- اسم الكاتب:الأراضي المحتلة - وائل بنات
- التصنيف:قضايا شبابية
تدور الأرض حول محورها، والكل في سبات عميق، ما عدا جندي إسرائيلي متيقظ لطفل حمل حقيبته المدرسية بأقلامه وكتبه ودفاتره، متجها صوب مدرسته التي اخترق الرصاص جدرانها، أو شطرت شظايا الصواريخ جدرانها، فإن غافل الجندي نجا وواصل طريقه إلى مقعده في الفصل وبجواره مقعد شاغر زينته أكاليل الزهور لزميل له نال منه رصاص جنود الاحتلال أثناء لهوه أمام ساحة بيته أو أثناء عودته أو ذهابه للمدرسة.
مراسل "الشبكة الإسلامية" في الأراضي المحتلة رصد معاناة النشء الفلسطيني الدراسية العام الماضي في ظل ظروف الاحتلال والقمع اليومي في التحقيق التالي:
**أطفال رحلوا بلا عودة***
تفيد المجموعة الفلسطينية للحفاظ على حقوق الإنسان أنه قد استشهد 294 طفلا فلسطينيا خلال العامين الماضيين من الانتفاضة برصاص جنود الاحتلال، وهؤلاء لن يصلوا مرة أخرى للمدرسة.
وفي العطلة الصيفية استشهد 23 طفلا بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي، سبعة منهم استشهدوا في شهر تموز، و16 آخرون في آب.
جميل وأحمد أبو عزيز استشهدا من قذيفة دبابة أثناء ركوبهما على دراجتهما الهوائية في شوارع جنين.
وفي ظل هذه المعطيات فإن كل أم فلسطينية ترسل أطفالها إلى المدرسة في الشوارع التي تتجول فيها الدبابات والآليات العسكرية والمجنزرات تعرف أنها تعرضهم لخطر كبير.
وإلى هؤلاء الشهداء يضاف طبعا الأطفال الجرحى الذين بلغوا 2610 جريحا والمعوقون الذين لا يعرف أحد عددهم الدقيق، والذين لا يوجد للأغلبية منهم فرصة للحصول على علاج تأهيلي معقول.
هناك مثلا الصبي نور إسماعيل الذي فقد ساقيه نتيجة لانفجار غامض بجانب بيته حيث استشهد أخواه فيه، وهو الآن يلازم منزله بينما لا يستطيع والداه شراء ساقين صناعيتين له.
كما أن مصير الأطفال الأصحاء يبعث على الأسى، فقد قضوا أغلبية العطلة الصيفية تحت حظر التجوال مسجونين في اكتظاظ وقيظ في منازلهم ومن دون ألعاب مسلية في العادة أو حاسوب أو ألعاب تلفزيونية أو كتب، وبعضهم تقريبا موجود في وضع اعتبرته وكالة الإغاثة الأمريكية "وضع سوء تغذية".
أغلبهم يحظون فقط بالطعام الأساسي - الخبز والأرز والزيت- دون خضار أو فواكه أو لحوم أو منتجات الحليب، أما الحلويات وغيرها من المسليات الطفولية فحدث ولا حرج.
في مخيم الدهيشة للاجئين الفلسطينيين مثلا كان الأمر المثير الوحيد في عطلة الأطفال الصيفية المنصرمة هو رشق الحجارة اليومي على المجنزرات التي تعلن عن فرض حظر التجول، وهذه كانت لعبة خطيرة.
خلال أيام حظر التجول شاهد الأطفال أهاليهم وهم يجلسون عاطلين عن العمل مهانين أذلاء ومحبطين، بينما كانوا مسجونين في منازلهم، شاهد بعضهم من النوافذ أطفال المستوطنين وهم يسبحون ويمرحون في برك السباحة الخاصة بهم في الوقت الذي لا توجد فيه مياه للشرب في صنابير منازلهم إلا مرة في الأسبوع.
في الأيام التي فرض فيها حظر التجول حكم على هؤلاء الأطفال بأن يسجنوا في مدنهم وقراهم دون أي إمكانية للخروج لزيارة صديق أو قريب في القرية المجاورة.
الكثير من هؤلاء الأطفال يعانون أيضا من الصدمات النفسية، فمشاهد الدمار والقتل التي شاهدوها في مخيم جنين للاجئين أو في حي الدرج بغزة حيث ألقيت قنبلة بوزن طن، ستبقى محفورة في ذاكرتهم إلى الأبد، وحتى من لم يشاهد القتل والدمار عن كثب فقد تعرض للمشاهد المريعة التي تبث بلا توقف على شاشات التلفاز.
بعض المدارس أيضا تضررت حسب معطيات وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، فقد لحق الضرر بـ 145 مدرسة من رصاص ونيران جيش الاحتلال، فمدرسة عبد المجيد تايه في ضواحي طولكرم مثلا والتي حظيت في السنوات الأخيرة باسم مدرسة السلام دمرت جزئيا من قذائف الدبابات، وقسم من المعلمين لم يستطع الوصول إلى المدرسة بسبب حظر التجول أو الحصار، كما أن التلاميذ يمنعون في مرات عديدة من الوصول إلى المدارس وستتشوش السنة الدراسية مرة أخرى بصورة كاملة.
وتقول ديما السمان مدير العلاقات العامة والإعلام في وزارة التربية والتعليم العالي: "أصدر جيش الاحتلال أوامر عسكرية بإغلاق سبع مدارس، وعطل التعليم في 850 مدرسة، وتم اقتحام 197 مدرسة و3 مديريات تربية وتعليم، واستمر في تحويل ثلاث مدارس في الخليل إلى ثكنات عسكرية، وما زال يحتل 52 مدرسة محولا إياها إلى معتقلات، كما تم اعتقال 166 طالبا و57 معلما.
**طريق الموت***
ولم تشفع البراءة لطلبة المدارس بزيهم المدرسي عند محاولتهم المرور عبر الحواجز الإسرائيلية للحاق بمدارسهم في الموعد المحدد.
فطلبة المدارس الذين لا يملكون سلاحا أقوى من القلم والكتب المدرسية تبوء محاولاتهم بالفشل الذريع في إقناع الجندي الإسرائيلي المدجج بالسلاح لعبور الحاجز العسكري، إذ يقابلهم بكلمتين فقط: "ممنوع الدخول".
وكان "محمد" الطالب في الصف السادس الابتدائي وصل حاجز كوبرا العسكري على طريق طوباس- تياسير في السادسة صباحا، حتى يتمكن من الوصول إلى مدرسته في الموعد المحدد، لكنه فشل في تحقيق رغبته البسيطة، كالعشرات من الطلبة القادمين من قرية المالح، ومضارب البدو في واد المالح وعين الحلوة.
وأضاف محمد أنه اضطر وزملاؤه إلى الالتفاف على الحاجز العسكري وإكمال الطريق سيرا على الأقدام، رغم ما يكتنف رحلتهم من تعب ومشقة.
وتقول الطالبة سهاد في الصف العاشر: إن فرض هذه الإجراءات التعسفية كان من شأنه حرماني من حقي في إكمال تعليمي قبل عامين، ولكن بالتحدي والإرادة ومساعدة الأهل، فشلت الحواجز والممارسات التعسفية في النيل من إرادتي.
وأشارت سهاد إلى أن فتيات كثيرات من منطقة المالح ومضارب البدو الرحل، حرمن من التعليم بسبب الظروف غير الطبيعية والمخاطر الكبيرة، والتي لا يحتملها ذوو الطلبة، مشيرة إلى أن تفوقها ومرافقة أخيها لها شكلا العامل الرئيس في إقناع والديها بمواصلة مسيرتها التعليمية.
وأكد السيد مثقال بني عودة مدير مدرسة تياسير الأساسية للذكور"أنه من شأن هذه الإجراءات التعسفية التي تتمثل في إغلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي للطرق الأساسية، أن تؤثر سلبيا على التحصيل العلمي للطلبة، حيث يضطر الطلاب إلى السير على الأقدام والانتظار لساعات طويلة على الحواجز العسكرية، مشددا على أنهم لا يملكون سلاحا أقوى من كتبهم المدرسية للسير على طريق الموت والآلام للحاق بمدارسهم.
**معلمون تحت الشمس***
ويعيق جنود الاحتلال عند الحواجز مرور المعلمين في الطريق إلى مدارسهم أو في طريق عودتهم بعد انتهاء اليوم الدراسي، ويضطرونهم للوقوف ساعات طويلة تحت أشعة الشمس المحرقة.
فبينما تعامدت الشمس على الأرض كان طابور طويل من المدرسات يمتد أمام حاجز حوارة العسكري بانتظار السماح لهن بالمرور إلى مدارسهن جنوب وشرق مدينة نابلس.
أربع ساعات من الانتظار أصابت المعلمة عايدة أبو ذراع بضربة شمس سقطت على إثرها أرضا، فسارعت زميلاتها اللواتي أرهقهن طول الانتظار إلى رش وجهها بالماء، إلى أن وصلت سيارة إسعاف ونقلتها إلى المستشفى.
تقول إحدى المعلمات : "لقد وصلنا معا إلى الحاجز عند السابعة صباحا، ومنذ ذلك الوقت ونحن ننتظر في طابور طويل".
وأضافت : "لقد أبلغونا أن باستطاعتنا المرور عبر الحاجز، وعندما وصلنا إليه تبين أن الأمر ليس بهذه السهولة، فقد احتجزونا منذ الصباح، حتى ساعات الظهر عند اقتراب موعد الدوام الرسمي على الانتهاء دون أن نتمكن من الوصول إلى مدارسنا".
وكان الجانب الإسرائيلي قد أبلغ الارتباط الفلسطيني بأنه سيتم السماح للمعلمين والتلاميذ بالمرور عبر الحواجز العسكرية إلى مدارسهم، لكن عند التطبيق تلاشى كل شيء.
وقد تعمد الجنود الإسرائيليون إعاقة مرور المعلمين والتلاميذ على السواء عبر الحواجز.
وروى سكرتير مدرسة فدوى طوقان الثانوية في نابلس إبراهيم طاهر أنه حاول الدخول إلى نابلس من ثلاثة مداخل ولم ينجح سوى في المرة الأخيرة.
وقال طاهر الذي يقيم في قرية وادي الباذان الواقعة على بعد سبعة كيلو مترات شمال نابلس : "تحركت من منزلي عند الخامسة صباحا ووصلت عند الحادية عشرة بعد أن سرت في طرق التفافية طويلة".
وتابع يقول : "لقد حاولت دخول المدينة من حي المساكن الشعبية شمالا، فأطلقت دبابة ترابط على مدخل المدينة النار علينا، عندها عدت إلى قريتي وسلكت طرقا أخرى باتجاه قرية زواتا غربا، فوجدت مجموعة من المعلمين عائدين بعد أن منعهم الجنود من المرور، فعدت معهم وتوجهنا إلى الأغوار ومنها إلى مدخل شرق نابلس حيث تمكنا من الدخول بعد الالتفاف حول دبابة تغلق الطريق".
وقد تعرض مدير المدرسة ذاتها مصطفى الحشايكة وهو من قرية طلوزة لتجربة مماثلة، وقال : "لقد سرت ثلاثة كيلو مترات حتى تمكنت من الوصول إلى المدرسة".
وأضاف : "نصف المعلمين من القرى لم يتمكنوا من الوصول، فيما تأخر من حضروا عن موعد الدوام لعدة ساعات.
والأمر ذاته ينطبق على طلبة المدرسة القادمين من القرى الذين لم يتمكن سوى عشرة بالمائة منهم من الوصول حسب المدير.
وقالت جمان قرمان، مديرة التربية والتعليم في نابلس التي تخضع لنظام حظر التجول عليها منذ ما ينوف عن شهر ونصف، إن المعلمين والمعلمات والطلبة يواجهون صعوبات كبيرة في الوصول إلى مدارسهم.
وتابعت : "نحن أمام امتحان الإرادة ولن نستسلم أمام أية إعاقة وتأخير، وسنواصل أداء رسالتنا مهما كلفنا الأمر".
وفي جنين تحول إجراءات قوات الاحتلال دون وصول عشرات الآلاف من الطلبة والمعلمين إلى مدارسهم".
ففي مدينة جنين لم يتمكن جميع طلبة المدينة ومخيمها من الوصول إلى مدارسهم بسبب حظر التجول الذي فرض في اليوم الأول من العام الدراسي الجديد.
وقال مدير التربية والتعليم في جنين محمد أبو الرب: إن حظر التجول حال أيضا دون وصول معلمين وطلبة من وإلى مناطق سكنهم ومدارسهم".
**ذكريات أليمة***
وقد بدأ الطلبة عامهم الدراسي الجديد قبل نحو أسبوعين بتذكر زملائهم الذين استشهدوا وفارقوهم إلى الأبد، وأولئك الغائبين بسبب الاعتقال أو إصابتهم برصاص قوات الاحتلال.
فقد عادت طالبات مدرسة قرطبة في الخليل ليجدن مقعد زميلتهن نيفين جمجوم (14 عاما) فارغا، وهي التي استشهدت خلال العطلة الصيفية في نهاية شهر تموز من العام الماضي.
وعاد طلاب مدرسة ذكور "بيت أمر" الثانوية في المدينة ليجدوا أكاليل الزهور تزين مقعد زميلهم الشاب مراد جمال علقم الذي استشهد في الرابع من حزيران العام الماضي.
ووصف جهاد عوض مدير مدرسة بيت "أمر الثانوية" عودة الطلبة إلى المدرسة في غياب زميلهم بقوله: "من الصعب تصور حالة الطلبة النفسية والذهنية حين يعودون إلى صفهم الدراسي ويجدون مقعد زميلهم فارغا".
والآن ماذا تبقى لهؤلاء الطلبة فلا يوجد لهؤلاء الأطفال ما يتوقعونه من حياتهم أصلا، وكل هذه الأمور ستحمل في صدور الأطفال الفلسطينيين، بينما لن يقتصر ثمن ذلك عليهم وحدهم.