الدورة التاريخية الحرجة للأقلية المسلمة في أمريكا

0 818

تتعرض الأقليات المسلمة في الغرب عموما وفي الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص لهجمة شرسة غير مسبوقة منذ أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر.
ويتجلى ذلك بوضوح من خلال نظرة سريعة إلى التقارير الصادرة حول أوضاع هذه الأقليات والتي تقدم تصورا عاما عن المشاكل والصعوبات التي تمر بها الأقليات المسلمة في الغرب.
من آخر هذه التقارير في الولايات المتحدة ما أصدره مجلس العلاقات الأمريكية-الإسلامية (كير) بتاريخ 15/7/2003 حول حالات التمييز والاضطهاد ضد العرب والمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية. فقد أشار التقرير إلى أن حالات التمييز والاضطهاد ارتفعت بنسبة خمسة عشر بالمئة مقارنة بالعام الماضي، وأشار أيضا إلى ثبوت 602 حالة مسجلة مقارنة بـ 525 حالة خلال العام الفائت.
وتنوعت طبيعة هذه الحالات من الاعتداء على الأنفس بالقتل والضرب والتهكم، أو الاعتداء على الممتلكات بالإتلاف والتدمير والتخريب، ناهيك عن مقالات ومقابلات التشهير والتشويه التي يتعرض لها الإسلام والمسلمون والعرب بشكل شبه يومي في مختلف وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية.
إذا أردنا أن نفهم ما يجري للأقلية المسلمة في الولايات المتحدة الأمريكية في سياق تاريخ الأقليات المهاجرة إلى "العالم الجديد" فإننا لن نجد استثناءا إلا في درجة الاستعداء والكراهية وحسب.
فما جرى ويجري للأقلية المسلمة ليس بدعا في تاريخ الأقليات في الولايات المتحدة، فقد مرت الأقليات الدينية الأرثوذوكسية والمورمونية واليهودية، والأقليات العرقية الإيطالية والأيرلندية بمثل هذه المراحل حتى تم لها التمكين بعد الاضطهاد والتنكيل، ويبدو أنه جاء دور الأقلية المسلمة والعربية لتدخل دورة تاريخية مماثلة؛ هي دورة الاستعداء والاضطهاد التي لا بد وأن تستكمل دورتها وأن تبلغ مداها وأن تقدم ضحاياها، شأنها في ذلك شأن معظم الأقليات الدينية أو العرقية. ولا شك أن الشأن العربي والفلسطيني تحديدا له في ضمن هذه المحنة التاريخية للوجود الإسلامي والعربي خصوصة في المرحلة الراهنة لما في طبيعة الصراع العربي-الإسرائيلي من عمق على المستويين الداخلي والخارجي؛ حيث لا يخفى دور اللوبي الإسرائيلي الإعلامي في تعبئة الرأي العام ضد العرب والمسلمين، ودوره السياسي في الضغط والتأثير على صانعي القرار في الكونغرس والبيت الأبيض , وكذلك طبيعة التكوين السياسي للحكومة الأمريكية المحافظة التي تتقاطع رؤاها أيديولوجيا مع رؤى الصهيونية الإسرائيلية.
يضاف إلى ما سبق عنصر الأصولية المسيحية المتطرفة ذات الانتشار الواسع والتأثير البالغ ، هذا الثالوث غير المقدس ساهم بشكل بارز في تأجيج موجة العداء ضد العرب والمسلمين، وأخذ هذا العداء أشكالا مختلفة تمثلت بالدفع نحو استصدار حزمة من القوانين التي استهدفت -باسم حماية الأمن القومي- إلقاء القبض على أي شخص مشتبه دون إطلاعه على الأسباب القانونية الموجبة لذلك، ومن ثم وضعه تحت الحجز مدة غير محدودة، وعدم تمكينه من الاتصال بأي محام، والمحتجز معرض للترحيل خارج البلاد في أي لحظة مع تجريده من تابعيته الأمريكية، كما أباح القانون دهم المنازل واحتجاز الممتلكات الخاصة والتنصت على أي شخص من دون إذن قضائي. وانتشرت تعليمات وتوجيهات بين أفراد الشعب بأهمية الإبلاغ عن أي حالة اشتباه في محيطهم المجاور، وتم تشجيع العمال الذين يدخلون منازل الناس لتقديم الخدمات بإبلاغ السلطات عما رأوه وشاهدوه، وخاصة في بيوت الغرباء.
وكما هو متوقع فقد تم تكريس هذه القوانين والتعليمات ضد المسلمين والعرب تحديدا، وبدأت مظاهر التمييز والاعتداء والاضطهاد على المستوى الحكومي والشعبي تظهر في صفوف الأقلية المسلمة والعربية جماعات وأفرادا. ونتيجة لذلك برزت تحديات جديدة تحتم على الوجود الإسلامي والعربي التعامل معها في ضوء الظروف والمعطيات الجديدة.
ومن ضمن هذه التحديات يمكننا ذكر ما يلي:
· العمل على نقض أو تعديل قانون مكافحة الإرهاب المعروف بـ PATRIOT Act الذي تم إقراره عقب أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر وكان هدفه منح السلطة التنفيذية مساحة أوسع في سبيل مكافحة الإرهاب ومنع أي اعتداء محتمل ضد الولايات المتحدة الأمريكية. وإذا كان لهذا القانون ما يبرره عندهم فإن المشكلة تكمن في إساءة استخدام السلطات الممنوحة، وتوظيفها في اضطهاد جهة معينة، والتجاوزات السافرة للحقوق المكفولة بالدستور على نحو ما ذكرنا سابقا؛ كل هذا يستدعي من الأقلية المسلمة والعربية محاربة هذا القانون بالطرق المشروعة بما في ذلك أساليب التأثير والضغط المتنوعة مثل تشكيل التحالفات فيما بين المنظمات الإسلامية والعربية وبين تنظيمات المجتمع المدني الأخرى التي تشاركنا الهم نفسه، وتدريب أبناء المسلمين والعرب على كيفية عرض المظالم النازلة بالشكل الأمثل عن طريق نشر الوعي بالحقوق والواجبات الدستورية وبيان تجاوزات القانون المذكور لمبادئ الدستور من حيث النص والممارسة العملية.
· محاربة الصورة النمطية التي تعرضها وسائل الإعلام المتنوعة عن الإسلام والمسلمين والعرب التي تم تكريسها في تأجيج العداء والتمييز ما أدى إلى إلصاق وإدخال بعض التعبيرات والمفاهيم المغلوطة بشكل متعمد في التكوين الإدراكي للوعي الشعبي الأمريكي. فقد دخلت مفردات جديدة مثل "مدرسة" و "وهابية" و "سلفية" و "فتوى" و "جهاد" و "دار الحرب والإسلام" و "الحوالة" في ضمن مفردات الثقافة العامة وارتبطت هذه المفردات وغيرها بالممارسات الشريرة التي تهدد البشرية.
ومن جهة أخرى، فقد تم الاعتداء على نصوص القرآن الكريم وشخص النبي صلى الله عليه وسلم وتعاليم الإسلام. هذا بدوره استلزم القيام بحملة تعليمية وتثقيفية تبين للناس حقيقة ما يدعو إليه الإسلام وما يسعى إليه المسلمون.
ومن أهم الوسائل الموصلة لتحقيق هذا الهدف هو دخول مجال الإعلام من أوسع أبوابه وعلى كافة مستوياته الوطنية والمحلية. ومن ذلك أيضا فتح قنوات الحوار والنقاش على المستوى الأكاديمي وعلى مستوى "بيوت الخبرة" أو ما يسمى بـ Think-tank
· مواصلة دعم المؤسسات الإسلامية والعربية القائمة وتنشيط أدائها، وتشكيل مؤسسات سياسية وحقوقية وإعلامية وثقافية أخرى تقوم على سد الثغور بحيث تكفي مؤونة الدفاع والبيان والبلاغ المبين. ولا يخفى في هذا الإطار مدى أهمية التنسيق بين هذه المؤسسات بحيث تشترك في الأهداف والخطوط العامة للعمل على مواجهة التحديات المتواصلة.
وجدير بالذكر أن سياسة تجفيف المنابع وتخويف الناس من المساهمة في دعم المؤسسات الإسلامية والعربية ماديا ومعنويا بدعوى الشك في مساندة هذه المنظمات للإرهاب أدى إلى نقص مؤقت في الموارد البشرية والمادية نتيجة الخوف، غير أن الواقع يشهد بأن التفاف المسلمين والعرب ودعمهم لمنظماتهم، وخاصة النشطة والجادة منها يعكس وعي الأقلية المسلمة والعربية على أهمية الدور الذي تقوم به هذه المنظمات في سبيل دفع الاضطهاد ورفع الظلم والمطالبة بالحقوق حسب ما نص عليه الدستور والقانون.
يبقى أن فرص الانفتاح السياسي والثقافي ومعرفة الواقع في الولايات المتحدة هي المعول -بعد عون الله تعالى- على تجاوز هذه المرحلة التاريخية الحرجة التي لا يدري أحد كم ستطول وإلى أي مدى ستبلغ.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة