- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:قضايا شبابية
انقضت إجازة الصيف وطويت صحيفتها، وأغلق كتابها، وذهبت كما ذهبت مواسم كثيرة حاملة بين طياتها شهادة على العباد أو لهم.. فمن أحسن فلنفسه، ومن أساء فعليها.
وبدأ أبناؤنا وبدأنا معهم عاما دراسيا جديدا، نسأل الله أن يجعله عاما سهلا ميسورا، وأن يوفقنا جميعا فيه لما يحبه ويرضاه، وأن يبلغنا جميعا - في طاعته - ما نتمناه.
فأحببنا أن يكون لنا في هذا الحدث مشاركة، وستكون هذه المشاركة حول ثلاث نقاط محددة، وهي:
أولا: فضل العلم ومكانه في الإسلام.
ثانيا: معنى التربية.
ثالثا: مقاصد العملية التربوية.
أولا: فضل العلم ومكانه في الإسلام
ما عظمت أمة العلم كما عظمته أمة الإسلام، ولا أكرم أهله في دين كما أكرموا في هذا الدين، ولا عظم ذكرهم في كتاب كما عظم في القرآن الكريم. ويكفي العلم فخرا أن تكون أول سورة نزلت من كتاب الله تحث على القراءة والكتابة وتأمر بهما، وهما من أهم الوسائل الموصلة إلى العلم والمعرفة والثقافة وحفظ العلوم.
. لقد رفع الإسلام والقرآن قدر العلماء، وأثنى ربنا عليهم عاطر الثناء فقال: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة:11].
. ووصفهم الله بأنهم أهل الخشية لله: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر:28].
. واصطفاهم الله دون بقية البشر ليشهدوا معه ومع ملائكته على أعظم مشهود عليه وهو توحيده وإخلاص الدين له: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم} [آل عمران:18].
. وميزهم الله على غيرهم، وفضلهم على من سواهم فقال: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} [الزمر:9]. وهو استفهام استنكاري بمعنى أنهم لا يستوون.. وكيف يستوون؟
الناس من جهة التمـثال أكفــاء .. .. أبــوهـــــم آدم والأم حــــــواء
فإن يكن لهم من أصلهم شرف .. .. يفاخــرون بـه فالطـين والمـاء
ما الفضل إلا لأهــل العلم إنهم .. .. على الهدى من استهـدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه .. .. والجـــاهلون لأهل العلم أعداء
ففــز بعــلم تعــش حيــا به أبدا .. .. الناس موتى وأهل العلم أحياء
ويكفي العلم شرفا وفخرا أن الله رفع أصحابه ولو كانوا حيوانات، فأحل صيد الكلب المعلم دون الكلب الجاهل الغير معلم. فقال: {فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه}.
وفي السنة النبوية من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم) [صحيح الترمذي]، وفي حديث معاوية رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) [متفق عليه]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا: (إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير) [رواه الترمذي، وصححه الألباني].
ومن مشى في طريق العلم فقد أخذ طريقه إلى الجنة ففي حديث أبي هريرة قال صلوات الله وسلامه عليه: (ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهل الله له طريقا إلى الجنة) [رواه أبو داود والترمذي].
العلم عبادة
إن مما ينبغي أن نعلمه نحن الآباء ونعلمه لأبنائنا ونرسخه في أذهانهم أن العلم عبادة، بل هو أجل عبادة، وهو أفضل من صلاة النافلة؛ ولذا قال أبو الدرداء: "مدارسة العلم ساعة أحب إلي من قيام ليلة".
ويروى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: "تعلموا العلم؛ فإن تعليمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة".
ذلك أن العلم وسيلة إلى كل فضيلة، والاشتغال به من أفضل القربات وأجل الطاعات وأكبر العبادات، وأولى ما أنفقت فيه نفائس الأوقات، وبادر إلى الاهتمام به مستبقو المكرمات، أصحاب الأنفس الزاكيات، المسارعون إلى الخيرات.
فالعلم دليل الإيمان، وباب خشية الرحمن، به يطاع الله وبه يعبد، وبه يوحد وبه يمجد، وبه يتورع، وبه توصل الأرحام، ويعرف الحلال من الحرام، يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء.
والعلم إمام والعمل تابعه، فلا يصح عمل إلا بعلم، قال البخاري: "باب العلم قبل القول والعمل، وقال تعالى {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك} [محمد:19].
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "من عمل في غير علم كان ما يفسده أكثر مما يصلحه".
فالعلم أشرف مقصود، وأعظم مورود، وأعلى مطلوب، وهو أعظم من المال، وأشرف من السلطان.. كما قال علي لكميل بن زياد: "العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، العلم يزكو بالإنفاق، والمال تنقصه النفقة، العلم حاكم والمال محكوم عليه".
وباب فضل العلم وأهله واسع لا يمكن استقصاؤه، لا من القرآن ولا من السنة فضلا عن قول الصحابة والسلف وأهل الفضل، وإنما هذه إشارة، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.
ثانيا: معنى التربية:
والعملية العلمية إنما تسير جنبا إلى جنب مع العملية التربوية، فكل علم لا تربية فيه ولا خلق فضرره أكبر من نفعه.. ولهذا دائما ما تقترن التربية مع التعليم.
والتربية عموما هي القيام على الشيء والاعتناء به حتى يبلغ الكمال.
والتربية التي نريدها ونقصدها هنا، هي تعاهد النشء المسلم بالإصلاح في عقيدته وعبادته وخلقه وعلمه وعقله.
فالتربية في الحقيقة هي وظيفة صناعة الرجال، وصياغة العقول، وصيانة السلوك، ليكون الإنسان قادرا على مسيرة حسنة، وفق أهداف نبيلة وغايات سامية.
وعليه، فالتربية - أيها الفضلاء - ليست بضاعة للتصدير والاستيراد، ولكنها لباس يفصل على قامة الأمة ليعكس حقيقتها وملامحها، حقيقتها في الباطن، وملامحها في الظاهر.
فهل يعي أبناؤنا الدارسون هذا المعنى؟ وهل يلمح القائمون على العملية التربوية والتعليمية في بلاد المسلمين هذا الملمح، حتى يمكن أن تؤتى الدراسة ثمارها المرجوة وتحقق المقاصد المنوطة بها؟
ثالثا: مقاصد التربية والتعليم:
كل أمة تهدف من التعليم أغراضا ومنافع، وتقصد من ورائه إلى غايات ومقاصد، وتختلف هذه الغايات والمقاصد باختلاف ثقافة كل أمة، ونحن المسلمين إذا أردنا حياة كريمة سليمة ينبغي أن تكون لنا أهدافنا وغاياتنا التي تتلاءم مع وظيفتنا في استخلاف أرض الله تعالى.
وأهم هذه المقاصد:
* تعبيد الناشئة لربهم وخالقهم ومعبودهم، وتعريفهم إياه، وربط قلوبهم به.
* إخراج أجيال تحمل عقيدة سليمة، ومفاهيم صحيحة، ومنهجا ربانيا، يتحقق فيه قوله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) [الأنعام:162].
* إقامة أجيال مملوكة الفكر والمشاعر لخالقها، تابعة بالثقافة والتصور لدينها قلبا وقالبا.
* تعميق المبادئ العلياء والمثل الفضلى ومكارم الأخلاق في قلوب الناشئة، امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق).
* بناء جيل متمكن علميا ومتحضر ثقافيا يعمل لرفعة دينه ودنياه وعز أمته.
* توجيه الأبناء إلى كل عمل بناء يخدم الدين والوطن.
* حماية الجيل من كل فكر دخيل، أو دعوة هدامة، أو خلق ذميم، أو لفظ قبيح، أو ممارسة فاضحة.
والخلاصة: تجسيد أهداف الأمة التي تعيش من أجلها، وتموت في سبيلها، في شخص كل فرد من أفراد أبنائها، وترسيخ العقيدة في قلوبهم، واللغة التي تنسج بها حضارتها.