- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:التفسير و المفسرون
قبل عرض منهج الشيخ السعدي في تفسيره لا بد من تعريف موجز بالشيخ ونشأته: فهو عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ولد في القصيم في بلدة عنيزة عام: (1307 هـ)، نشأ يتيم الأبوين وتربى في أحضان زوجة أبيه، فحفظ القرآن صغيرا، وأقبل على تعلم علوم الشريعة على علماء بلده، وكان من أبرزهم: الشيخ إبراهيم الجاسر، ومحمد الشبل وغيرهم كثير، قرأ عليهم الفقه وأصوله، والعقيدة والتفسير، واللغة وعلومها، وغيرها من العلوم حتى برع فيها، ومن ثم صار إليه التعليم في بلده.
للشيخ السعدي العديد من المؤلفات في الفقه والأصول وغيرهما، وكان من مؤلفاته في التفسير تفسيره الذي سماه: (تيسر الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) تكلم في مقدمة تفسيره عن المقصد الذي ينبغي للمفسر أن يسعى إليه، وهو توضيح المعنى الذي وسيلته اللفظ، لأن القرآن إنما جاء لهداية الخلق، وقال ينبغي على المفسر لتحقيق ذلك أن "ينظر في سياق الكلام، وما سيق لأجله، ويقابل بينه وبين نظيره في موضع آخر"، ولذا جاء تفسير السعدي منصبا على بيان المعنى أولا، مما يجعل تفسيره أقرب للتفسير بالدراية منه إلى التفسير بالمأثور أو غيره، وقد سلك السعدي لبيان معنى الآيات وإيضاحها جملة من المسالك بيان أهمها على النحو الآتي:
مسلك التفسير بالمأثور: لا يعني استشهاد السعدي في تفسيره ببعض الآيات والأحاديث أن يصنف تفسيره تفسيرا بالمأثور، أو أنه كان يهدف لتقديم تفسير بالمأثور، وإنما كان يهدف من وراء ذكر ذلك تحقيق مقصده الأسمى من تفسيره، وهو الكشف عن معاني الآية التي يفسرها، ولـما كان من وسائل ذلك الاستشهاد بالآيات والأحاديث أتى بها، ومن ذلك استشهاده لتفسير قوله تعالى: { واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون} [البقرة: 48] بقوله تعالى: {ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة } [الزمر: 47] وغيرها من الآيات التي استشهد لتفسيرها بآيات أخرى.
ومن ذلك أيضا: أنه -رحمه الله- عند تفسيره آيات صلح الحديبية في سورة الفتح ساق قصة الحديبية بطولها كما ساقها الإمام ابن القيم في زا د المعاد، قال السعدي مبينا سبب إيراده : "فإن فيها إعانة على فهم هذه السورة، وتكلم - أي ابن القيم- على معانيها وأسرارها"، إلى غيرها من الآيات التي استدل لتفسيرها ببعض الأحاديث.
مسلك الاستشهاد بأقوال الصحابة والتابعين: كان من منهج السعدي أن يعمد إذا ما أحوجه المقام إلى ذكر بعض أقوال الصحابة أو التابعين في تفسير وإيضاح معاني بعض الآيات، فمن ذلك أنه عند ذكره ميراث الجد استشهد لذلك بقول أبي بكر رضي الله عنه بأن الجد يحجب الإخوة الأشقاء، أو لأب، أو لأم كما يحجبهم الأب، والاستشهاد بمثل هذه الأقوال للصحابة قليل في تفسير السعدي.
وأما استشهاده بأقوال التابعين فإنه كان إذا ما نقل أقوالهم يعبر عنه غالبا بقول: قال السلف، أو كما فسره السلف، ونحو ذلك، مع أنه ربما نقل عن بعضهم النص بلفظه، فمن ذلك تفسيره للحياة الضنك في قوله تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا} [طه: 124] قال: "وفسرت المعيشة الضنك بعذاب القبر، وأنه يضيق عليه قبره، ويحصر فيه ويعذب"، وذلك نص تفسير سفيان ابن عيينة عن أبي سعيد للآية كما نقله عنه ابن كثير في تفسيره، ونحو ذلك مما ذكره السعدي.
مسلك ذكر أسباب النزول: كان السعدي يعمد أحيانا إلى ذكر سبب نزول الآية إما مختصرا، أو بشيء من التفصيل يستعين به على تحقيق مقصده من التفسير، وهو بيان معنى الآية التي يفسرها، فمن ذلك: أنه عند تفسيره قوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} [البقرة: 186]؛ ذكر الحديث الذي ورد في سبب نزلها، وهو أن بعض الصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم: أقريب ربنا فنناديه، أم بعيد فنناجيه؛ فنزلت هذه الآية. ومن ذلك أن السعدي عند تفسيره قوله تعالى: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله} [البقرة: 207] ذكر سبب نزول هذه الآية، وأنها نزلت في صهيب الرومي لـما أراده المشركون على ترك الإسلام؛ فأعطاهم ماله ومضى مهاجرا فنزلت فيه هذه الآية.
تأثره بترجيحات ابن تيمية: كان من منهج الشيخ السعدي في تفسيره أن يسلك مذهب ابن تيمية فيما اختلف في تفسيره، وإن كان في ذلك مخالفة لجمهور المفسرين، فمن ذلك عدم قوله بالنسخ في تفسير قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج} [البقرة: 240] حيث ذهب جمهور المفسرين إلى أن هذه الآية منسوخة بآية: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} [البقرة: 234]، بل لقد فسرها السعدي بما ذهب إليه ابن تيمية من أن الآيتين محكمتان، وأن الأربعة أشهر وعشرا على وجه الإلزام للمرأة، والحول على وجه الخيار حسب وصية زوجها. وقد سلك السعدي هذا المسلك كثيرا في تفسيره وإن لم ينص على ذكر ابن تيمية.
مسلك الإعراض عن الإسرائيليات: رأى السعدي أن التعريج على ذكر الإسرائيليات عند تفسير الآيات مما يتعارض ومقصوده من تفسيره، وهو بيان معاني الآيات وإيضاحها، فكان من منهجه الحذر والإعراض عن ذكر الإسرائيليات؛ إلا إن عضدها نقل صحيح، ورأى أن قوله صلى الله عليه وسلم: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج رواه البخاري، مبيح للنقل عنهم، ولكن لا يلزم منه الاستشهاد بها في تفسير الآيات، بل لقد قال في ذلك: "والذي أرى أنه وإن جاز نقل أحاديثهم على وجه تكون مفردة غير مقرونة، ولا منزلة على كتاب الله، فإنه لا يجوز جعلها تفسيرا لكتاب الله قطعا إذا لم تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ولذا نراه يعرض عن تفسير بعض الآيات التي لم يأت تفسيرها إلا في الإسرائيليات مثال ذلك أنه عند تفسيره قوله تعالى في ذي القرنين: {وآتيناه من كل شيء سببا (84) فأتبع سببا (85)} [الكهف: 84، 85] قال: "وهذه الأسباب التي أعطاه الله إياها، لم يخبرنا الله ولا رسوله بها، ولم تتناقلها الأخبار على وجه يفيد العلم، فلهذا لا يسعنا غير السكوت عنها، وعدم الالتفات لما يذكره النقلة للإسرائيليات ونحوها".
قام منهج السعدي في تفسيره على جملة هذه المسالك وغيرها، فجاء تفسيره سهل العبارة، واضح المعاني، وحقق بذلك مقصده الرئيس من تفسيره كما سبق ذكره.