- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:الإيمان بالقدر
الملائكة خلق من مخلوقات الله تعالى، خلقهم الله عز وجل من نور، وهم عباده المكرمون خلقا وخلقا، وهم رسل الله تعالى وجنده في تنفيذ أمره الذي يوحيه إليهم، وسفراؤه إلى أنبيائه ورسله، قال الله تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير}(الحج: 75). قال ابن كثير: "يخبر تعالى أنه يختار من الملائكة رسلا فيما يشاء من شرعه وقدره، ومن الناس لإبلاغ رسالاته". وقال السعدي: "أي: يختار ويجتبي من الملائكة رسلا ومن الناس رسلا يكونون أزكى ذلك النوع، وأجمعه لصفات المجد، وأحقه بالاصطفاء". وهم مجبولون على طاعة الله، قال الله تعالى عنهم: {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}(التحريم:6). قال الطبري: "لا يخالفون الله في أمره الذي يأمرهم به {ويفعلون ما يؤمرون} يقول: وينتهون إلى ما يأمرهم به ربهم". وقال السعدي: "وهذا فيه أيضا مدح للملائكة الكرام، وانقيادهم لأمر الله، وطاعتهم له في كل ما أمرهم به"..
والملائكة ليسوا بناتا لله عز وجل ولا أولادا، ولا شركاء معه ولا أندادا، تعالى الله عما يقول الظالمون والملحدون علوا كبيرا، قال الله تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون}(الأنبياء:26). قال ابن كثير: "يقول تعالى ردا على من زعم أن له ـ تعالى وتقدس ـ ولدا من الملائكة، كمن قال ذلك من العرب: إن الملائكة بنات الله، فقال: {سبحانه بل عباد مكرمون} أي: الملائكة عباد الله مكرمون عنده، في منازل عالية ومقامات سامية، وهم له في غاية الطاعة قولا وفعلا". وقال تعالى: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون}(الزخرف:19). قال السعدي: "يخبر تعالى عن شناعة قول المشركين.. ومنها: أنهم يزعمون أن الملائكة بنات الله".
والإيمان بالملائكة أحد أركان الإيمان الستة التي جاءت في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه حين سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره).. ولا علم لنا بعالم وصفات وأحوال الملائكة إلا في حدود ما أخبرنا الله عز وجل به في قرآنه الكريم، أو من خلال أحاديث نبينا صلى الله عليه وسلم الصحيحة..
والملائكة بالنسبة إلى ما هيأهم الله تعالى له ووكلهم به على أقسام، وقد ورد في الكتاب والسنة أسماء بعضهم، والأمور الموكلة إليهم، ومن ذلك: الملائكة الموكلة بالوحي وهو جبريل عليه السلام، ومنهم الموكل بالقطر (المطر) وتصاريفه إلى حيث أمره الله، وهو ميكائيل عليه السلام، ومنهم الموكل بقبض الأرواح وهو ملك الموت وأعوانه من الملائكة، ومنهم الموكل بالصور وهو إسرافيل عليه السلام، ومنهم الموكل بقبض الأرواح وهو ملك الموت وأعوانه من الملائكة، ومنهم الموكل بكتابة أعمال العباد من خير أو شر، وهم الكرام الكاتبون عن اليمين وعن الشمال، ومنهم الموكل بفتنة القبر وهم منكر ونكر، ومنهم ما هو موكل بالجنة، ومنهم الموكل بالنار، ومقدمهم مالك عليه السلام، ومنهم الموكل بالنطفة في الرحم، ومنهم الموكل بالجبال.. ومن الملائكة كذلك ما هو موكل بحمل عرش الرحمن سبحانه وتعالى..
العرش:
عرش الله عز وجل هو أعظم المخلوقات، وأكبرها أوسعها، وأعلاها وأثقلها، وقد ذكر في الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. قال الله تعالى: {فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم}(التوبة:129). قال ابن كثير: "وهو رب العرش العظيم: أي هو مالك كل شيء وخالقه، لأنه رب العرش العظيم الذي هو سقف المخلوقات، وجميع الخلائق من السماوات والأرضين وما فيها وما بينهما تحت العرش مقهورين بقدرة الله تعالى، وعلمه محيط بكل شيء، وقدره نافذ في كل شيء، وهو على كل شيء وكيل". وقال تعالى: {وهو الغفور الودود * ذو العرش المجيد}(البروج:15:14). قال السعدي: "{ذو العرش المجيد}.. وخص الله العرش بالذكر لعظمته، ولأنه أخص المخلوقات بالقرب منه تعالى".. وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم).. وقد دلت نصوص الكتاب والسنة، وإجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل القرون الأولى على إثبات استواء الله عز وجل على عرشه، استواء يليق به سبحانه، فيجب الإيمان بذلك وترك ما عداه من الأقوال. قال الإمام مالك: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة". وقال ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش}(الأعراف:54): "قوله تعالى: {ثم استوى على العرش} فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدا، ليس هذا موضع بسطها، وإنما يسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح: مالك، والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه وغيرهم، من أئمة المسلمين قديما وحديثا، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل. والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله، فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه، و{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}(الشورى:11)". وقال السمعاني: "أهل السنة يقولون: إن الاستواء على العرش صفة لله تعالى بلا كيف، والإيمان به واجب، كذلك يحكى عن مالك بن أنس وغيره من السلف أنهم قالوا في هذه الآية: الإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"..
حملة العرش:
جاء ذكر حملة العرش من الملائكة في موضعين من القرآن الكريم، وفي الكثير من الأحاديث النبوية، ومن ذلك:
1 ـ قال الله تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا}(غافر:7). قال الطبري: "الذين يحملون عرش الله من ملائكته، ومن حول عرشه، ممن يحف به من الملائكة {يسبحون بحمد ربهم} يقول: يصلون لربهم بحمده وشكره". وقال السعدي: "{الذين يحملون العرش} أي: عرش الرحمن، الذي هو سقف المخلوقات وأعظمها وأوسعها وأحسنها، وأقربها من الله تعالى، الذي وسع الأرض والسماوات والكرسي، وهؤلاء الملائكة، قد وكلهم الله تعالى بحمل عرشه العظيم، فلا شك أنهم من أكبر الملائكة وأعظمهم وأقواهم، واختيار الله لهم لحمل عرشه، وتقديمهم في الذكر، وقربهم منه، يدل على أنهم أفضل أجناس الملائكة عليهم السلام". وقال الشيخ ابن عثيمين: "{الذين يحملون العرش} العرش هو عرش الرحمن عز وجل وهو أكبر المخلوقات وأعظمها وأوسعها وأشرفها فيما عدا المكلفين، هذا العرش لا يعلم قدره إلا الله عز وجل، لأننا لم نخبر عن قدره ولا نعلم من أي مادة هو.. إنما نعلم أنه عرش عظيم محيط بالمخلوقات استوى عليه الرب عز وجل وله حملة، والمشهور أن حملته الآن أربعة، وفي يوم القيامة يكونون ثمانية، ومن جملة حملة العرش إسرافيل الموكل بالنفخ في الصور فإنه أحد حملة العرش. الذين يحملون العرش: هل نحن نعلم صفات هؤلاء الذين يحملون العرش؟ لا، لكن نعلم أنهم ملائكة، أما كيف هم؟ فإن ذلك موقوف على ما جاء به السمع (الدليل من الكتاب والسنة)".
2 ـ قال الله تعالى: {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية}(الحاقة:17). قال ابن كثير: "أي: يوم القيامة يحمل العرش ثمانية من الملائكة". وقال الطبري: "اختلف أهل التأويل في الذي عني بقوله: {ثمانية} فقال بعضهم: عني به ثمانية صفوف من الملائكة، لا يعلم عدتهن إلا الله". وقال القرطبي: "قال ابن عباس: ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله. وقال ابن زيد: هم ثمانية أملاك. وعن الحسن: الله أعلم كم هم، ثمانية أم ثمانية آلاف". وقال السعدي: "أملاك في غاية القوة إذا أتى للفصل بين العباد والقضاء بينهم بعدله وقسطه وفضله". وقال ابن تيمية في "الرسالة العرشية": "{ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية}(الحاقة:17) فأخبر أن للعرش حملة اليوم، ويوم القيامة".
3 ـ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش: إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه، مسيرة سبعمائة عام) رواه أبو داود. قال المناوي في "فيض القدير شرح الجامع الصغير": "(أذن لي) والآذن له هو الله، ولولا الإذن لم يجز له التحديث.. وهذا محتمل لأن يكون رآه وأن يكون أوحى إليه به، (أن أحدث) أصحابي أو أمتي (عن ملك) بفتح اللام: أي عن شأنه أو عظم خلقه.. (من حملة العرش) أي من الذين يحملون عرش الرحمن الذي هو أعظم المخلوقات.. (ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة) وفي رواية سبعين عاما. أي بالفرس الجواد كما في خبر آخر، فما ظنك بطوله وعظم جثته؟ قال الطيبي: والمراد بسبعمائة عام هنا التكثير لا التحديد لأنه أليق بالكلام وأدعى للمقام، وقال: (أذن لي) ليفيد أن علم الغيب مختص به تعالى، لكنه يطلع منه من شاء على ما شاء، وليس على من أطلعه أن يحدث إلا بإذنه. وشحمة الأذن: ما لان من أسفلها وهو معلق القرط (الحلق)، والعاتق ما بين المنكب والعنق وهو موضع الرداء يذكر ويؤنث. فإن قلت: الملائكة أجسام نورانية والأنوار لا توصف بالأذن والعنق؟! قلت: لا مانع من تشكل النور على هيئة الإنسان، وأن ضرب الأذن والعاتق مثلا مقربا للأفهام".
4 ـ روى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (.. ولكن ربنا تبارك وتعالى اسمه إذا قضى أمرا سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم ماذا قال). قال القاضي عياض: "وقيل: إن حملة العرش من أقرب الملائكة وأعلاهم منزلة وأكثرهم علما، وأنهم أول ما يطلع على ما ينكشف من الأمور ويظهر الله من قضائه وعلم غيبه". وقال القرطبي في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم": "(لكن ربنا إذا قضى أمرا سبح حملة العرش) أي: أظهر قضاءه وما حكم به لملائكته.. فإذا اطلع حملة العرش على ما سبق في علمه خضعت الملائكة لعظمته وضجت بتسبيحه وتقديسه، فيسمع ذلك أهل السماء التي تليهم.. ففيه ما يدل على أن حملة العرش أفضل الملائكة وأعلاهم منزلة، وأن فضائل الملائكة على حسب مراتبهم في السماوات، وأن الكل منهم لا يعلمون شيئا من الأمور إلا بأن يعلمهم الله تعالى به، كما قال تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول}(الجن:27:26). وفيه ما يدل على أن علوم الملائكة بالكائنات يستفيده بعضهم من بعض إلا حملة العرش، فإنهم يستفيدون علومهم من الحق سبحانه وتعالى، فإنهم هم المبدوؤون بالإعلام أولا"..
فائدة:
اختلف في المراد بقوله تعالى: {ثمانية} فقال بعض العلماء: عني به ثمانية صفوف من الملائكة، لا يعلم عدتهن إلا الله. وقال بعضهم: بل عني به ثمانية أملاك، كما ذكر ذلك الطبري وغيره.. قال ابن تيمية: "وقوله: {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية}(الحاقة:17): يوجب أن لله عرشا يحمل.. فهنا دلت الآية على أن لله ملائكة من جملة خلقه، يحملون عرشه، وآخرون يكونون حوله، وعلى أنه يوم القيامة يحمله ثمانية، إما ثمانية أملاك، وإما ثمانية أصناف وصنوف".. فعدد الملائكة التي تحمل عرش الرحمن عز وجل، من الأمور التي اختلف فيها ، وقد ورد في كتب التفسير أنهم ثمانية، وقيل أربعة اليوم وهو يوم القيامة ثمانية، وقيل ثمانية آلاف، وقيل ثمانية صفوف.. ومثل هذه الأمور لا يتحتم الإيمان بها تفصيلا، وإنما يكفينا أن نؤمن بها في الجملة، ولا يترتب على معرفتها على وجه التفصيل شيء من مصلحة ديننا. قال القاسمي في "محاسن التأويل" بعد أن ذكر الخلاف في ذلك: "ومثله من الغيوب التي يؤمن بها، ولا يجب اكتناهها (استيعابها بالتفصيل)"..
وأما حمل العرش بعد موت الملائكة والخلق جميعا، فإنه لا يلزم أن يحمل، والعرش وحملته مخلوقون، والله غني عن العرش، وغني عن حملته، وهو الحي القيوم سبحانه، وما حملت الملائكة عرشه إلا بقدرته سبحانه، وهو الذي أقدرهم على ذلك، وهو سبحانه الرب المالك القادر الذي يفعل ما يشاء، وقد شاء سبحانه أن يستوي على عرشه، وأن يكون لعرشه حملة، الآن، ويوم القيامة.. قال الإمام الدارمي: "إن الله أعظم من كل شيء، وأكبر من كل خلق، ولم يحتمله العرش عظما ولا قوة، ولا حملة العرش احتملوه بقوتهم، ولا استقلوا بعرشه بشدة أسرهم، ولكنهم حملوه بقدرته، ومشيئته وإرادته، لولا ذلك ما أطاقوا حمله". وقال ابن تيمية: "الله مستغن عن كل ما سواه، وهو خالق كل مخلوق، ولم يصر عاليا على الخلق بشيء من المخلوقات، بل هو سبحانه خلق المخلوقات، وهو بنفسه عال عليها، لا يفتقر في علوه عليها إلى شيء منها، كما يفتقر المخلوق إلى ما يعلو عليه من المخلوقات، وهو سبحانه حامل بقدرته للعرش ولحملة العرش"..
الله عز وجل الذي {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}(الشورى:11)، فوق العرش مستو عليه، واستواؤه معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة كما جاء عن مالك بن أنس وأئمة وعلماء أهل السنة.. وقد أخبرنا الله تعالى في كتابه العزيز، وبين لنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن عرش الله عظيم، وأن له حملة من الملائكة يحملونه، وجاء في السنة بيان عظم خلقهم، قال الله تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم}(غافر:7). قال السعدي: "وهؤلاء الملائكة، قد وكلهم الله تعالى بحمل عرشه العظيم، فلا شك أنهم من أكبر الملائكة وأعظمهم وأقواهم، واختيار الله لهم لحمل عرشه، وتقديمهم في الذكر، وقربهم منه، يدل على أنهم أفضل أجناس الملائكة عليهم السلام"..