- اسم الكاتب: فاطمة أحمد حافظ *
- التصنيف:قضايا شبابية
استوقفني ذلك الحشد الكبير الذي تجمع أمام إحدى دور العرض السينمائي في وسط القاهرة ، حتى كاد أن يشل حركة المرور بالشارع كله . كانت الإعلانات المعلقة على مدخل السينما تشير إلى عرض فيلم اسمه (اللمبي) ، ينتمي إلى الأفلام التي تسمى "شبابية" ، والتي شكلت ظاهرة في السينما المصرية في السنوات الأخيرة .
والفيلم أثار جدلا واسعا لجهة مضمونه القيمي ؛ فقد انحاز الفيلم للقيم المادية الوافدة على المجتمع المصري على حساب قيم أخرى قائمة وراسخة مثل الأسرة. ومصدر الجدل ليس المضمون القيمي للفيلم فحسب ، بل ذلك الإقبال الجماهيري الواسع الذي لقيه الفيلم.
وقفت أتفرس في وجوه ذلك الحشد الكبير الذي كانت غالبيته العظمى تنتمي إلى فئة الشباب دون الخامسة والعشرين ، أطرقت مليا وعدت بذاكرتي (بضعة أشهر فقط) مسترجعة مشاهد تلك التظاهرات التي عمت الشارع العربي تعبيرا عن الغضب مما يحدث في فلسطين والتي شهدت فاعلية شبابية لم يسبق لها مثيل ، حتى شملت مشاركتهم أنشطة دعم الانتفاضة الأخرى من تنظيم مؤتمرات وجمع تبرعات وغير ذلك.
تساؤل مقلق يشغل بال المراقب : هل هؤلاء الشباب المحتشدون أمام السينما هم أنفسهم الذين شاركوا من قبل بالمظاهرات ؟
قد يرى البعض أن مجرد إقبال الشباب على الفيلم لا يتعارض مع دعمهم للقضية الفلسطينية ، ولكن تساؤلنا لا يقف عند هذا المستوى التبسيطي . المتأمل في المشهد العام يرى أن الشباب أصبح فريسة لمجموعة من القيم المتناقضة (والمتصارعة أحيانا ) ؛ ما انعكس في صورة سلوكيات متنافرة ؛ الاهتمام بقضية الأمة والاهتمام الكبير بفيلم هامشي غرائبي (بطل الفيلم سخر من أسرته وأمطرها بوابل من الشتائم!!) والأسرة تشكل دائرة الانتماء الأولى ، والمظاهرات الاحتجاجية تعكس تحفز الشعور بالانتماء للأمة والدين.
تساءل كثيرون عن أسباب اندفاع الشباب بمختلف مشاربهم الفكرية وتوجهاتهم السياسية للمشاركة في أنشطة دعم الانتفاضة ؛ فبعضهم افترض أن المشاركة كانت الفرصة الوحيدة المتوفرة أمام الشباب للتعبير عن أنفسهم وانتمائهم وتطلعهم للمشاركة بالقرار، وبعض آخر أرجعها إلى غياب (وبتعبير أدق سقوط) المشروع القومي الذي أحدث غيابه فراغا كبيرا لم تفلح في ملئه قضايا هامشية تطرحها وسائل الإعلام ، فتقدمت القضية الفلسطينية لتشغل ذلك الفراغ ، وشكل الكفاح الفلسطيني نموذجا صالحا للاحتذاء في وسط ذلك الواقع الذي يعج بالمشاكل والأزمات على مختلف المستويات.
شهدت فكرة "الانتماء" تراجعا ملموسا بعد هزيمة 67 ، ومع كثافة التحديات التي واجهت - ولا تزال - مفهوم "الهوية" بدأ يتم التركيز على انتماءات ضيقة ومتنافسة ، سواء على مستوى الدولة أم المدينة إلى الانتماء إلى جماعات وفرق تصل إلى "الأهلاوي" و "الزملكاوي" !
ويشيع الآن أن الشباب أكثر فئات المجتمع خروجا على الانتماء ، لكن العوامل التي دفعت إلى تراجع (وليس اختفاء) فكرة الانتماء امتد تأثيرها إلى الجميع ... لكنها ربما تأخذ مع الشباب - بما يحمله من طاقة وطموح ، وما يمثله من بداية للحياة - صورة أكثر بروزا ؛ فكيف سيشعر الفرد بالانتماء لوطن لا يملك فيه لقمة عيشه أو أرضا يسكن فيها؟ وكيف سيشعر بالانتماء لوطن لا يحصل فيه على حقوقه الطبيعية ، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ؟
في ظل هذه الأوضاع لا يمكن الوقوف عند لوم الشباب على التحرر من الشعور بالانتماء ، بل يجب الحديث عن الأسباب التي همشت ذلك الشعور ، وعن كيفية تذليل العقبات التي تحول دون ظهوره .
والدولة بمختلف أجهزتها تتحمل قدرا كبيرا من المسؤولية عن ذلك ، وتملك زمام المبادرة لاحتواء هذه المشكلة ، بدءا من إصلاح الإعلام الاستهلاكي المشبع بالنمط الغربي في الحياة والتفكير ؛ ما يحدث تناقضا صارخا بين ما يتم تقديمه في الإعلام وما يشكل ميراث الأمة من الدين والتقاليد.
والتحدي الأكبر أمامها هو ضرورة الحد من البطالة لأن الهجرة تعني - فيما تعني - البحث عن وطن بديل ، وفي دراسة أعدتها كاتبة هذه السطور على مجموعة من الشباب الجامعي اتضح خلالها أن 54% من هؤلاء يؤثرون الهجرة إلى الخارج من أجل الحصول على فرصة عمل جيدة .
ويشكل النشاط السياسي إحدى الوسائل لاستعادة الشعور بالانتماء ، وتعزيز قيمة الذات والانخراط بدور فاعل في المجتمع يؤدي للمشاركة في صنع القرار ويخرج بالفرد من الحالة الهامشية التي يعيشها.
ــــــــــــــ
* باحثة م