الأرملة والمجتمع

0 1074

مات الزوج، التف الجميع حولها معزيا ومواسيا، وما أن انتهت أيام العزاء حتى وجدت نفسها وحيدة أمام مأساتها ومسئولياتها الجديدة، وبالإضافة إلى هذه المعاناة تبدأ معاناة من نوع آخر، معاناتها من نظرة المجتمع لها لكونها بلا زوج، فيحسبون عليها حركاتها وسكناتها.
فما هو موقف المجتمع من الأرملة؟ وما تقييم الأساتذة المتخصصين لهذه النظرة؟

 هذا ما سيجيب عنه التحقيق التالى:
مسئولة عن صورتها
يقول د. حمدى ياسين - أستاذ علم النفس الاجتماعى بجامعة عين شمس - إن الرؤية تعتمد على طبيعة وثقافة وأخلاقيات هذا المجتمع، ومدى التزامه بدينه، والخبرات التى مر بها فى الأسرة من تعرض أمه، أو أخته للترمل، فيكون حكمهم على المرأة صحيحا وثاقبا.
وتسهم الأرملة نفسها فى بلورة هذه النظرة سلبا أو إيجابا، فإذا كانت هذه السيدة "الأرملة" وفية لزوجها، مكافحة مع أولادها، فإنها غالبا ما تلقى المساندة والتأييد، والتعاطف من قبل الآخرين لدعم رسالتها، واستكمال رحلتها فى تربية أبنائها ورعايتهم والعكس صحيح.
ويضيف د. حمدى ياسين أن الوعى والثقافة الدينية للمحيطين بالأرملة يلعبان دورا كبيرا فى تشكيل الصورة الاجتماعية بحيث لا يأخذون الناس بالشبهات، ولا يتسرعون فى قذف المحصنات، والحكم عليهن بلا بينة.

ويرى أن الصورة الإيجابية للأرملة تساعدها على الانخراط والتفاعل مع الآخرين فى العمل، وبين الجيران، والأقارب، وبدلا من أن تجلس وحيدة تجتر الماضى وذكرياته، وتكون مرتعا لوسوسة الشيطان، تحاول أن تخلق لنفسها جماعات مرجعية بشرية سوية، تكون بمثابة إسعافات سريعة لتضميد جراحها، وضمان عودتها للبداية الصحيحة بعد ترتيب أوراقها.
أما د. نبيل السمالوطى - عميد كلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر سابقا - فيعرف الأرملة بأنها سيدة قدر لها أن تفقد زوجها وسندها وعائلها، ويستتبع التعريف أن تناول رعاية المجتمع المسلم الذى ينبغى أن يكفلها كفالة سوية هى وأبناءها، ويقرر أن المجتمع العربى مازال ينظر للأرملة نظرة تعاطف وتراحم باعتبارها ذات ظروف خاصة، وتحتاج لمن يساندها، ويدعم كفاحها.
ويرى د. السمالوطى أن هذه النظرة الإيجابية للأرملة قد تتغير نوعا ما إذا أقبلت الأرملة على الزواج مرة أخرى فيعتبرها الآخرون جاحدة، وغير وفية لذكرى زوجها أو غير حريصة على أبنائها.
برغم أن هذا الزواج حق أساسى أجازه لها الشرع بعد انتهاء العدة، خاصة إذا كانت فى مقتبل العمر، ولديها أطفال بحاجة إلى رعاية الأب، فلها أن تتزوج لكى تعف نفسها، وتكمل حياتها فى ظل أسرة طبيعية، وعلى الزوج أن يكون رءوفا رحيما بهم، وأن تكون لديه القدرة على التعامل معهم، بحيث يحل محل الأب فى حياتهم، أما الحالات التى تظهر فى صفحات الحوادث من أن زوج الأم يطرد أولادها، أو أن الأم "الأرملة" تتخلى عن رعاية أبنائها ما هى إلا حالات استثنائية شاذة لا يمكن القياس عليها فى تحديد موقف المجتمع من زواج الأرملة.
ولكن إذا كان زواج الأرملة حقا شرعيا لها، فإن الأفضل لها أن تعكف على تربية أبنائها وتحيطهم برعايتها.

الإعلام ظلم الأرملة
ويقول د. السمالوطى: إن الإعلام ظلم الأرملة فأظهرها متسيبة أخلاقيا، وعلى الإعلام أن يتقى الله فيما يعرض، ينبغى عليه أن يعرض ما يجب أن يكون عليه دور وصورة الأرملة حتى تصبح قدوة لغيرها؛ لأن وسائل الإعلام تؤثر فى تشكيل القيم والسلوك والتوجهات سواء فيما يتعلق بزواج الأرملة، أو كفاحها حتى لا يشوه هذه الصورة المشرفة.

**مشكلات من جوانب متعددة***
وتذكر الأستاذة منال عبد العال - المدرسة بقسم الاجتماع بآداب القاهرة - أن نظرة المجتمع للمرأة التى بلا زوج أرملة أو مطلقة واحدة، إلا أنها بالنسبة للأرملة تبدأ بالشفقة، وللمطلقة بالتوجس والشك، ومن ثم فإن النظرة للأرملة أرق؛ نظرا لأنها فقدت العائل لظرف خارج عن إرادتها، وتواجه الأرملة مشاكل عدة:
أولا: من ناحية أهل الزوج، فلو أرادت أن تتزوج ولديها أبناء تبدأ مشاكل الحضانة، وأحيانا يطلب أهل الزواج منها الزوج من أحد أفراد العائلة، وذلك من أجل الأولاد، كما أنها تصبح مصدر قلق لنساء العائلة خوفا على أزواجهن.
ثانيا: ومن ناحية أهل الزوجة فإنها تخضع لرقابة صارمة خوفا عليها إذا لم تنتقل إلى بيت أهلها، وظلت فى بيت الزوجية، وقد يكون الأمر سهلا إذا كانا الأبوان أحدهما، أو كلاهما على قيد الحياة، ولكنه يكون صعبا إذا كانا قد توفيا.
ثالثا: تسوء علاقات الجوار والصداقة إلى حد كبير وتخشى أى امرأة أن ينظر زوجها إلى هذه الأرملة.
الحاجة إلى الزواج
أما نفسية الزوجة فتحدثت عنها د. آمنة أبو كيفة - إخصائية العلاج النفسى بالعيادة النفسية جامعة عين شمس - فتقول: لاشك أن الزوج هو العائل والسند، والمرأة حينما تفقد هذا السند يحدث لها عدم اتزان لفترة، ثم تصبح إحدى اثنتين، إما أن تتماسك أو تنهار، والمرأة المسلمة العربية عامة لديها قوة وإرادة، وتتحمل الصدمات، وتستطيع أن تقوم بدور الأم والأب، خاصة إذا كانت عاملة.
ومن الناحية النفسية تتعرض الزوجة لفراغ عاطفى، وكذلك الأبناء نتيجة لغياب الزوج، وهنا تأتى حاجة المرأة إلى الزواج لتسد هذا الفراغ، وأحيانا تواجه المرأة حين ترغب فى الزواج مشكلات نتيجة ضغوط المجتمع، والخوف على الأبناء، فتعيش فى صراع بين حاجتها وخوفها على الأبناء، وقد يتغلب حب الأبناء والخوف عليهم على رغبتها فى الزواج أو تتطور الصراعات داخلها إلى قلق وإحباط، واكتئاب، وينعكس ذلك كله على أبنائها، والمحيطين باعتبارهم السبب الذى يحول دون سعادتها، وعلى ذلك ينبغى على المجتمع أن يساعد المرأة على الزواج إذا رغبت فى ذلك، ولا يعد ذلك نكرانا للشريك الراحل، أو جحودا منها، والأبناء، والأقارب أولى الناس بذلك.
رؤية شرعية
وعن الرؤية الشرعية لزواج الأرملة يحدثنا الدكتور عبد العزيز رمضان سمك - الأستاذ المساعد بقسم الشريعة حقوق القاهرة - فيقول: إن الإسلام يراعى الفطرة البشرية، ومن ثم أحل زواج الأرملة، وجعل لها فترة عدة، وهى أربعة أشهر وعشرة أيام، أو وضع الحمل لو كانت حاملا، وقد تزوج الرسول (صلى الله عليه وسلم) من أرامل ومنهن أم سلمة، التى عرض عليها الخطبة فقالت ليس من أهلى أحد حاضر، فقال لها ليس من أهلك حاضر، ولا غائب ينكر هذا الزواج، فقالت لابنها قم فزوج رسول الله.

ويضيف: أن القرآن أباح خطبة المعتدة أثناء العدة، ولكن بالتلميح والتعريض وليس التصريح. والزواج حصن للمرأة والرجل معا، وإن كانت هناك تقاليد تنظر للأرملة التى تتزوج نظرة سيئة، فهى نظرة خاطئة، ولكن ينبغى أن تراعى الأم مصلحة أبنائها فى اختيار الزوج، وأن يراعى الأبناء أيضا والدتهم، ويحسنوا إليها إذا رغبت فى الزواج فى أى سن ولا يتهموها، وأدعو المجتمع لمراعاة الأرامل، والرجل الذى يرعى الأيتام فى بيته سيكون رفيق النبى (صلى الله عليه وسلم) فى الجنة.

ويرى د. راشد أن الأرملة بحاجة إلى وقت ليس بالقصير لتتكيف مع حياتها الجديدة؛ إذ تشعر فى بداية الوفاة بأنها ضعيفة وعاجزة عن اتخاذ أى قرار، ولا تستطيع تحمل أية مسئولية، وبمرور الوقت تتكيف مع الوضع الجديد، خاصة إذا ساعدها المحيطون على تنمية ثقتها بنفسها وبقدراتها.
ويوجه د. راشد السهل الأرملة إلى طريقين للتغلب على معاناتها النفسية عليها أن تتلمسهما.
1 - الإكثار من العبادات، وقراءة القرآن، والصلاة.
2 - واكتساب المزيد من المعارف والمعلومات التى تساعدها على التعامل مع واقعها الجديد بنجاح.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة