دين الجمال.. وإحسان الكلام

0 288

الإسلام دين الجمال، وهو يريد من المسلم أن يكون جميلا في كل شيء: جميلا في عقيدته، جميلا في شريعته، جميلا في معاملاته، جميلا في أخلاقياته، جميلا ونظيفا في منظره، جميلا ونقيا صافيا في مخبره.. وعنوان كل هذا الجمال هو أن يكون جميلا في كلامه وحديثه ومنطقه.

يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {وقولوا للناس حسنا}[البقرة:83]..
أي إذا أراد أحدكم أن يتكلم فعليه أن يتخير كلماته، وينتقي ألفاظه، ويحسن عباراته، فلا ينطق إلا بالحسن الجميل.

ليس ذلك فحسب، بل لو كان هناك كلامان أحدهما حسن والآخر أحسن منه كان على المسلم أن يختار الأحسن منهما والأجمل لقوله تعالى: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسنۚ إن الشيطان ينزغ بينهمۚ إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا}[الإسراء:53]. حتى لا يعطي الشيطان فرصة للدخول في تأويل الكلام فينـزغ بينهم، أي يفسد بينهم، ويهيج بينهم الشر.

وإنما أمر الله تعالى بحسن الحديث؛ حتى لزيادة المودة، ولتشيع المحبة والألفة بين الناس، فإن صاحب اللفظ الجميل والكلام الطيب هو أسرع الخلق في الوصول إلى قلوب العباد.
والكلمة الطيبة تسر وإن كانت على سبيل المجاملة..
والكلمة السيئة تؤذي ولو ألبستها ثوب المزاح أو المناصحة..
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء)[رواه الترمذي وقال: حسن غريب].
فالفحش، والبذاء، مذموم كله، وليس من أخلاق المؤمنين. وقد روى مالك عن يحيى بن سعيد أن عيسى بن مريم لقي خنزيرا في طريق فقال له: انفذ بسلام. فقيل له: تقول هذا لخنزير؟ فقال عيسى ابن مريم: إني أخاف أن أعود لساني المنطق السوء.

مع الناس جميعا
لقد أمرنا الله تعالى ورسوله أن نحسن الكلام مع الخلق جميعا، قريبهم وبعيدهم، ومؤمنهم وكافرهم، ومن نعرفه ومن لا نعرفه:
فمع الوالدين: وهم أحق الناس بحسن الحديث وجميل المنطق وطيب الكلام؛ قال سبحانه: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناۚ إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما}[الإسراء:23].

ومع الزوج والزوجة: قال صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)[صحيح الترمذي وابن ماجه]. ومن قرأ سيرته صلى الله عليه وسلم مع زوجاته أمهات المؤمنين، وكيف كان حديثه معهن، وحديثهن معه صلى الله عليه وسلم، وكيف ملاطفته لهن عرف كيف يكون التعامل في البيوت، فإن حسن الحديث بين الزوجين مما يزيد المحبة، ويقوي روابط الأسرة، ويشيع جو الألفة والحب في البيت.

ومع الجيران: قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره)[رواه مسلم]، وقال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره)[متفق عليه].
ولما حدثوه عن المرأة التي تقوم الليل وتصوم النهار ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: "لا خير فيها هي في النار"رواه أحمد والحاكم في مستدركه.

حتى مع الكفار:
فحسن الكلام أدب إسلامي يتوجب مع كل الناس - حتى مع الكفار منهم - ولو كان هذا في معرض الدعوة أو في معرض الجدال والمناظرة.. قال سبحانه: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنةۖ وجادلهم بالتي هي أحسن}[النحل:125]؛ لأن الموعظة قد تكون حسنة أو غير ذلك، فأمر بالموعظة الحسنة، وأما الحكمة فلا تكون إلا حسنة.

وقال جل جلاله: {ولا تجدلوٓا أهل ٱلكتب إلا بٱلتى هى أحسن إلا ٱلذين ظلموا منهم}[العنكبوت:46]. قال ابن جرير: "يقول: إلا بالجميل من القول، وهو الدعاء إلى الله بآياته، والتنبيه على حججه".

ولما أرسل الله موسى وأخاه هارون إلى فرعون وهو أكفر إنسان في ذلك الوقت، قال لهما: {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى}[طه:44].
قال ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية: "والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق لين قريب سهل ، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع، كما قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}.
قال: "وقوله {لعله يتذكر أو يخشى} أي: لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة".
فإذا كان أمره لإحسان القول مع أعدائه، فكيف يكون الحال مع أحبابه وأوليائه؟ 

الكلمة الطيبة صدقة:
وقد جعل الله تعالى ورسوله الكلمة الطيبة صدقة من الصدقات يتقرب بها إلى رب الأرض والسموات، فقال عليه الصلاة والسلام: (والكلمة الطيبة صدقة)[متفق عليه] ، وقال (اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة)[رواه البخاري ومسلم].

ولين الكلام يستوجب دخول الجنان، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها. فقال أبو مالك الأشعري: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائما والناس نيام)[رواه أحمد والحاكم وهو صحيح].

صيانة المنطق عن قبيح الكلام
وكما أمر الله بحسن الكلام وجميل المنطق، نهى أيضا عن سيء الكلام وقبيحه ورذيله فقال: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ۚ وكان الله سميعا عليما}[النساء:148].
وروى أبو داود والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: (يا عائشة ! إن الله لا يحب الفاحش والتفحش). 
فالفحش مذموم كله، وليس من أخلاق المؤمنين؛ فينبغي لمن ألهمه الله رشده أن يجتنب الفحش، وأن يعود لسانه طيب القول، وله في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؛ فإنه كان لا يقول فحشا، ولا يحب أن يسمعه.

فاعلم أيها الحبيب:
. أن المسلم ليس بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش ولا البذي.. كما جاء في الحديث.

. واعلم أن الكلمة قد تورد صاحبها المهالك، وترديه في النار، أكثر من سبعين خريفا، أو أبعد مما بين المشرق والمغرب.

. واعلم أن حصائد الألسن تكب أصحابها على مناخرهم في نار جهنم.

. واعلم أيضا أن كل ما تتكلم به مرصود مكتوب، وأنك محاسب عليه يوم القيامة {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}[ق:18].

. واعلم أن كل ما تتفوه به وتنطق به مستنسخ لتراه يوم القيامة {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ۚ إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون}[الجاثية:29].

. واعلم أخيرا أن الله يسمع كل ما تقول ويعلمه {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهمۚ بلى ورسلنا لديهم يكتبون}[الجاثية:80].
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة