العَظَمَةُ صِفة مِنْ صفاتِ اللهِ عزَّ وجل

0 659

الله عز وجل ليس كمثله شيء، فهو سبحانه الكامل في أسمائه الحسنى وصفاته العلى، اللتي دلت النصوص والعقول على أنه لا نظير له سبحانه وتعالى، فلا مثيل له في ربوبيته وإلهيته، ولا مثيل له في أسمائه وصفاته، قال الله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}(الشورى:11). قال القرطبي: "والذي يعتقد في هذا الباب أن الله جل اسمه في عظمته وكبريائه وملكوته وحسنى أسمائه وعلي صفاته، لا يشبه شيئا من مخلوقاته ولا يشبه به {ليس كمثله شيء}". وقال السعدي: "{ليس كمثله شيء} أي: ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته، لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لأن أسماءه كلها حسنى، وصفاته صفات كمال وعظمة، وأفعاله تعالى أوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك، فليس كمثله شيء، لانفراده وتوحده بالكمال من كل وجه.. وهذه الآية ونحوها، دليل لمذهب أهل السنة والجماعة، من إثبات الصفات، ونفي مماثلة المخلوقات. وفيها رد على المشبهة في قوله: {ليس كمثله شيء} وعلى المعطلة في قوله: {وهو السميع البصير}".
قال ابن عبد البر: "أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها". وقال ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية": "ولهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله عز وجل بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. يثبتون له الأسماء والصفات".

و"العظيم" اسم من أسماء الله تعالى الحسنى، و"العظمة" صفة من صفاته سبحانه، ولا ريب أنها صفة مدح وكمال. وصفة العظمة لله تعالى تعني العظمة في كل شيء، بما يليق به سبحانه، فهو عظيم في ربوبيته، عظيم في ألوهيته، عظيم في أفعاله، عظيم في قدرته، ولا يوجد وصف للعظمة مما يليق بجلاله سبحانه إلا وهو متصف به. فالله تعالى عظيم في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله كلها، فلا يجوز قصر عظمته في شيء دون شيء منها.
قال الأزهري في "تهذيب اللغة": "وعظمة الله لا تكيف ولا تحد ولا تمثل بشيء، ويجب على العباد أن يعلموا أنه عظيم كما وصف نفسه، وفوق ذلك، بلا كيفية ولا تحديد".
وقال ابن القيم في قصيدته "النونية":
وهو العظيم بكل معنى يوجب التعظيم   عظيم لا يحصيه من إنسان
قال الشيح هراس في شرحه "للنونية": "وأوصاف الجلال الثابتة له سبحانه، مثل العزة والقهر والكبرياء والعظمة والسعة والمجد، كلها ثابتة له على التحقيق، لا يفوته منها شيء".
وقال الأصبهاني في "الحجة في بيان المحجة": "ومن أسمائه تعالى "العظيم"، والعظمة صفة من صفات الله، لا يقوم لها خلق، والله تعالى خلق بين الخلق عظمة يعظم بها بعضهم بعضا، فمن الناس من يعظم لمال، ومنهم من يعظم لفضل، ومنهم من يعظم لعلم، ومنهم من يعظم لسلطان، ومنهم من يعظم لجاه، وكل واحد من الخلق إنما يعظم لمعنى دون معنى، والله عز وجل يعظم في الأحوال كلها، فينبغي لمن عرف حق عظمة الله أن لا يتكلم بكلمة يكرهها الله، ولا يرتكب معصية لا يرضاها الله، إذ هو القائم على كل نفس بما كسبت".

وصفة "العظمة" من صفات الله عز وجل الثابتة بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة الكثيرة، ومن ذلك:
1 ـ قال الله تعالى: {وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم}(البقرة:255). قال السعدي: "{العظيم} الذي تتضاءل عند عظمته جبروت الجبابرة، وتصغر في جانب جلاله أنوف الملوك القاهرة، فسبحان من له العظمة العظيمة والقهر والغلبة لكل شيء، فقد اشتملت هذه الآية على توحيد الإلهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وعلى إحاطة ملكه وإحاطة علمه وسعة سلطانه وجلاله ومجده، وعظمته وكبريائه وعلوه على جميع مخلوقاته، فهذه الآية بمفردها عقيدة في أسماء الله وصفاته، متضمنة لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلا". وقال الشيخ ابن باز: "قوله تعالى: {وسع كرسيه السماوات والأرض} فيه الدلالة على عظمة الكرسي وسعته، كما يدل ذلك على عظمة خالقه سبحانه وكمال قدرته".
2 ـ وقال الله عز وجل: {أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون * لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون * إنا لمغرمون * بل نحن محرومون * أفرأيتم الماء الذي تشربون * أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون * لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون * أفرأيتم النار التي تورون * أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون * نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين * فسبح باسم ربك العظيم}(الواقعة:74:63). قال ابن كثير: " وقوله: {فسبح باسم ربك العظيم} أي: الذي بقدرته خلق هذه الأشياء المختلفة المتضادة الماء العذب الزلال البارد، ولو شاء لجعله ملحا أجاجا كالبحار المغرقة. وخلق النار المحرقة، وجعل ذلك مصلحة للعباد، وجعل هذه منفعة لهم في معاش دنياهم، وزاجرا لهم في المعاد". وقال السعدي: "{فسبح باسم ربك العظيم} أي: نزه ربك العظيم، كامل الأسماء والصفات، كثير الإحسان والخيرات، واحمده بقلبك ولسانك، وجوارحك، لأنه أهل لذلك، وهو المستحق لأن يشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى، ويطاع فلا يعصى".
3 ـ وقال الله سبحانه: {إنه كان لا يؤمن بالله العظيم}(الحاقة:33). قال السعدي: "أي: نزهه عما لا يليق بجلاله، وقدسه بذكر أوصاف جلاله وجماله وكماله".
4 ـ حديث الشفاعة الطويل الذي رواه البخاري في صحيحه، وفيه يقول الله تعالى: (وعزتي وجلالي، وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله).. وقوله صلى الله عليه وسلم: (وعظمتي) هو الشاهد.
5 ـ وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض، ورب العرش العظيم) رواه البخاري. قال الصنعاني: "جمع فيه أنواع الكلمات من التوحيد، وإثبات صفة العلو والعظمة له بالنظر إلى ذاته وصفاته، وإثبات صفة الحلم والكرم بالنظر إلى عباده، وتنزيهه عن كل قبيح، وإثبات ربوبيته للسماوات والعرش المتصف بالعظمة، قد اشتمل على إثبات صفاته الحسنى وكمالاته العلى". وقال ابن حجر: "قال العلماء الحليم الذي يؤخر العقوبة مع القدرة، والعظيم الذي لا شيء يعظم عليه".

من تأمل خلق الله وملكوته، وسعة سلطانه وجبروته، وقهره لجميع خلقه أدرك عظمته سبحانه. ومما يستدل به على عظمة الله عز وجل: النظر والتدبر في عظيم خلقه سبحانه، والآيات في ذلك أكثر من أن تحصى، قال الله تعالى: {ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا * وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا * والله أنبتكم من الأرض نباتا * ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا * والله جعل لكم الأرض بساطا * لتسلكوا منها سبلا فجاجا}(نوح:20:15). قال السعدي: "فيه تنبيه على عظم خلق هذه الأشياء، وكثرة المنافع في الشمس والقمر الدالة على رحمته وسعة إحسانه، فالعظيم الرحيم، يستحق أن يعظم ويحب ويعبد، ويخاف ويرجى".
والعباد مأمورون بتعظيم الله عز وجل، قال الله تعالى: {ما لكم لا ترجون لله وقارا}(نوح:13). قال ابن كثير: "أي: عظمة، قال ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وقال ابن عباس: لا تعظمون الله حق عظمته، أي: لا تخافون من بأسه ونقمته". وقال البغوي: "قال ابن عباس ومجاهد: لا ترون لله عظمة. وقال سعيد بن جبير: ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته. وقال الكلبي: لا تخافون لله عظمة.. والوقار: العظمة، اسم من التوقير وهو التعظيم. قال الحسن: لا تعرفون لله حقا ولا تشكرون له نعمة". وقال السعدي: "أي: لا تخافون لله عظمة، وليس لله عندكم قدر". ومهما عمل الخلق من تعظيم لله تعالى، فإنهم عاجزون عن تعظيمه كما ينبغي له أن يعظم، فحقه عز وجل أعظم، وقدره أكبر، ولكن المؤمنين يسعون في ذلك جهدهم، ويبذلون وسعهم، والعظيم سبحانه لا يضيع عملهم، ويجزيهم على قليل سعيهم أعظم الجزاء وأجزل المثوبة، فهو العظيم الكريم، قال الله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون}(الزمر:67). قال البغوي: "قوله عز وجل: {وما قدروا الله حق قدره} ما عظموه حق عظمته حين أشركوا به غيره، ثم أخبر عن عظمته فقال: {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون}". وقال الطبري: "عن ابن عباس قوله: {وما قدروا الله حق قدره} قال: هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله عليهم، فمن آمن أن الله على كل شيء قدير، فقد قدر الله حق قدره، ومن لم يؤمن بذلك، فلم يقدر الله حق قدره.. عن السدي {وما قدروا الله حق قدره}: ما عظموا الله حق عظمته".

الله عز وجل هو العظيم، ومن صفاته العظمة، فهو عظيم في ربوبيته، عظيم في ألوهيته، عظيم في أسمائه وصفاته، عظيم في تدبيره شؤون خلقه، عظيم في ملكه وخلقه، عظيم في حكمه وحكمته، عظيم في عفوه ورحمته، عظيم في افتقار خلقه إليه وغناه سبحانه عنهم.. والإيمان بعظمة الله تعالى له ثمار يجنيها المؤمن، وله آثار تدل على أن العبد معظم لله تعالى، ومن ذلك: امتثال أوامره، واجتنب نواهيه، وتعظيم شعائره، والوقوف عند حدوده، قال الله تعالى: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}(الحج:32). قال ابن كثير: "{ومن يعظم شعائر الله} أي: أوامره". وقال السعدي: "فتعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب، فالمعظم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه، لأن تعظيمها تابع لتعظيم الله وإجلاله".

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة