- اسم الكاتب: ـ الرباط
- التصنيف:الأسرة اليوم
يحلم كثير من شباب اليوم أن يتزوج امرأة عاملة، تتعاون معه على مجابهة مصاريف الحياة المتضخمة. لكن كثيرا من هذا الكثير، سرعان ما يكتشف أن مرتب الزوجة إنما هو نعمة في طيها ألف نقمة.
التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي مست المجتمع المغربي في الصميم، وأحدثت به تغييرات جذرية على مختلف المستويات، فتحت للمرأة أبواب الخروج إلى سوق الشغل، والانتساب إلى ذوي المرتبات الشهرية أو الأسبوعية. وبدا هذا الخروج، لأصحابه، نعمة تجود بمضاعفة دخل الأسرة لتحقيق حياة أفضل، حتى لا نقول أرغد.
لكن مساهمة المرأة في مصاريف بيت الزوجية، رغم ما وفرته من ارتفاع نسبي في المستوى المعيشي للأسر، فإنها في الوقت ذاته فجرت كثيرا من النزاعات الأسرية التي انتهى بعضها بالطلاق..
الرجال قوامون
لا خلاف هنا في أن الزوج مسؤول، ومكلف شرعا، بتغطية مصاريف الحياة الزوجية المتنوعة، سواء كفاه مرتبه لذلك أو لم يكفه. لكن الخلاف، كل الخلاف، إنما هو في مرتب الزوجة العاملة، فبعضهن يتشبثن باعتقادهن أن على الزوج أن يتحمل مسؤوليات الحياة الزوجية كاملة، فلا يطمع في مال زوجته. وهو واقع يرفضه الأزواج، خاصة ذوي الاحتياج، مما يتسبب في اشتعال نزاعات زوجية لا تنتهي، إلا بالطلاق.
المحاكم الشرعية التي تبذل قصارى جهود الصلح، تتصرف على أساس أن "للمرأة المسلمة ذمة مالية مستقلة، لا يعتريها النقص من قوامة الرجل"، وأن "الرجل هو المسؤول عن النفقة عليها وعلى أولادها". ذلك أن مدونة (قانون) الأحوال الشخصية، التي تنظم العلاقات الزوجية في المغرب، كررت في أكثر من موضع أن الزوج لا يملك أية ولاية على شخص زوجته، ولا بالأحرى على أموالها وذمتها المالية. فهي تقر للزوجة حقوقا مالية في مال زوجها، لم تقر مثلها للزوج في مال زوجته.
الباحث المغربي الدكتور عبد الرحمن العمراني يقترح حلولا لمعالجة نازلة مدى استحقاق المرأة الموظفة للنفقة، فيورد ثلاث حالات:
1- إذا تزوجها موظفة، واشترط عليها عند عقد الزواج أن تساهم معه في النفقة جزاء خروجها للعمل، فيجب عليها أن تستجيب، لأن الوفاء بالعقود واجب.
2- إذا تزوجها غير موظفة، ولم يشترط عليها (المساهمة في النفقة)، وحدث أن اشتغلت بعد عقد الزواج، فإن المشكل يحل بالاتفاق والتراضي.
3- في حالة عسر الزوج، لها الخيار بين أن تتطوع بمالها إذا كانت موسرة، أو أن تصبر حتى يجعل الله بعد عسر يسرا، أو أن تختار الطلاق ويستجاب لها. والصبر خير، مراعاة للأبناء وللعلاقة الزوجية.
مرتبات متواضعة
في بحثه حول "تطور سوق الشغل في الوسط النسوي المغربي"، يؤكد الدكتور عمر الكتاني أن دخول المرأة المغربية لسوق الشغل إنما هو استجابة لحاجة وضرورة وضغوط اجتماعية واقتصادية، أكثر من كونه تعبيرا عن رقي اجتماعي وأسري، وذلك بالنظر إلى المستوى التعليمي العام للمرأة العاملة، والذي يبقى منحصرا في مستويات متدنية، مما يجعل وضعها متواضعا جدا في السلم الاجتماعي.
وكثير من النزاعات الأسرية فجرتها مرتبات متواضعة جدا. يريدها الزوج كاملة لتغطية المصاريف، فيما تراها الزوجة حقا مكتسبا، تساعد منه والديها، وربما إخوتها أيضا، وتصرف منه على هندامها وحليها.
ويفيد تقرير صحافي أن كثيرا من النساء العاملات يعتبرن مرتبهن بمثابة نقمة لا غنى عنها. خاصة منهن ذوات الدخل المحدود. فالواحدة منهن تجد نفسها مضطرة لتقاسمه مع الزوج، بشكل أو بآخر، بينما المرتب كله لا يكفي لا حاجيات الزوج، ولا رغبات الزوجة.
وتقول الموظفة سناء : إن مجمل الموظفات البسيطات يحسدن النساء اللائي اخترن التفرغ للبيت، وتركن للزوج مسؤولية الصرف كاملة.
كما أن هناك نساء يتحسرن لأنهن لا يستمتعن بدرهم واحد من مرتباتهن، التي يصرفنها كاملة على أولادهن، خصوصا حين يكبرون، وتكبر حاجياتهم.
تدبير الإشكالية
ليس هناك نظام لتدبير هذه الإشكالية الاجتماعية الملحة، التي زلزلت العلاقات داخل الأسرة الحديثة، وما تزال تشكل أبرز أسباب النزاعات الزوجية. والمؤكد أن كل أسرة تفك هذه الإشكالية بمعرفتها، وفق ميزان القوى الرابط بين طرفيها.
بالنسبة للأستاذة نعيمة ، فالزوج يدفع إيجار المسكن ويتولى المصروف اليومي، ويترك لها ملابس الأولاد، في زمن لم يعد لطلباتهم حدود.
الصحافية سميرة : تحكي عن صيدلية شابة كانت على علاقة مع شاب موظف من ذوي الدخل المحدود، ولما استقر عزمهما على الزواج، منتصف العام الماضي، اشترط عليها أن تلتزم معه كتابة بمبلغ ستة آلاف درهم تدفعها له مطلع كل شهر، حتى لا يضطر إلى أن يمد لها يده كل يوم. لكنها رفضت اقتراحه رفضا باتا، وحاولت أن تتوصل معه إلى اتفاق، دون جدوى، فقامت بفسخ الخطوبة، وتم إجهاض مشروع الزواج. ولم يتزوج أي منهما إلى اليوم.
المعلمة فاطمة تحفظ مثلا يقول "راجلك وما ولفتيه" (ما عودته)، ولذلك فهي لا تساهم في مصروف البيت بعود ثقاب. بل وتقول "إذا لم يشتر ملح الطعام، أطبخ الغداء دون ملح، كي لا أشجعه على أن يتناسى الزيت". وفي الوقت ذاته تؤكد أنها لا تطلب منه شيئا، فهي تتولى مصاريفها الشخصية كاملة، فيما يتولى هو مصاريفه الشخصية ومصاريف الأولاد، إضافة إلى الكراء والغذاء والدواء... أما في حالات الضيافة، فالمسألة بالنسبة لهذه العلاقة المعقدة بسيطة، إذا كان الزوار من أهل الزوج تكفل بهم، وإذا كانوا من عائلة الزوجة تولت أمرهم.
ويعترف بعض النساء أنهن إنما يرفضن إملاءات أزواجهن في المصاريف، ويفضلن أن يفعلن ذلك عن طيب خاطر.
بينما تحرص المهندسة السعدية على اتباع المثل الشعبي "اللي بغات سعدها، تكمل من عندها". وتؤكد أن على المرأة أن تعطي لزوجها الإيحاء بأنه هو السيد، حتى وهو يتصرف في مرتبها.
وكما أن هناك زوجات يسلمن قيادة قارب الزوجية للأزواج ، هنا أزواج يرضخون للأمر الواقع، ويستسلمون لإملاءات الزوجة، حتى لو كانت متفرغة لبيتها ولا مدخول لها.
المحامية "حاء نون" : بدخلها الجيد، تصرف بحرية كاملة، لا يتدخل فيها الزوج، تغطي مصاريف الأولاد والمصروف اليومي، فيما يتكفل الزوج بالطوارئ.
وهناك زوجات يسلمن المركب للزوج، ويحولن لحسابه مرتبهن كاملا، ومنهن من يكفيها أن شريك حياتها يتكفل بكافة طلباتها المعقولة، دون الدخول في متاهات التفاصيل.
كما أن منهن من ابتلاها قدرها بزوج منحرف يبذر مرتبها ومرتبه في الملاهي والمعاصي، ويدفعها لتستدين مبلغا آخر لجلسة لهو أخرى.
من هذا النوع من الأزواج غير المسؤولين، تستخرج بعضهن النساء حكمتها في الحياة على أساس أن الزوج لا يؤتمن، فيسعين لاتخاذ احتياطات للمستقبل.
ومنهن من تتصرف في مرتبها بكامل الحرية دون أدنى استشارة مع الزوج أو أدنى مساهمة معه رغم ظروفه المادية الخانقة. فهو يستدين لدفع أقساط المدرسة أو فاتورة الكهرباء، وهي توفر مرتبها لتشتري سوارا ذهبيا جديدا، أو تخيط قفطانا آخر لعرس يمكن أن يقام الصيف المقبل.
بل ومن أزواج هذا الزمان من يستدين مرتب زوجته بوثيقة مكتوبة أو شيك ضمان، وإذا لم يوف الدين في الموعد تضغط عليه وتهدده بدفع الشيك للمحكمة.
وهناك نساء غير عاملات، يساعدن أزواجهن بأعمال يدوية ينجزنها في بيوتهن، من طرز أو خياطة أو حياكة تقليدية...، كما أن هناك زوجات من ذوات الدخل الجيد، طبيبات أو مهندسات أو محاميات أو.... يفضلن أزواجا محدودي الدخل، كي يستطعن بسط نوع من السيطرة، التي يدفعن مقابلها بعض المال للأزواج، وهو ما يشكل نقطة ضعف يعملن على استغلالها.
أما السيدة خديجة " ربة بيت "، فترى أن شراكة الحياة تعني الاشتراك في السراء والضراء، وتتساءل "هل استوعبنا التطورات الاجتماعية التي تشهدها البلاد؟"، مذكرة أن المجتمع التقليدي كان سليما من كل هذه البدع .
الداء والعدوى
والمؤكد أن الموضوع ليس حكرا على المجتمع المغربي، وإنما يتعداه إلى كافة البلدان العربية الإسلامية التي تعيش تطورات اجتماعية مماثلة. بل ويمتد ليشمل العالم الغربي. فقد أكدت دراسة أمريكية حديثة أن مرتب الزوجة أصبح من أبرز أسباب الخلافات الزوجية في بلاد العم سام. وعللت ذلك بسبب إصرار الزوجة أحيانا على عدم إدماج مرتبها مع مرتب زوجها في تغطية مصاريف الأسرة.
وأضافت هذه الدراسة، التي نشرت الصحف الأمريكية والدولية ملخصا لها في يوليو الماضي، أن إصرار الزوجة، من وقت لآخر، على التذكير أن لها دخلها المالي الخاص، أو التركيز على أن مرتبها يفوق مرتب الزوج، من الأمور التي تجرح كرامة الزوج، فلا يجد تنفسا لحالته النفسية غير اختلاق الخلافات والمنازعات، مما يتسبب في وقوع كثير من حالات الطلاق وأعمال العنف.
وذكرت الباحثة الأمريكية كارين روبنسون أنه بعد اقتحام المرأة مجالات العمل وضمانها دخلا خاصا بها، أصبح لزاما عليها أن تحترم مشاعر زوجها، ولا تتجاهل الجانب النفسي لشريك عمرها، حتى لا يتشتت شمل حياتهما الزوجية. وتنصح الزوجات أن يتفادين استخدام تعبيرات يمكن أن تجرح مشاعر الزوج، مثل "رصيدي في البنك" و"كيف أصرف مرتبي الشهري؟".