- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:معجم أسماء الله الحسنى
أعظم ما ينبغي على العبد الاهتمام به هو معرفة الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، والتعبد لربه سبحانه بذلك، وقد قال الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}(الأعراف:180)، قال الشوكاني في "فتح القدير": "هذه الآية مشتملة على الإخبار من الله سبحانه بما له من الأسماء على الجملة دون التفصيل، والحسنى تأنيث الأحسن أي التي هي أحسن الأسماء لدلالتها على أحسن مسمى وأشرف مدلول". وقال ابن القيم في "مدارج السالكين": "أسماؤه تعالى كلها مدح وثناء وتمجيد، ولذلك كانت حسنى". ومن القواعد المقررة عند أهل العلم أن شرف العلم بشرف المعلوم، ولا علم أشرف من العلم بالله عز وجل وأسمائه الحسنى وصفاته العليا. قال ابن العربي في "أحكام القرآن في فضل العلم بأسماء الله": "شرف العلم بشرف المعلوم، والباري أشرف المعلومات، فالعلم بأسمائه أشرف العلوم". وقال ابن القيم في "بدائع الفوائد": "فالعلم بالأسماء والصفات، والتعبد بها هو قطب السعادة، ورحى الفلاح والنجاح، من رام السعادة وابتغاها فليأخذ نفسه بأسماء الله وصفاته، فبها الأنس كله، والأمن كله، وما راحة القلب وسعادته إلا بها، لأنها تتعلق بمن طب القلوب بيديه، وسعادتها بالوصول إليه". وقال في "طريق الهجرتين": "ليست حاجة الأرواح قط إلى شيء أعظم منها إلى معرفة باريها وفاطرها، ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه، فكلما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف، وله أطلب، وإليه أقرب، وكلما كان لها أنكر كان بالله أجهل، وإليه أكره، ومنه أبعد.. فالسير إلى الله من طريق الأسماء والصفات شأنه عجب، وفتحه عجب، صاحبه قد سيقت له السعادة وهو مستلق على فراشه غير تعب ولا مكدود".
وأسماء الله تعالى وصفاته توقيفية مصدرها القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة، لا مجال للعقل والاجتهاد فيها. وأهل السنة يثبتون ما أثبته الله عز وجل لنفسه ـ من أسماء وصفات ـ في كتابه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، فإنه سبحانه الكامل في أسمائه الحسنى وصفاته العلى، فلا مثيل له في ربوبيته، ولا مثيل له في إلهيته، ولا مثيل له في أسمائه وصفاته، قال الله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}(الشورى:11). قال السعدي: "{ليس كمثله شيء} أي: ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته، لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لأن أسماءه كلها حسنى، وصفاته صفات كمال وعظمة". وقال أبو بكر الإسماعيلي الجرجاني في كتابه "اعتقاد أئمة أهل الحديث": "ويعتقدون ـ يعني: أهل السنة والجماعة ـ أن الله تعالى مدعو بأسمائه الحسنى، وموصوف بصفاته التي سمى ووصف بها نفسه، ووصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم". وقال الشيخ ابن عثيمين: "أسماء الله تعالى توقيفية، لا مجال للعقل فيها، وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة، فلا يزاد فيها ولا ينقص، لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء، فوجب الوقوف في ذلك على النص.. ولأن تسميته تعالى بما لم يسم به نفسه، أو إنكار ما سمى به نفسه، جناية في حقه تعالى، فوجب سلوك الأدب في ذلك والاقتصار على ما جاء به النص".
و"الودود" اسم من أسماء الله تعالى الحسنى، قال ابن منظور في "لسان العرب": "الود والمودة: الحب والمحبة، والودود: المحب". وقال الجوهري: "وددت الرجل أوده ودا، إذا أحببته.. والودود: المحب". وقال ابن العربي: "اتفق أهل اللغة على أن المودة هي المحبة"، وقال ابن سيده في "المخصص": "الودود: المحب الشديد المحبة". وقال أبو القاسم الزجاجي: "الودود: فيه قولان: أحدهما: أنه فعول بمعنى فاعل، كقولك: غفور بمعنى غافر، وكما قالوا: رجل صبور بمعنى صابر، وشكور بمعنى شاكر، فيكون الودود في صفات الله تعالى عز وجل على هذا المذهب أنه يود عباده الصالحين ويحبهم، والود والمودة والمحبة في المعنى سواء، فالله عز وجل ودود لأوليائه والصالحين من عباده، وهو محب لهم. والقول الآخر: أنه فعول بمعنى مفعول، كما يقال: رجل هيوب، أي: مهيب، فتقديره: أنه عز وجل مودود، أي: يوده عباده ويحبونه، وهما وجهان جيدان. وقد تأتي الصفة بالفعل لله عز وجل ولعبده، فيقال: العبد شكور لله، أي: يشكر نعمته، والله عز وجل شكور للعبد، أي: يشكر له عمله، أي: يجازيه على عمله، والعبد تواب إلى الله من ذنبه، والله تواب عليه أي: يقبل توبته ويعفو عنه". وقال ابن القيم في "التبيان في أقسام القرآن": "الودود المتودد إلى عباده بنعمه، الذي يود من تاب إليه وأقبل عليه، وهو الودود أيضا، أي: المحبوب، قال البخاري في صحيحه: الودود: الحبيب. والتحقيق: أن اللفظ يدل على الأمرين، على كونه وادا لأوليائه، ومودودا لهم.. فهو الحبيب المحب لأوليائه، يحبهم ويحبونه". وقال السعدي في "الحق الواضح المبين": "(الودود) هو المحب المحبوب بمعنى واد ومودود". وقال: "(الودود) الذي يحب أنبياءه ورسله وأتباعهم، ويحبونه، فهو أحب إليهم من كل شيء، قد امتلأت قلوبهم من محبته، ولهجت ألسنتهم بالثناء عليه، وانجذبت أفئدتهم إليه ودا وإخلاصا وإنابة من جميع الوجوه".
وقد ورد اسم الله عز وجل "الودود" في القرآن الكريم مرتين:
1 ـ قال الله تعالى حكاية عن قول شعيب عليه الصلاة والسلام لقومه: {واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود}(هود:90). قال الطبري: "{ودود} يقول: ذو محبة لمن أناب وتاب إليه، يوده ويحبه". وقال البغوي: "و(الودود) له معنيان، أحدهما: أنه محب للمؤمنين، وقيل: هو بمعنى المودود أي المحبوب للمؤمنين". وقال السمعاني:" "قوله تعالى: {إن ربي رحيم ودود} في الودود معنيان: أحدهما: أن الودود هو المحب لعباده. والثاني: أو الودود بمعنى المودود، أي: يحبه العباد لفضله وإحسانه". وقال السعدي: "ومعنى "الودود" من أسمائه تعالى، أنه يحب عباده المؤمنين ويحبونه، فهو "فعول" بمعنى "فاعل" وبمعنى "مفعول".
2 ـ قال الله تعالى: {وهو الغفور الودود}(البروج: 14). قال الطبري: "عن ابن عباس قوله: {الغفور الودود} يقول: الحبيب.. قال ابن زيد في قول الله: {الغفور الودود} قال: الرحيم". وقال ابن كثير: "{الودود} قال ابن عباس وغيره: هو الحبيب". وقال السعدي: "{الودود} الذي يحبه أحبابه محبة لا يشبهها شيء فكما أنه لا يشابهه شيء في صفات الجلال والجمال، والمعاني والأفعال، فمحبته في قلوب خواص خلقه، التابعة لذلك، لا يشبهها شيء من أنواع المحاب، ولهذا كانت محبته أصل العبودية، وهي المحبة التي تتقدم جميع المحاب وتغلبها، وإن لم يكن غيرها تبعا لها، كانت عذابا على أهلها، وهو تعالى الودود، الواد لأحبابه، كما قال تعالى: {يحبهم ويحبونه}(المائدة:54) والمودة هي المحبة الصافية، وفي هذا سر لطيف، حيث قرن (الودود) بالغفور، ليدل ذلك على أن أهل الذنوب إذا تابوا إلى الله وأنابوا، غفر لهم ذنوبهم وأحبهم، فلا يقال: بل تغفر ذنوبهم، ولا يرجع إليهم الود، كما قاله بعض الغالطين". وقال الشيخ ابن عثيمين: "قوله: {وهو الغفور الودود}(البروج:14): {الغفور} الساتر لذنوب عباده المتجاوز عنها. {الودود} مأخوذ من الود، وهو خالص المحبة، وهي بمعنى: واد، وبمعنى: مودود، لأنه عز وجل محب ومحبوب، كما قال تعالى: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه}(المائدة:54)، فالله عز وجل واد ومودود، واد لأوليائه، وأولياؤه يودونه يحبونه، يحبون الوصول إليه وإلى جنته ورضوانه. وفي الآية اسمان من أسماء الله: الغفور، والودود. وصفتان: المغفرة، والود".
وقال ابن القيم: "ذكر سبحانه جزاء أوليائه المؤمنين ثم ذكر شدة بطشه وأنه لا يعجزه شيء، فإنه هو المبديء المعيد، ومن كان كذلك فلا أشد من بطشه، وهو مع ذلك الغفور الودود، يغفر لمن تاب إليه ويوده ويحبه، فهو سبحانه الموصوف بشدة البطش ومع ذلك هو الغفور الودود المتودد إلى عباده بنعمه الذي يود من تاب إليه وأقبل عليه". وقال في قصيدته "النونية":
وهو الودود يحبهم ويحبه أحبابه والفضل للمنان
وهو الذي جعل المحبة في قلوبهم وجازاهم بحب ثان
هذا هو الإحسان حقا لا معاوضة ولا لتوقع الشكران
لكن يحب شكورهم وشكورهم لا لاحتياج منه للشكران
"الودود" اسم من أسماء الله تعالى الحسنى، ومن معانيه أنه يحب ويود عباده الصالحين، وهو المحبوب لهم، بل لا شيء أحب إليهم منه، وفي اسم الله عز وجل "الودود" حث للمذنبين على أن يتوبوا، قال الطبري: "فإن الله ذو محبة لمن أناب وتاب إليه، يوده ويحبه".. وقال السعدي: "فهو المتودد إلى خلقه بنعوته الجميلة، وآلائه الواسعة، وألطافه ونعمه الخفية والجلية، فهو الودود يحب أولياءه وأصفياءه ويحبونه، فهو الذي أحبهم، وجعل في قلوبهم المحبة، فلما أحبوه أحبهم حبا آخر جزاء لهم على حبهم. فالفضل كله راجع إليه، فهو الذي وضع كل سبب يتوددهم به، ويجذب قلوبهم إلى وده، تودد إليهم بذكر ما له من النعوت الواسعة العظيمة الجميلة الجاذبة للقلوب السليمة، والأفئدة المستقيمة، فإن القلوب والأرواح الصحيحة مجبولة على محبة الكمال، والله تعالى له الكمال التام المطلق". وفي "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى": "وقال القرطبي: فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الله سبحانه هو "الودود" على الإطلاق، المحب لخلقه، والمثني عليهم، والمحسن إليهم، ثم يجب عليه (كل إنسان مكلف) أن يتودد إلى ربه بامتثال أمره ونهيه، كما تودد إليه (ربه سبحانه) بإدرار نعمه وفضله، ويحبه كما أحبه، ومن حب العبد لله: رضاه بما قضاه وقدره، وحب القرآن والقيام به، وحب الرسول صلى الله عليه وسلم، وحب سنته والقيام بها". وقال ابن القيم في "الفوائد": "ليس العجب من مملوك يتذلل لله ويتعبد له ولا يمل من خدمته مع حاجته وفقره إليه، إنما العجب من مالك يتحبب إلى مملوك بصنوف إنعامه، ويتودد إليه بأنواع إحسانه مع غناه عنه.. كفى بك عزا أنك له عبد.. وكفى بك فخرا أنه لك رب".