- اسم الكاتب:الأستاذ/ المرابط ولد محمد لخديم
- التصنيف:أقليات وقضايا
رغم الظروف المتاحة للحملات الصليبية المتعاقبة على العالم الإسلامي، ورغم كل ما بذله ويبذله هؤلاء الغزاة (إلى اليوم) من جهود مضنية للقضاء على اللغة العربية؛ فقد باءوا بالفشل الذريع، وتحطمت كل مساعيهم على صخرتها الصلبة، وبقيت متألقة متجددة؛ لأنها لغة القرآن الكريم الخالد.
ورغم انتشار اللهجات المحلية وتباينها أحيانا، فقد بقيت اللغة العربية هي اللغة النموذجية الوحيدة، التي تفرض نفسها فرضا على كافة اللهجات العربية، والمعين الأقوى؛ الذي أخذت ولا تزال تأخذ عنه هذه اللهجات مفرداتها للتعبير عن المعاني الراقية في شتى مجالات الحياة.
وكما باءت بالفشل كل المحاولات الظاهرة والباطنة داخل العالم العربي وخارجه، للقضاء على العربية بتغيير قواعدها (باسم التبسيط) أو استبدال حروفها (باسم التسهيل) أو إجراء أي تحويل في بنيانها (باسم الإصلاح) أو أي شعار آخر.
ولك أن تسأل كيف تتهم اللغة العربية بالضعف والتخلف؟! وهي اللغة الوحيدة التي استطاعت أن تصمد أمام هذه التحديات السالفة الذكر...
وقد أجابت على تساؤلات المفكرين والفلاسفة في بحثهم عن نظرية لغوية عامة، لا تنفصل فيها الصورة عن المادة تكون قاعدة لكل الفلسفات وترجمتها إلى لغة إنسانية، بعد توفر الشروط التي تؤهلها لهذه المكانة، لأنها اللغة الوحيدة من بين جميع لغات العالم التي مازالت موصلة الرحم بنشأتها الأولى.
غير أن الخطأ ناتج عن كيفية التعامل معها حيث "أن قسما كبيرا من مشاكل اللغة العربية يعود إلى أسباب ذاتية، ونقصد بها ضعف همة أبنائها ، وقصورهم في القيام بواجبهم تجاه لغتهم؛ التي هي لسان دينهم وعنوان هويتهم الثقافية ، ورمز سيادتهم الحضارية، وتفريطهم في مسئوليتهم التاريخية في الحفاظ على تراثهم، وحماية وجودهم المعنوي..
إن محنة العربية لا تتمثل في حشود الألفاظ والمصطلحات الوافدة من عالم الحضارة المعاصرة، إلى عالمها الذي يبدو متخلفا، ليس ذلك فحسب ، بل إن محنتها الحقيقية هي في انهزام أبنائها نفسيا أمام الزحف اللغوي الداهم، واستسلامهم في مجال العلوم للغات الأجنبية، بحيث قد تكونت في العالم العربي جبهة عنيدة تجاهد للإبقاء على العربية بمعزل عن مجال العلوم والتكنولوجيا، فما دامت صفوة المشتغلين بالعلوم تعرف الإنجليزية أو الفرنسية مثلا، فلا بأس أن نعزل العربية "بل ونقتلها في عقر دارها".
وإذا طبقنا القاعدة القائلة: إن اللغة كائن حي، يعتريها ما يعتري أي كائن من عوارض، وتقلبات الزمن ومتغيرات ومستجدات التي تطرأ. فإننا نجد أن حياة اللغة من حياة أبنائها، وهي تقوى أو تضعف حين يقوون أو يضعفون.
ولعل عذر أبناء اللغات الأخرى في تأخر الكشف عن المستجدات اللغوية ومواكبتها للواقع في لغاتهم بعد هذه اللغات عن أصولها الأولى، وتقطع أرحامها.
فعلى سبيل المثال يقول غوستاف لوبون: "ولا أسهب في الكلام عن اللغات بأكثر بما أسهب في النظم، وإنما اقتصر على القول بأن اللغة تتحول بحكم الضرورة عند انتقالها من أمة إلى أخرى. ولو أثبتت كتابة، وهذا ما يجعل الفكر القائل بلغة عامة أمر عقيما، أجل إن اللغويين مع كثرة عددهم قد انتحلوا اللغة اللاتينية في أقل من قرنين بعد الفتح الروماني، غير أن اللغويين لم يلبثوا أن حولوا هذه اللغة على حسب احتياجاتهم، ووفق منطق روحهم الخاص، ومن هذه التحولات خرجت لغتنا الفرنسية الحاضرة في آخر الأمر"
وهذا عكس اللغة العربية التي مازالت موصولة الرحم منذ نشأتها الأولى إلي يومنا هذا في حين انقرضت اوتغيرت جميع اللغات الأخرى. مما يؤهلها أن تكون لغة إنسانية..
وعالمية اللغة العربية مستمدة من عالمية الإسلام وقدسيتها مستمدة من قدسية كتاب الله ولا أدل على ذلك من الشعوب الإسلامية التي تبنت العربية بعد إسلامها وأتقنت هذه اللغة وأنجبت أمراء البيان فيها.. وقد كانت من قبل شعوبا مختلفة اللسان من بابلية، وفينيقية، وقبطية ،وسواحيلية، وأمازيغية ..
مما سبق يتضح لنا أن كل دساتير الأرض حاضرا ومستقبلا قابلة للتغيير والزوال، وكل الأنظمة السياسية يمكن أن تتبدل رأسا على عقب، ولكن مالا يمكن أن يتغير أبدا هو كلام الله ودستور السماء وطالما أن كلام الله أبدي فالعربية أبدية ملازمة له حيث ما سطع نوره على البلاد التي دخلها.
فهل يرجع الأبناء إلى لغتهم العربية حتى يسايروا الركب أم أنهم سيبقون على حالتهم متطفلين على اللغات الأخرى الميتة؟!
______________
بــــ"تصرف في المقال"