بين الذكاء والعقل

0 181

يعتقد كثير من الناس أن الذكاء رديف العقل، ولكن من تبصر في شئون الناس وأحوال البشر يدرك أن هناك فرقا بين الذكاء والعقل، وأن لكل منهما مميزات تميزه عن صاحبه.
إنك تجد في خطط المحتالين واللصوص المزورين ذكاء مفرطا، يجعلك تندهش لما يقومون به، ولكن أفعالهم تؤكد خفة عقولهم؛ لأنهم بالمحصلة يوردون أنفسهم موارد التلف والهلاك من حيث لا يغني عنهم ذكاؤهم شيئا.

يقول الأديب مصطفى المنفلوطي: "كثيرا ما يكون الذكاء الشديد داعية الجنون، حتى إنك لا تكاد ترى ذكيا من الأذكياء إلا وترى له في شؤونه وأطواره أحوالا شاذة لا تنطبق على قانون من قوانين العقل، ولا قاعدة من قواعد الطبيعة، وعندي أن أكثر ما يصيب النوابغ والأذكياء من بؤس العيش وسوء الحال عائد إلى ضعف في عقولهم، ونقص في تصوراتهم".
فالذكاء في رأس الإنسان كالسيف في يد الشجاع، وكثيرا ما يضرب الشجاع رأس نفسه بسيفه إذا كان طائشا أهوج، لا يملك نفسه في موقف من مواقف الحزن أو الغضب".

ولا يلزم أن كل عاقل يكون ذكيا، ولا أن يكون كل ذكي عاقلا، إذ من النوابغ من تجده كبهيمة الأنعام ينساق وراء شهوته وغرائزه، ويقوده توقه إلى الشهرة، والمكانة إلى الردى، ومن العقلاء من يعجز عن مجاراة الأذكياء في اكتشافاتهم،ونبوغهم.
وأحيانا تجد في حياة الناس أذكياء لم ينتفعوا بذكائهم فكان الذكاء وبالا عليهم كما قال ربنا: [أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا].

ولا شك أن العقل أميز وأفضل من الذكاء، وقد أشاد القرآن في غير ما آية بالعقل، وبين أن أصحاب الحجى ينتفعون بالذكر، ويتدبرون في شأن الكون، كقوله تعالى [ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون]و قوله سبحانه: [وما يذكر إلا أولو الألباب]، قال الشيخ ابن عثيمين: "العقل غريزة يخلقه الله عز وجل في الإنسان، ولكن مع ذلك يكون بالاكتساب، وكم من إنسان ترقى في العقل، حتى وصل إلى درجة لا يبلغها أقرانه بسبب ممارسته وتنمية عقله... العاقل يقيس الغائب على الشاهد، والمستقبل على الحاضر، ويتبين له الأمر".

و يعرف بعض أهل التخصص الذكاء بأنه ":القدرة على فهم تجارب الحياة بكفاءة، والاستفادة منها عن طريق تحليلها واستخلاص مجموعة من الدروس وتخزينها في الذاكرة، والقدرة على استدعائها عند اللزوم بكفاءة"
كما عرفوا العقل بأنه: "القدرة على عدم الاستجابة للمؤثرات المحيطة بالإنسان، استجابة رد الفعل المبرمج، ولكن هو القدرة على إصدار الفعل المناسب الذي ينبع من التفكير في المصلحة والضرر والموازنة بينهما"، إذن العقل عندهم هو:
"الرشد في التصرف"، فكلما كان الإنسان أشد رشدا وتصرفا كان أعقل.
وهذا يعني أن الذكاء والعقل قد يجتمعان وقد يفترقان، وأنه حال افتراقهما، يكون العقل أفضل، وأنفع للإنسان من الذكاء.

والذكاء منه ما هو غريزي، ومنه ما هو مكتسب، فأما الغريزي فالله تعالى يهبه من يشاء، وأما المكتسب فهو ما يحصل بفعل الإنسان وممارسته.
أحيانا قد يكون الذكاء المفرط سببا للضلال – والعياذ بالله – لأن الرجل الذكي يورد على نفسه أشياء، ويفتح على نفسه أشياء؛ مثل: لو كان كذا لكان كذا، ولو كان غافلا عن هذا، لكان أحسن له، ولهذا ما ضر أصحاب الكلام والمنطق والفلاسفة إلا حدة ذكائهم.
وكم من ذكي قاده الذكاء إلى النار – والعياذ بالله – وهذا شيء مشاهد، الذكاء إذا لم يكن مقترنا بعقل وإيمان، فالغالب أن صاحبه يهلك.

وخلاصة القول أن مصدر السعادة للنفوس البشرية هو العقل، وقدراته على الفهم والتبصر؛ وإلا لما كلفت بعبادة الله، فالعقل هو أساس التكليف؛ لذلك كان خطاب الله للناس أجمعين: [لعلكم تعقلون]، و[يا أولي الألباب]، وكان قول الأشقياء في الآخرة: [لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير]، ومن هنا فإن العقل والذكاء لا ينفعان صاحبهما إن لم يقوداه لطاعة الرحمن، والسير في طريق الهداية، والأخذ من مشرب النبوة.
وما أجمل العقل والذكاء إذا اجتمعا، وساعتها يكون صاحبهما من أسعد الناس خاصة إذا وفق للقرب من الله، وسلوك طريق المهتدين.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة