منهج الشيخ السعدي في التفسير (2)

0 155

من المسالك التي سار عليها الشيخ السعدي لبيان مقصده الأسمى من تفسيره القرآن وهو توضيح معاني الآيات ما يأتي:

مسلك التعقيب على القصص القرآنية: من منهج الشيخ السعدي في تفسيره أن يقف بعد تفسيره القصص القرآنية بالتعقيب عليها، وذلك بذكر أهم الفوائد والعبر التي تستخلص منها، أو باستنباط بعض القواعد والأحكام الفقهية منها بما يخدم مقصده الرئيس من تفسيره، مثال ذلك تعقيبه على سورة يوسف عليه السلام، فقد ذكر جملة كبيرة من الفوائد المستخلصة من قصته عليه السلام، ومن ذلك: أن في السورة أصلا لتعبير الرؤيا لما فيها من المناسبات والمشابهات بين الأسماء والصفات التي هي أساس التعبير، وأن العبرة في حال العبد بكمال النهاية، لا بنقص البداية وذلك كحال إخوة يوسف، كان في بدايتهم من النقص واللؤم ما كان، ثم كانت نهايتهم التوبة النصوح، وصاروا أنبياء أو علماء هداة.
 
واستنبط السعدي من قصة موسى والخضر قاعدتين مهمتين هما:
 
الأولى: ارتكاب أخف الضررين، وقد سماها الشيخ: "يدفع الشر الكبير بارتكاب الشر الصغير"، وذلك أن قتل الغلام شر، ولكن بقاءه ليفتن أبويه عن دينهما أعظم شرا، وبقاء الدين مقدم على بقاء النفس ولذا قتله الخضر، ثم قال السعدي: "وتحت هذه القاعدة من الفروع والفوائد ما لا يدخل تحت الحصر، فتزاحم المصالح والمفاسد كلها داخل في هذا".
 
والثانية: جواز التصرف في مال الغير بدون إذنهم إن كان فيه مصلحتهم، ذلك أن الخضر قد خرق سفينة المساكين دون إذنهم لأن فيه مصلحتهم، قال السعدي معقبا على هذه القاعدة: "فعلى هذا لو وقع حرق، أو غرق، أو نحوهما في دار إنسان أو ماله، وكان إتلاف بعض المال، أو هدم بعض الدار فيه سلامة للباقي؛ جاز للإنسان بل شرع له ذلك حفظا لمال الغير، وكذلك لو أراد ظالم أخذ مال الغير، ودفع إليه إنسان بعض المال افتداء للباقي جاز، ولو من غير إذن".
 
مسلك تقرير عقيدة السلف: كان من منهج الشيخ السعدي في شرحه آيات الأسماء والصفات ونحوها أن يقرر عقيدة السلف فيها، ويرد على المخالفين لهم من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم، وذلك في مواضع عديدة من تفسيره، ومن ذلك: أنه عند تفسير قوله تعالى: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور} [البقرة: 210] قال: "وهذه الآية وما أشبهها دليل لمذهب أهل السنة والجماعة المثبتين للصفات الاختيارية، كالاستواء والنزول والمجيء، ونحو ذلك من الصفات التي أخبر بها تعالى عن نفسه، أو أخبر بها عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، فيثبتونها على وجه يليق بجلال الله وعظمته، من غير تشبيه ولا تحريف خلافا للمعطلة على اختلاف أنواعهم، من الجهمية والمعتزلة والأشعرية ونحوهم ممن ينفي هذه الصفات، ويتأول لأجلها الآيات بتأويلات ما أنزل الله عليها من سلطان".
 
وقال في تفسير قوله تعالى: {فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم} [البقرة: 115] قال فيه: "إثبات الوجه لله تعالى على الوجه اللائق به تعالى، وأن لله وجها لا تشبهه الوجوه"، وقال في تفسير قوله تعالى: {وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا} [مريم: 52] قال: "وفي هذه إثبات الكلام لله تعالى وأنواعه من النداء والنجاء، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافا لمن أنكر ذلك من الجهمية والمعتزلة، ومن نحا نحوهم"، وهكذا نجد السعدي في مثل هذه الآيات، لا يكاد يمر على آية منها إلا ويقرر عقيدة السلف فيها، وربما رد على المخالفين لهم فيها أيضا.
 
مسلك التوسع في ذكر الأحكام الفقهية: مما ميز تفسير السعدي على اختصاره توسعه في ذكر الأحكام الفقهية التي دلت عليها الآيات، سواء المتعلقة بالعبادات أم بغيرها من المعاملات أو الأحوال الشخصية كالطلاق، وكان من أكثر الآيات التي توسع في ذكر أحكامها آيات المواريث، فقد ذكر كثيرا من أحكام الميراث عند تفسير تلك الآيات، وذكر ما لم تنص عليه الآيات من الأحكام أيضا، فمن ذلك ذكره لميراث الجد والجدة والخنثى، بل لقد ذكر مسألة العول أيضا، وبين كيف يستفاد حكمها من القرآن، إلى غير ذلك من الأحكام التي رأى الشيخ أن التوسع في ذكرها يعين على بيان معاني الآيات وأحكامها.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة