كيف يرقى الأدب العربي الحديث

0 355

الأدب الحديث العربي: لا يكفي لغذاء الجيل الجديد؛ لأنه لم يملأ حياتنا، وإن شئت فاستعرض كل شئون الحياة تجده لم يحقق رسالته؛ فإن أحببت أن تضع في يد أطفالك في سنيهم المختلفة كتبا في القصص أو في الثقافة العامة لم تجد إلا القليل الذي لا يكفي، على حين تدخل المكتبة الأوربية فيملؤك العجب والإعجاب من وفرة الكتب للأطفال على اختلاف أنواعها، ومما حليت به من الصور الجذابة، والأسلوب المشوق البديع؛ فالأوربي يحار فيما يختار لأطفاله لوفرته، ونحن نحار فيما نعطي لندرته.
وإن توجهت وجهة الأناشيد والأغاني رأيت فقرنا في هذا أبين من فقرنا في سابقه؛ وهي بين عامية مبتذلة سخيفة لا تمثل حياتنا ولا تساير نهضتنا.
وبين عربية قليلة ضعيفة فاترة.
وإن التفت إلى الكتب التي تغذي الشعب والجمهور رجعت بالخيبة، وحتى كتب المتعلمين إنما تكثر إذا كانت مقررة في المدارس ليؤدي الطلبة منها امتحاناتهم، أما ما عدا ذلك فقليل ضعيف.

إنما نبتهج بالأدب الحديث يوم نرى الطفل يجد فيه غذاء صالحا متنوعا، ورجل الشارع يجد فيه ما يناسبه، وتلميذ المدرسة وخريج المدرسة يجدان الأدب وافرا حسب استعداهما، ومن يريد أن ينشد نشيدا أو يغني أغنية يجد مجال الأدب أمامه فسيحا، ومن يجد الأدب في الجد والأدب في الهزل، ويجده في دروب الفن أدبا وإمتاعا، ويجده في كل شيء وفي كل ظرف وفي كل أسلوب.
وإذن فما أبعدنا عن نيل هذا المثل!
والواقع أن أدب كل أمة يجب أن يساير نهضتها، وأدبنا الآن لا يمثلنا، وهو وراء نهضتنا، ويجب أن يكون أمامها، وهو كالثوب القصير للرجل الطويل، أو كالثوب المرقع للرجل الغني، أو كالثوب البدوي للمرأة المتحضرة.

وأهم علاج لهذا النقص عناية العالم العربي بتكوين طائفة من الأدباء تكوينا عربيا أصيلا وانفتاحهم على الثقافات المعاصرة، وإمدادهم إلى أقصى حد بالأدبين معا ليتولوا الإنتاج بعد.
فالأدب العربي فيه الأسلوب وفيه ثروة دفينة قيمة، ولكنها حبات من اللآلئ وسط أكوام من التبن، وحتى هذه اللآلئ لا يحبها الجمهور ولا يعرف قيمتها إلا إذا جليت وعرضت عرضا جديدا.
وآداب الثقافات المعاصرة الأخرى مملوءة بالجواهر القيمة وبالموضوعات المفيدة، ولكنه نتاج مدنية غير مدنيتنا، ويمثل أنواعا من الحياة غير حياتنا.
إن شئت فانظر إلى أكثر الروايات المترجمة تجد أسماء لا توافق ذوقنا، وتجد وقائع في البيوت لا يحدث مثلها في بيوتنا، وتجد أنواعا من الحوار لا يمكن أن تقع بيننا، وهكذا الشأن في كل أنواع الأدب من نثر وشعر؛ وشأن الأدب الغربي شأن كل الآداب، هي نتيجة أذواق الأمم وبيئتهم،وعقائدهم...

هذه الطائفة التي أدعو إليها تستطيع أن تخدم الأدب العربي، لا من ناحية الترجمة، فالترجمة في الأدب وسيلة لا غاية، والترجمة في الأدب أصعب شأنا وأقل تذوقا من الترجمة في العلم؛ لأن العلم يخدم العقل، والعقل قدر مشترك بين الناس جميعا، أما الأدب فليس قدرا مشتركا، وأدب كل أمة غير أدب الأخرى؛ لأنه يرجع إلى الذوق والعاطفة وهما مختلفان في الأمم؛ ولأن الأدب ظل الحياة فإذا اختلفت الحياة اختلف ظلها لا محالة.
ومن أجل هذا عني العرب في أيام نهضتهم الأولى بترجمة العلوم، ولم يعنوا بترجمة الأدب، وترجموا بعض الشيء من أدب الفرس؛ لأنه كان قريبا لذوقهم، ولم يترجموا الأدب اليوناني والروماني؛ لأنه كان بعيدا عن ذوقهم.

فترجمة الأدب الغربي إلى الأدب العربي يجب أن تعد وسيلة لا غاية، إنما الغاية أن ننتج أدبا لنا أدبا يمثلنا، أدبا يعبر عن عواطفنا.
فدراسة الأدب الغربي تعين أكبر إعانة من ناحيتين: من ناحية أن دارسها يستطيع أن يتعلم منها كيف أدى الأدب الغربي عمله، وكيف استطاع أن يملأ فراغ أمته، وكيف نجح الأديب الغربي في أن يغذي شعبه، وكيف تفرعت أنواع الأدب فروعا مختلفة أدى كل فرع منها وظيفته؛ ومن ناحية أخرى هناك نوع من الأدب هو قدر مشترك بين الأمم كلها لا خلاف بينهم إلا في أدائه، كالحكم والأمثال، وكالقصص التي تمثل أخلاق الناس، وكشعر الطبيعة ونحو ذلك؛ فهذا النوع صالح كل الصلاحية لأن ينقل إلى الأدب العربي، ولا يحتاج في تذوقه من القارئ العربي إلا إلى تحوير بسيط.
لست أعتقد أن الأدب العربي يرقى إلا بالجد في تكوين هذه الفرقة، وإمدادها بكل الوسائل، وتشجيعها بكل أنواع التشجيع.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة