الخادمة مشكلة تبحث عن حل

0 845

لا تزال " الشغالة " تشكل بؤرة توتر وإشكال في المجتمع الإسلامي ، وخصوصا في المجتمعات الخليجية ، وكثيرا ما تجاذب هذه المشكلة رؤيتان متناقضتان ؛ بين مؤيد ومعارض . في هذا السياق يأتي كتاب " حكايتي مع شغالتي " ليقدم (بالاعتماد على البحث الميداني ودراسات سابقة) رؤية لا تتسم بالواقعية فحسب ، بل يتداخل فيها الدين والأخلاق والاقتصاد بالواقع ، في مشكلة - هي أصلا - تتوزع بين هذه المستويات كشأن كثير من الظواهر الاجتماعية .

وطباعة الكتاب للمرة الرابعة لا تؤكد على أهمية المشكلة فقط ؛ بقدر ما تشير إلى الإقبال عليه ، ووقوعه موقعا حسنا لدى القارئ .
لكن يجب التساؤل في سياق الحديث عن " وجود الخادمة " هل يمكن لنا أن نفض الاشتباك بين كون الخادمة " حاجة " ، وبين كونها نوعا من التقليد ، و"التباهي" ؟ وهل يعتبر الحرص على وجودها تلبية لرغبة "سيادة " كامنة في نفس المرأة صاحبة المنزل تسعى لممارستها ، أم يكون قناعا "مختلفا" لكسل الزوجة وتقاعسها عن أداء مهامها ؟ وبعيدا عن كل ذلك هل هنالك "صلة ما " بين انتشار الخادمات وخروج المرأة للعمل ؟ أسئلة كثيرة كنا نود من المؤلفة أن تبحثها بعمق في بعدها الثقافي في صفحات كتابها .

يسعى المؤيدون لضرورة وجود الخادمة إلى التأكيد على فكرة " المساعدة " لسيدة البيت في القيام بمهامها ؛ ما يعود على الأسرة بالنفع من خلال تلبية احتياجاتها ، كما يصبح بمقدور الزوجة التفرغ للزوج ومتابعة الأبناء ؛ فضلا عن فوائد تقتضيها الظروف الخاصة كالمرض أو نحوه .
لكن هذا التبرير يحتوي على قدر كبير من التبسيط والاختزال ؛ إذ إنه يغض الطرف عن الإشكاليات التي يحدثها وجود "الخادمة" ؛ بدءا من مشكلة "الاختلاط" سواء بوجود الخادم أم الخادمة ؛ وهو لا يمكن تجنبه في كلا الحالين ؛ لأنه يتنافى مع طبيعة المهنة نفسها ؛ الأمر الذي أدى في كثير من الأسر إلى تجاهل أو تناسي "غربة" الخادمة أو الخادم والتعامل معها/معه على أنه واحد من أفراد الأسرة من حيث كشف المستور ، والبوح بالأسرار على مسمع منها !.

هذا الاختلاط يجرنا إلى معضلة "تربية الأبناء" (إما بالمباشرة أو بالتجاور والمشاهدة) تربية مختلفة إما ثقافيا أو دينيا أو اجتماعيا أو كلها معا ؛ لأن فئة الخادمات والسائقين ، عادة ما تكون من فئة ذوي التعليم المحدود، أو من ذوات التنشئة غير المرضية ، بل إن الاعتماد على الخادمة يساهم في إشاعة "الكسل" في أفراد الأسرة وعدم تحمل المسؤولية نتيجة الاتكال على الغير دائما ؛ الأمر الذي يتحول إلى ما يشبه حالة "الشلل" في حال غياب الخادمة ! فضلا عن أنه كثيرا ما يسبب جهالة البنات في الأمور المنزلية لكنهن لا يدركن ذلك إلا حين يتزوجن .
كما يجرنا إلى مخاطر أخلاقية نتيجة إلغاء الحواجز النفسية والاجتماعية وغيرها ؛ الأمر الذي ربما يفضي إلى إفشاء أسرار البيوت أو محاولات الابتزاز أو السرقة أو نحو ذلك . فضلا عن مخاطر "الدعارة المقنعة" بستار الخادمات !.

مشكلة أخرى "قيمية" نقع بها جراء استقدام الخادمات وقيام شركات متخصصة بذلك ؛ الأمر الذي يذكر بمرحلة المتاجرة بالعبيد في مرحلة الرق ، والأمر الأخطر أن بعض الأسر تتناسى أو تتجاهل "آدمية " الخادمة فتعاملها بدونية بغيضة رؤية وسلوكا .
وتأتي الإحصائيات لتؤكد فداحة المشكلة وتغلغلها في مجتمعاتنا ؛ حيث تبين أن 3% من العمالة المنزلية فقط من الدول العربية ، في حين أن 97% هي عمالة غير عربية.

وفي إحدى الدراسات الإحصائية تبين من العينة أن هناك 29% من الأسر السعودية لديها سائق خاص، وأن 77% من الأسر لديها خادمة في البيت.
أما في قطر فإن 16% من سكان البلد من المستقدمين للخدمة في البيوت . بل إنهم يتكلمون لغتهم الأصلية بدلا من العربية ، وهناك إحصائية تقول : إن 78% من العينة المدروسة أجابت بأنها تفهم كلام الخادمات بلغتهم الأصلية !.
وفي الكويت هناك مائتا ألف خادم لمليوني شخص !.

إن الذين يلحون على وجود الخادمة ، وتسيطر عليهم فكرة الحاجة إلى "مساعدة" ، لا بد أن يعوا ، وبالدرجة نفسها ، أن هذه الخادمة إنسانة لها حقوق إنسانية وشرعية عليهم تأمينها ومراعاتها بدءا من السكن المناسب إلى المعاملة والإحسان إليها ، ومنحها الثقة والأمان .
وتختم المؤلفة كتابها باقتراح حلول تجدها كافية لمعالجة هذه المشاكل تتلخص في إلقاء بعض المسؤولية على المجتمع ككل في تأمين دور حضانة للنساء العاملات ، والسماح بخروج الرجل من عمله لإحضار أو توصيل زوجته للعمل . لكن الكاتبة هنا تتغاضى عن مشكلة دور الحضانة نفسها ، والآثار السلبية لعمل المرأة لتعالج بها مشاكل الخادمات !
ومن الحلول أيضا - في نظر المؤلفة - تعاون أفراد الأسرة على خدمة أنفسهم قدر الإمكان وتوزيع المسؤوليات ، وعدم تقليد الأغنياء في استقدام الخادمات ، واقتصار استقدامهن في حالة الضرورة القصوى فقط. وتشكيل لجنة اجتماعية تقرر مدى الحاجة إلى استقدامهن.
ــــــــ
الخادمة .. مشكلة تبحث عن حل
الكتاب : حكايتي مع شغالتي
المؤلف: بثينة السيد العراقي
الناشر: دار طويق - الري

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة