصنيف:ثقافة و فكر

سمعته يقول : سأعتزل الناس، وأحيا بعيدا عنهم؛ كي أريح وأستريح!  إن لغط الناس وسعيهم وأملهم ولغوبهم يثير الضجر والمقت!
بل إنه يضع حجابا على بصري وبصيرتي    فلا أكاد أرى وجه ربي! ولا أكاد أشعر بلذة المناجاة والتأمل ..
قلت له : أما أنك ستريح وتستريح فهذا حق   ولكنك ستريح الشيطان وتستريح من مقاومته  وتتركه يؤدي رسالته دون وجل!
وأما لذة المناجاة التي تنشدها فهي لذة الشاعر الذي يصوغ قصيدة رائعة يهيج بها المشاعر ضد الأعداء، أو يثير بها الحنين لاسترجاع المجد المفقود ؛ ثم تبقى عنده قصيدته؛ لأنه لم يجد لها ناشرا .

أخشى يا صاحبي أن يكون فرارك من المجتمع فرارا من الزحف، ونكوصا عن الجهاد!
إن العبادة الحقيقية لله: أن تحرس الفطرة الإنسانية، وأن تشتبك في حرب دائمة مع البيئة التي تريد تشويهها أو تغييرها .
أنت تعرف أن كل مولود يولد على الفطرة؛ أي: على حقائق الإسلام ؛ وأن التقاليد الفاسدة والعقائد الزائفة هي التي تتلقف الأجيال الناشئة وتنحرف بها يمنة ويسرة بعيدا عن الصراط المستقيم .

فكيف تترك المجتمعات يستقر فيها الباطل؟ ويتلاشى منها الحق؟  ويحل الخنا محل الطهر، والكفر مكان الإيمان، والجور بدل العدالة؟!

ما يجوز أبدا الانسحاب من الميدان، فيخلو الجو للشيطان.

قال ماذا نصنع؟.. كلما زرعنا؛ فإما أغار الجراد على الحرث فالتهمه، وإما أغار عليه اللصوص بعد نضجه فانتهبوه!!
وخلال الحديث اقتربنا من سيارة تخرج من محطتها لامعة الإطارات والهيكل..

فقلت لصاحبي ضاحكا: ما أشبه حياتنا بهذه السيارة ،إن وظيفتها الركض الدائم بين القرى والمدن، والتعرض للغبار والأوحال، والاصطدام أحيانا، إنها تعود إلى البيت للتنظيف والاستراحة القليلة أو الطويلة ، ثم تعاود الخروج لاستئناف الركض في دروب الأرض وإلا فقدت وظيفتها.

إن عبارة القرآن الكريم في وصف حياتنا توحي بهذا العناء: {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه}

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة