منهج الصحابة في التفسير

1 1659

لا شك أن من عاصر نزول الوحي، وعاصر من نزل عليه الوحي، وعاصر خير من فسر وطبق الوحي -وهو خاتم المرسلين- أعرف بمقصود كتاب الله وتفسير ما جاء به.

ولا شك أيضا أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا على درجة واحدة في فهم مقصود القرآن الكريم، كما لم يكونوا كذلك على درجة واحدة في تلقيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن بعضهم تلقاه منه مباشرة، وبعضهم تلقاه عن طريق غيره من الصحابة.

والمتأمل فيما نقل عن الصحابة من تفاسير لآيات قرآنية يجد أن مصادر تفسيرهم كانت تعتمد على القرآن أولا؛ لأن القرآن يفسر بعضه بعضا، ففيه آيات وردت على سبيل الإجمال، وفيه آيات جاءت مفصلة لذلك الإجمال؛ من أمثلة ذلك قوله تعالى: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون} (النساء:7) فهذه الآية أثبتت أصل التوارث دون أن تفصل القول فيه، ثم جاءت الآيات بعد ففصلت ما أجملته هذه الآية، وذلك في قوله تعالى في السورة نفسها: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} (النساء:11) وقوله كذلك: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم} (النساء:12) ونحو هذا كثير.

فإن لم يسعفهم ذلك رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلى ما نقل عنه، لأنه صلى الله عليه وسلم من وظيفته البيان والتبيان، كما قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (النحل:44) وهذا أوضح من أن يستدل عليه.

وإن لم يقفوا على شيء من بيانه صلى الله عليه وسلم اجتهدوا في تفسير كتاب الله؛ وقد صح عند البخاري من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه قال: (قلت لعلي رضي الله عنه: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال: لا، والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما أعلمه إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن).

ثم إضافة لما تقدم كان من مصادر التفسير عند الصحابة بعض أقوال أهل الكتاب، وكان الصحابة رضي الله عنهم يسألون بعض علماء أهل الكتاب، الذين أنعم الله عليهم ودخلوا في الإسلام، كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار، وغيرهما، بيد أن رجوع بعض الصحابة إلى أقوال أهل الكتاب لم يكن من الأهمية في تفسير كتاب الله ما كان للمصادر السابقة من أهمية، وإنما كان مصدرا ثانويا ليس إلا.

والذي يعنينا من كل ما سبق أن تفسير الصحابة للقرآن له أهمية بالغة في فهم المراد من كتاب الله عز وجل؛ لأنهم أقرب الناس عهدا بنـزول الوحي، وأقرب الناس إلى من نزل الوحي عليه، حتى إن بعض أهل العلم رأى أن تفسير الصحابة له حكم الحديث المرفوع، أي كأنه من تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا القول وإن كان لا يخلو من مبالغة ظاهرة، إلا أن فيه ما يدل على أهمية تفسير الصحابة، ومكانته في تفهم المراد من كتاب الله.

بقي أن نقول في ختام هذه العجالة، إن من أشهر مفسري الصحابة ابن عباس رضي الله عنه، وقد دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل) رواه الإمام أحمد. وقال فيه عبد الله بن مسعود: (نعم ترجمان القرآن ابن عباس) أما ابن عمر فيقول فيه: (ابن عباس أعلم أمة محمد بما نزل على محمد).

ومما ينبغي الإشارة إليه هنا أنه نسب ل ابن عباس كتاب في التفسير تحت عنوان "تنوير المقابس في تفسير ابن عباس"، ولم يثبت صحة هذا التفسير لابن عباس أحد من أهل العلم والتحقيق.

ومن مفسري الصحابة المشهورين أيضا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وكان من أوائل الذين دخل الإسلام قلوبهم، وكان كثير الملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحفظ الصحابة لكتاب الله، وكان رسول الله صلى الله وسلم يقول فيه: (من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل، فليقرأه على ابن أم عبد) رواه أحمد، وإسناده صحيح.

والآثار في ذلك كثيرة تشهد بعلو باعه رضي الله عنه في معرفة تفسير كتاب الله.

وإضافة لما ذكرنا، اشتهر من مفسري الصحابة علي، وأبي ابن كعب رضي الله عنهما، ولا يتسع المقام لتفصيل القول في ذلك، وفيما ذكرنا تنبيه لما لم نذكره.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة