زواج الكاسيت.. شقق مشتركة وحفلات في الكافتريا

1 781


تعددت صور الزواج العرفي في مصر وأخذت أشكالا مختلفة من التحايل على المجتمع والقانون. آخر هذه الصور كشفته الشرطة مؤخرا بعد القبض على مجموعة من الشباب والفتيات اخترعوا طريقة جديدة للزواج تعرف بـ "زواج الكاسيت". وقد كشفت الشرطة هذا الأمر حينما اقتاد أحد الضباط شابين وفتاتين تم ضبطهم في أوضاع مخلة بالطريق العام، وكانت المفاجأة عندما أعلن هؤلاء في محضر الشرطة أنهم متزوجون.
وبالسؤال عن قسيمة الزواج أخرجت إحدى الفتاتين شريط كاسيت وألقته في وجه الضابط وقالت: " هذا هو قسيمة زواجي من ع.ل" وهو الشاب الذي ضبط معها وبنفس الطريقة أعلن الشاب الآخر والفتاة التي برفقته عن زواجهما أيضا.
وتضيف الفتاة الثانية أنها مقتنعة بشرعية زواجها من "م.أ" الذي ارتبطت به عاطفيا منذ دخولها الجامعة، وحاولا ترجمة هذه العاطفة إلى معاشرة في الحلال، لكن الظروف كانت حائلا بينهما، فهما مازالا طالبين، مما اضطرهما للبحث عن مبرر شرعي، وذلك من خلال اتباع الطريقة التي لجأ إليها "م.أ" و " ع.ع" وهي الزواج عن طريق شريط الكاسيت.
**القائمة طويلة ومخاطر كبيرة:***
وتكمل المتهمة الثانية أنها ليست الأولى التي لجأت لهذه الطريقة، فهناك قائمة طويلة عريضة من الطلاب الجامعيين المتزوجين حاليا، منعتهم الظروف المادية من إتمام الزواج الشرعي لصعوبة بدء حياة جديدة ومستقرة.
ومخاطر ظاهرة زواج الكاسيت تعدت أسوار الجامعة إلى المدارس الثانوية، حيث كشفت هذه المجموعة أن بعضا منهم متزوج من طالبات مازلن في المدارس الثانوية. وكانت الكارثة الكبرى التي كشفت عنها التحقيقات في هذه القضية الغريبة هي أن إحدى المتهمات أو المتزوجات بالكاسيت حامل، فكيف سيكون مستقبلها ومستقبل ابنها؟ هي تقول: " لدي القناعة بأن زواجي حلال، وبالتالي ابني سيأتي في الحلال وليس العكس، وتضيف أن مصدر قناعتها بشرعية زواجها وبالتالي شرعية حملها، يعود إلى أن هذا الزواج توفرت كل أركانه، وهي الشهود والصداق والإشهار!!. فزوجي يعطيني المهر، وليس من المهم قيمته رغم أنه قليل، ويأتي بالشهود وعادة هم مجموعة من أصدقائنا، ويتم إشهار زواجنا في إحدى الكافتيريات، وهذا ما فعلناه بالضبط.

يقول "م.أ" أحد المتهمين في هذه القضية: بعد اقتناعنا بشرعية هذا الزواج عن طريق الكاسيت وإقدام العديد من أصدقائنا عليه، قررنا الارتباط بهذه الوسيلة، أما كيفية الزواج فتكون كالآتي: تبدأ أولا العروس بالتعريف بنفسها وعمرها وعنوانها ورقم بطاقتها وحالتها الاجتماعية، وإن كان سبق لها الزواج أم لا، وتؤكد أنها "بكر" وبنفس هذا التعريف يقدم الشاب نفسه أيضا، وبعد ذلك يأتي صوت الفتاة وبحضور شاهدين يتم الإعلان عنهما وبصوتيهما أيضا وبكافة بياناتهما، ويبدأ بعد ذلك "توقيع" عقد الزواج فتقول الفتاة: زوجتك نفسي على سنة الله ورسوله، ويعلن عن قيمة المهر المقدم لعروسه وهو ربع جنيه مصري 25 قرشا.
سألهم المحقق عن المكان الذي يمارسون فيه الخلوة الشرعية؟ وعندها أجابت المتهمة: " المجموعة التي أقدمت على الارتباط والزواج بهذه الطريقة اتفقت على استئجار شقة، مع وضع برنامج تنظيمي للوجود فيها. فنحن غير نادمين على الإقدام على هذه الممارسات؛ لأننا لا نراها حراما، وليست بالمخجلة، فزواجنا يتم باختيارنا وبوجود شهود، وأيضا يتم إشهار هذا الزواج، ولكن بين مجموعة محددة، وربما يعرف أصدقاؤنا المقربون فنقيم حفلات رمزية في أحد النوادي، وغالبا ما يتم عقد هذا الزواج أيضا في هذا النادي أو في تلك الشقة، فأين هو الحرام في كل ما ذكرت؟".
**الأزهر يقول:غير مقبول:***
حملنا هذا التساؤل إلى الشيخ محمد عبد العزيز السيد عضو لجنة الفتوى بالأزهر والمفتش العام للدعوة بالأزهر فقال: إن الشريعة الإسلامية لم تعن برابطة ما بقدر ما اعتنت بالزواج، وهو ليس محلا للاختلاف في كيفيته، وشروطه معلومة للقاصي والداني، وتقره الأعراف وله أركان أربعة إذا اختلت بطل الزواج، وهي: الولي، والشهود، والصداق، والإشهار.
وأي زواج غير الزواج المشهر وغير المسجل، والمشهود عليه هو زواج باطل، والحكم هنا واضح ولا يحتاج إلى تأويل أو استبيان، والوحيد الذي أجاز الزواج بدون ولي هو الإمام أبو حنيفة، رغم أن رأيه مردود عليه بعدة أحاديث كثيرة أشهرها قوله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت من غير إذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل".. وكرر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كلمة باطل ثلاث مرات.
ويضيف الشيخ عبد العزيز أن القانون المصري للأسف هو الذي يفتح الأبواب أمام هذه التقليعات وطرق التحايل.
فالقانون المصري يأخذ برأي أبي حنيفة بشرعية الزواج بدون ولي في القانون رقم 25 لسنة 1929م ولا يأخذ برأي جمهور العلماء، وهو ما أدى لانتشار الزواج العرفي ومثل هذه الزيجات الغريبة لعدم فهم الناس لقول أبي حنيفة رضي الله عنه. فهذه الزيجات من الناحية الشرعية باطلة أيضا في مذهب أبي حنيفة ؛ لأن الإمام اشترط الإشهار والصداق، وهذه الزيجات تفتقد هذا الشرط وهي حقوق المرأة المتزوجة فأين حقوقها في هذه الزيجات؟
**القانون الوضعي!!***
وحول نظر القانون والشرعية القانونية "الزواج الكاسيت" ومدى الاعتراف القانوني به يقول المستشار عبد الحميد سليم: إن قانون الأحوال الشخصية رقم 25 لسنة 1929م هو الذي فتح الباب أمام الزواج بدون ولي، وقانون الخلع والقوانين الشخصية التي اعترفت وأقرت الزواج العرفي، فعلى القياس بالزواج العرفي، من المفترض أن يؤخذ بهذا الزواج "الكاسيتي" لأنه يفي بشرط الإثبات والإقرار، كما يشترط قانون الأحوال الشخصية في حالات الزواج العرفي، ومن هنا فمع عدم الإنكار ووجود بيانات بزواج على الشريط، فمن المفترض أن يعتد به استنادا إلى القانون الأخير.
ورغم اعتماد مثل هذه الزيجات (بالقانون الوضعي) إلا أن المجتمع لا يعترف بها، ويعتبرها نوعا من "المشي البطال" بالإضافة إلى نظرته إلى الفتاة "المتزوجة" بالكاسيت نظرة دونية، وبالتالي لا تقدر على مواجهة المجتمع بهذا الزواج، بداية من عدم إخبار أسرتها وحتى انتهاء العلاقة؛ لأن الواقع النفسي لهؤلاء يكون متفهما فهم يحاولون إقناع أنفسهم أن هذا الزواج شرعي وقانوني، ويتم التحايل النفسي بذلك على الرغبات حتى تخرج.
ولكن عند التطبيق الفعلي الحقيقي لهذا الزواج تجدهم يتراجعون ولا يخبرون أحدا، فلا الأهل يعرفون؟!!، وحتى عندما يلتقون يكون اللقاء سرا وبعيدا عن أعين الناس. وهذا انفصام حقيقي يعيشه الشباب والفتيات المرتبطون بهذه الطريقة؛ لأن الحقيقة لديهم أن هذا الزواج باطل وهم غير مقتنعين به، وإنما هو حيل يحتالون بها على أنفسهم ونادرا ما تتم هذه الزيجات بالصورة الطبيعية التي رسمها الزوجان، وهي الاعتراف والتقدم للزواج رسميا، وهي إلى حد علمي لم تحدث، وكما أن الضرر النفسي يقع على الفتاة فينتقل الضرر النفسي أيضا إلى أسرتها من جراء ما جلبته البنت لهم من العار والفضيحة.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة