عمر بن عبد العزيز زاهد العلماء وعادل الأمراء

1 1628

عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الخليفة الزاهد العادل، الراشد الخامس ، مجدد القرن الثاني ، كان مضرب المثل في الزهد والصلاح والعدل والورع .
بويع عمر بالخلافة بعهد من سليمان بن عبد الملك وهو ابن عمه ، فتسلم الخلافة سنة 99 هـ ، ومكث فيها سنتين وخمسة أشهر ، ملأ الأرض فيها عدلا ورد المظالم إلى أصحابها ، وسلك فيها مسلك الخلفاء الراشدين، وأحيا الله به السنن التي تركت ، وقمع به البدع التي انتشرت .

زهده
ــ لما تلقى عمر بن عبد العزيز خبر توليته، انصدع قلبه من البكاء، وهو في الصف الأول، فأقامه العلماء على المنبر وهو يرتجف، ويرتعد، وأوقفوه أمام الناس، فأتى ليتحدث فما استطاع أن يتكلم من البكاء، قال لهم: بيعتكم بأعناقكم، لا أريد خلافتكم، فبكى الناس وقالوا: لا نريد إلا أنت، فاندفع يتحدث، فذكر الموت، وذكر لقاء الله، وذكر مصارع الغابرين، حتى بكى من بالمسجد.
يقول رجاء بن حيوة: والله لقد كنت أنظر إلى جدران مسجد بني أمية ونحن نبكي، هل تبكي معنا !! ثم نزل، فقربوا له المراكب والموكب كما كان يفعل بسلفه، قال: لا، إنما أنا رجل من المسلمين، غير أني أكثر المسلمين حملا وعبئا ومسئولية أمام الله، قربوا لي بغلتي فحسب، فركب بغلته، وانطلق إلى البيت، فنزل من قصره، وتصدق بأثاثه ومتاعه على فقراء المسلمين.
ــ ثم نزل في غرفة في دمشق أمام الناس؛ ليكون قريبا من المساكين والفقراء والأرامل، ثم استدعى زوجته فاطمة، بنت الخلفاء، أخت الخلفاء ، زوجة الخليفة، فقال لها: يا فاطمة، إني قد وليت أمر أمة محمد عليه الصلاة والسلام - وتعلمون أن الخارطة التي كان يحكمها عمر، تمتد من السند شرقا إلى الرباط غربا، ومن تركستان شمالا، إلى جنوب أفريقيا جنوبا - قال: فإن كنت تريدين الله والدار الآخرة، فسلمي حليك وذهبك إلى بيت المال، وإن كنت تريدين الدنيا، فتعالي أمتعك متاعا حسنا، واذهبي إلى بيت أبيك، قالت: لا والله، الحياة حياتك، والموت موتك، وسلمت متاعها وحليها وذهبها، فرفعه إلى ميزانية المسلمين.

خوفه من التقصير في خدمة المسلمين
ــ وكان يستشعر عظم المهمة التي حملها فكان بعد رجوعه من جنازة سليمان مغتما فسأله مولاه : مالي أراك مغتما ؟ قال : لمثل ما أنا فيه فليغتم ، ليس أحد من الأمة إلا وأنا أريد أن أوصل إليه حقه غير كاتب إلى فيه ولا طالبه مني .
ــ وذات يوم دخلت عليه امرأته وهو في مصلاه تسيل دموعه على لحيته فقالت يا أمير المؤمنين ألشيء حدث ؟ قال : يا فاطمة إني تقلدت من أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم أسودها وأحمرها فتفكرت في الفقير الجائع والمريض الضائع والعاري والمجهود والمظلوم والمقهور والغريب والأسير والشيخ الكبير وذي العيال الكثير والمال القليل وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد فعلمت أن ربي سائلي عنهم يوم القيامة فخشيت ألا تثبت لي حجة فبكيت .

بالعدل لا بالقهر يصلح الناس
ــ كان أول مرسوم اتخذه، عزل الوزراء الخونة الظلمة الغشمة، الذين كانوا في عهد سليمان، استدعاهم أمامه وقال لشريك بن عرضاء: اغرب عني يا ظالم رأيتك تجلس الناس في الشمس، وتجلد أبشارهم بالسياط ، وتجوعهم وأنت في الخيام والإستبرق .
ــ وفي أحد المواقف كتب إليه واليه على خراسان واسمه الجراح بن عبد الله يقول : إن أهل خراسان قوم ساءت رعيتهم وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ذلك فكتب إليه عمر : أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط فقد كذبت بل يصلحهم العدل والحق فابسط ذلك فيهم والسلام.

صورة رائعة من عدل عمر بن عبد العزيز
بينما عمر بن عبد العزيز يطوف ذات يوم في أسواق " حمص " ليتفقد الباعة ويتعرف على الأسعار، إذ قام إليه رجل عليه بردان أحمران قطريان وقال:
يا أمير المؤمنين..
لقد سمعت أنك أمرت من كان مظلوما أن يأتيك .
فقال: نعم .
فقال: وها قد أتاك رجل مظلوم بعيد الدار .
فقال عمر: وأين أهلك ؟
فقال الرجل: في "عدن "
فقال عمر: والله، إن مكانك من مكان عمر لبعيد .
ثم نزل عن دابته، ووقف أمامه وقال : ما ظلامتك ؟
فقال: ضيعة لي وثب عليها رجل ممن يلوذون بك وانتزعها مني .
فكتب عمر كتابا إلى "عروة بن محمد " واليه على "عدن" يقول فيه: أما بعد: فإذا جاءك كتابي هذا فاسمع بينة حامله، فإن ثبت له حق، فادفع إليه حقه .
ثم ختم الكتاب وناوله للرجل .
فلما هم الرجل بالانصراف قال له عمر: على رسلك.. إنك قد أتيتنا من بلد بعيد .. ولا ريب في أنك استنفدت في رحلتك هذه زادا كثيرا ..
وأخلقت ثيابا جديدة .
ولعله نفقت لك دابة.
ثم حسب ذلك كله، فبلغ أحد عشر دينارا، فدفعها إليه وقال: أشع ذلك في الناس حتى لا يتثاقل مظلوم عن رفع ظلامته بعد اليوم مهما كان بعيد الدار.

وفاته
توفي عمر بن عبد العزيز من أثر السم بدير سمعان ( بحمص ) سنة 101هـ في 24رجب ، وله من العمر 39سنة .

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة