ألفاظ (الاستدلال) في القرآن

2 1387

من الألفاظ القرآنية التي تفيد معنى الدليل وإقامة الحجة في الجدال والنقاش، هذه الألفاظ: (البرهان) و(البيان) و(الحجة) و(الدليل) و(السلطان) وقد اختلف تكرار هذه الألفاظ في القرآن، فجاء لفظ (سلطان) أكثرها تكرارا، وكان غالبا يأتي مقترنا بوصف (المبين) وكان أقل هذه الألفاظ ورودا لفظ (الدليل) الذي ورد مرة واحدة في قوله تعالى: {ثم جعلنا الشمس عليه دليلا} (الفرقان:45) ولنا وقفة مع هذه الألفاظ الخمسة:

البرهان

قال تعالى: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} (البقرة:111) البرهان: الحجة الفاصلة البينة، يقال: برهن يبرهن برهنة، إذا جاء بحجة قاطعة لدفع الخصم، فهو مبرهن؛ فيبرهن بمعنى يبين، وجمع البرهان: براهين. وقد برهن عليه: أقام الحجة. وفي الحديث: (الصدقة برهان) رواه مسلم، أي: هي دليل على صحة إيمان صاحبها لطيب نفسه بإخراجها، وذلك لعلاقة ما بين النفس والمال.

البيان

 (البيان): ما بين به الشيء من الدلالة وغيرها؛ وبان الشيء بيانا: اتضح، فهو بين، والجمع أبيناء، وكذلك أبان الشيء: فهو مبين؛ وقوله عز وجل: {وهو في الخصام غير مبين} (الزخرف:18) يريد النساء، أي: الأنثى لا تكاد تستوفي الحجة ولا تبين؛ وقوله عز وجل: {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} (الطلاق:1) أي ظاهرة متبينة؛ و(البيان) ما يتعلق باللفظ، و(التبيان) ما يتعلق بالمعنى. 

الحجة

(الحجة): الدليل والبرهان؛ يقال: حاججته فأنا محاج وحجيج، فعيل بمعنى فاعل، وفي التنزيل، قوله تعالى في قصة إبراهيم مع قومه: {وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان} (الأنعام:80) وقال سبحانه في معرض الرد على الكافرين: {والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم} (الشورى:16) أي: ما جاء به أهل الباطل والضلال من أدلة على مذهبهم، ليس له اعتبار، بل هي أدلة باطلة زائلة لا تقوم ولا تصمد أمام ما هو واقع وحق. وفي الحديث: (فحج آدم موسى) متفق عليه، أي: غلبه بالحجة؛ ومن أمثال العرب: لج فحج؛ معناه لج فغلب من لاجه بحججه؛ يقال: حاججته أحاجه حجاجا و محاجة حتى حججته أي غلبته بالحجج التي أدليت بها؛ والمحجة: الطريق.

الدليل

دله على الشيء يدله دلا ودلالة فاندل: سدده إليه، ودللته فاندل؛ والدليل: الدال، وما يستدل به، وقد دله على الطريق يدله دلالة ودلالة ودلولة؛ والدليل والدليلي: الذي يدلك؛ والاسم الدلالة والدلالة، بالكسر والفتح؛ وقوله تعالى: {ثم جعلنا الشمس عليه دليلا} (الفرقان:45) ومعنى كون الشمس دليلا: أن الناس يستدلون بالشمس وبأحوالها في مسيرها على أحوال الظل، من كونه ثابتا في مكان، زائلا عن آخر، ومتسعا في موضع، ومتقلصا في غيره؛ فيبنون حاجتهم إلى الظل واستغناءهم عنه على وفق ذلك؛ فجعل امتداد الظل لاختلاف مقاديره، كامتداد الطريق وما فيه من علامات وإرشادات، وجعلت الشمس - من حيث كانت سببا في ظهور مقادير الظل - كالهادي في الطريق؛ فكما أن الهادي يخبر السائر أين ينزل من الطريق، فكذلك الشمس - بتسببها في مقادير امتداد الظل - تعرف المستدل بالظل بأوقات أعماله ليشرع فيها.

السلطان

قال الفراء: السلطان عند العرب الحجة، يذكر ويؤنث، فمن ذكر السلطان ذهب به إلى معنى الرجل، ومن أنثه ذهب به إلى معنى الحجة؛ وقال الزجاج في قوله تعالى: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين} (هود:96) أي: وحجة بينة؛ والسلطان: الحاكم، إنما سمي سلطانا لأنه حجة الله في أرضه، أو هكذا ينبغي أن يكون؛ وقوله تعالى: {هلك عني سلطانيه} (الحاقة:29) معناه: ذهبت عني حجتي.

وبهذا يتبين أن هذه الالفاظ الخمسة تفيد معنى مشتركا بينها، وهو إقامة الدليل والحجة، قصد إظهار الحق والحقيقة؛ وقد فرق بعض أهل العلم بين هذه الألفاظ، فقالوا: اسم (الدليل) يقع على كل ما يعرف به المدلول، واعتبروا أن (الدليل) ما كان مركبا من الظنيات، و(البرهان) ما كان مركبا من القطعيات، و(الحجة) مستعملة في جميع ما ذكر، وكل (سلطان) في القرآن فهو (حجة).

على أننا لا نعدم فروقا أخر بين هذه الألفاظ، يرجع في معرفتها إلى أهل التخصص في هذا المجال.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة