(اللطيف) مِنْ أسماء الله الحُسْنَى

0 228

 أسماء الله تعالى ـ كما هو مقرر عند أهل السنة ـ توقيفية، لا مجال للعقل والاجتهاد فيها، يجب الوقوف فيها على ما جاء به القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة، فلا يزاد فيها ولا ينقص. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة) رواه البخاري.
قال النووي: "واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى، فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها، لا الإخبار بحصر الأسماء، ولهذا جاء في الحديث الآخر: (أسألك بكل اسم سميت به نفسك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك". وقال الشيخ ابن عثيمين: "أسماء الله تعالى توقيفية، لا مجال للعقل فيها، وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة، فلا يزاد فيها ولا ينقص، لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء، فوجب الوقوف في ذلك على النص، لقوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا}(الإسراء:36).. ولأن تسميته تعالى بما لم يسم به نفسه، أو إنكار ما سمى به نفسه، جناية في حقه تعالى، فوجب سلوك الأدب في ذلك والاقتصار على ما جاء به النص".

و(اللطيف): اسم من أسماء الله تعالى، فإنه سبحانه البر الرحيم، اللطيف الخبير، الذي عم بلطفه الخلق أجمعين، وخص به عباده المؤمنين، فما من مخلوق إلا وناله من لطف الله تعالى ما يصلحه وما تصلح به حياته، ولولا لطف اللطيف الخبير لامتلأت القلوب وحشة وخوفا وقلقا، ولما طابت بالحياة عيشا. قال ابن منظور في "لسان العرب": "اللطف واللطف: البر والتكرمة.. اللطيف: صفة من صفات الله، واسم من أسمائه، ومعناه والله أعلم: الرفيق بعباده".

وقد ذكر اسم الله "اللطيف" في القرآن الكريم سبع مرات:
1 ـ قال الله تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}(الأنعام:103)، قال البغوي في تفسيره: "{وهو اللطيف الخبير} قال ابن عباس رضي الله عنهما: اللطيف بأوليائه الخبير بهم، وقال الأزهري: معنى {اللطيف} الرفيق بعباده، وقيل: اللطيف الموصل الشيء باللين والرفق، وقيل: اللطيف الذي ينسي العباد ذنوبهم لئلا يخجلوا، وأصل اللطف دقة النظر في الأشياء".
2 ـ وقال تعالى: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}(الملك:14)، قال السعدي: "{وهو اللطيف الخبير} الذي لطف علمه وخبره، حتى أدرك السرائر والضمائر، والخبايا والخفايا والغيوب، وهو الذي {يعلم السر وأخفى}(طه:7). ومن معاني اللطيف، أنه الذي يلطف بعبده ووليه، فيسوق إليه البر والإحسان من حيث لا يشعر، ويعصمه من الشر من حيث لا يحتسب، ويرقيه إلى أعلى المراتب، بأسباب لا تكون من العبد على بال، حتى إنه يذيقه المكاره، ليتوصل بها إلى المحاب الجليلة، والمقامات النبيلة".
3 ـ وقال عز وجل: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير}(الحج:63).
4 ـ وقال سبحانه: {يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير}(لقمان:16). قال ابن كثير: "{إن الله لطيف خبير} أي: لطيف العلم، فلا تخفى عليه الأشياء وإن دقت ولطفت وتضاءلت {خبير} بدبيب النمل في الليل البهيم". وقال السعدي: "{إن الله لطيف خبير} أي: لطف في علمه وخبرته، حتى اطلع على البواطن والأسرار، وخفايا القفار والبحار".
5 ـ وقال تعالى: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا}(الأحزاب:34). قال السعدي: "يدرك سرائر الأمور، وخفايا الصدور، وخبايا السماوات والأرض.. فلطفه وخبرته، يقتضي حثهن على الإخلاص وإسرار الأعمال، ومجازاة الله على تلك الأعمال". وقال ابن عاشور: "لأن اللطف يقتضي إسداء النفع بكيفية لا تشق على المسدى إليه".
6 ـ وقال سبحانه: {الله لطيف بعباده يرزق من يشاء}(الشورى:19). قال ابن كثير: "يقول تعالى مخبرا عن لطفه بخلقه في رزقه إياهم عن آخرهم، لا ينسى أحدا منهم، سواء في رزقه البر والفاجر".
7 ـ وقال تعالى: {إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم}(يوسف:100). قال ابن كثير: "أي: إذا أراد أمرا قيض له أسبابا ويسره وقدره، {إنه هو العليم} بمصالح عباده {الحكيم} في أفعاله وأقواله، وقضائه وقدره، وما يختاره ويريده". وقال الشوكاني في "فتح القدير"{إن ربي لطيف لما يشاء} إن الله لطيف لا تخفى عليه خافية، بل يصل علمه إلى كل خفي".

والدليل من السنة على اسم الله "اللطيف": الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: (لتخبرينى، أو ليخبرنى اللطيف الخبير).
قال الخطابي: "اللطيف هو البر بعباده، الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون، ويسبب لهم من مصالحهم من حيث لا يحتسبون". وقال الطيبي في"الكاشف عن حقائق السنن": "وقيل: معناه العليم بخفيات الأمور ودقائقها، وما لطف منها". قال الشيخ أبو القاسم: (اللطيف) العليم بدقائق الأمور ومشكلاتها، وهذا في وصفه واجب، واللطيف المحسن الموصل للمنافع برفق، وهذا في نعته مستحق، وهو من صفات فعله. وقوله تعالي: {الله لطيف بعباده يرزق من يشاء}(الشورى:19) يحتمل المعنيين جميعا، أن يكون عالما بهم وبمواضع حوائجهم، يرزق من يشاء ما يشاء كما يشاء، ولطيف بهم يحسن إليهم ويتفضل عليهم، ويرفق بهم".
وقال الزجاج في "تفسير الأسماء الحسنى": "اللطيف": المحسن إلى عباده في خفاء وستر، من حيث لا يعلمون". وقال البيضاوي في "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة": "(اللطيف) قيل: معناه: العليم بخفيات الأمور ودقائقها، وما لطف منها".
وقال المناوي في "التيسير بشرح الجامع الصغير": "(اللطيف) الخفي عن الإدراك أو العالم بالخفيات (الخبير) العليم بدقائق الأمور".

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي: "ومن أسمائه الحسنى "اللطيف": الذي لطف علمه حتى أدرك الخفايا، والخبايا، وما احتوت عليه الصدور، وما في الأراضي من خفايا البذور، ولطف بأوليائه وأصفيائه، فيسرهم لليسرى وجنبهم العسرى، وسهل لهم كل طريق يوصل إلى مرضاته وكرامته، وحفظهم من كل سبب ووسيلة توصل إلى سخطه، من طرق يشعرون بها، ومن طرق لا يشعرون بها، وقدر عليهم أمورا يكرهونها لينيلهم ما يحبون، فلطف بهم في أنفسهم فأجراهم على عوائده الجميلة، وصنائعه الكريمة، ولطف لهم في أمور خارجة عنهم لهم فيها كل خير وصلاح ونجاح، فاللطيف متقارب لمعاني الخبير، الرؤوف، الكريم".
وقال ابن القيم في نونيته:
وهو اللطيف بعبده ولعبده      واللطف في أوصافه نوعان
إدراك أسرار الأمور بخبرة    واللطف عند مواقع الإحسان
فيريك عزته ويبدي لطفه       والعبد في الغفلات عن ذا الشان

الله لطيف بعباده، يريد لهم الخير واليسر، ويقيض لهم أسباب الصلاح والبر، ومن لطفه بعباده أنه يسوق إليهم أرزاقهم، وما يحتاجونه في حياتهم، قال الله تعالى: {الله لطيف بعباده}(الشورى:19). ولطف الله تعالى عام وخاص، فالعام يشمل جميع خلقه، مؤمنهم وكافرهم، برهم وفاجرهم، فهو سبحانه خلقهم ويرزقهم، ويشفيهم ويعافيهم، ويدفع عنهم لأنه سبحانه ربهم فهو لطيف بهم. ولطف خاص بأهل الإيمان يحيطهم به، ولا يقدر لهم إلا ما هو خير لهم ولو كرهوه، لأنه عليم بما يصلحهم، خبير بما ينفعهم. فإذا أصابهم بما يحبون لطف بهم فرزقهم الشكر عليه ليتضاعف أجرهم، ويبارك لهم فيما رزقهم. وإن أصابهم بما يكرهون لطف بهم فأنزل عليهم الصبر والرضا ليوفوا أجرهم بغير حساب..

ونهج السلف في أسماء الله تعالى هو التعرف على الخالق سبحانه، والتقرب إليه ودعاؤه بها، والتضرع إليه بمعانيها، قال الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}(الأعراف:180). قال السعدي: "{فادعوه بها} وهذا شامل لدعاء العبادة، ودعاء المسألة، فيدعى في كل مطلوب بما يناسب ذلك المطلوب، فيقول الداعي مثلا: اللهم اغفر لي وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم، وتب علي يا تواب، وارزقني يا رزاق، والطف بي يا لطيف، ونحو ذلك".

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة