- اسم الكاتب:د/سعيد عبد العظيم
- التصنيف:الأسرة اليوم
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه , أما بعد:
فالخوف من المستقبل ومحاولة تأمينه قاسم مشترك بين المسلم والكافر والبروالفاجر والمرأة والرجل والكبير والصغير.
ولما كان كل إناء بما فيه ينضح فقد افترق المسلم عن غيره، فللمسلم شأن وللناس شأن. وقد كان للغربة والجهالة التى نعيشها أثرها الكبير فى انحراف التصورات والتصرفات تبعا لذلك حتى صار البعض كالمستجير من الرمضاء بالنار أو كالعير بالبيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول، نداوى الداء بداء آخر ونطلب الأمن من مكمن الخطر وننشد نتائج لم نأخذ بمقدماتها وإليك بعض هذه النماذج والصور.
**التأمين على الحياة وتعاملات ربوية تأمينا للمستقبل !!!***
انتشرت شركات التأمين هنا وهناك لما آنست من الخلق الخوف على المستقبل وقد ذهب أكثرية علماء مجلس المجمع الفقهى المنعقد بمكة المكرمة إلى أن التأمين حرام بجميع أنواعه سواء كان على النفس أو البضائع التجارية أو العقارات أو على جزء من الإنسان كالحنجرة أو الساقين أو العينين وسواء كان ضد الحريق أو الحوادث .... وذلك لما ينطوي عليه من ربا وقمار وغرر،وهذا هو الذي ورد في فتاوى دار الإفتاء المصرية وأجاز التأمين التعاونى لأنه من عقود التبرع ولخلوه من الربا ولكونه من صور التعاون التي لا مخاطرة ولا غرر ولا مقامرة فيها.
ورغم حرمة التأمين التجارى فقد عمت به البلوى وأصبح من لوازم الحياة عند الكثيرين !!!! وقريب من ذلك ما يفعله الآباء عندما يضعون الأموال فى البنوك الربوية على جهة التربح لضمان مستقبل الصغار ولا ندرى كيف يبارك فى الحرام , والربا من شأنه أن يستمطر اللعنات والنقم على البلاد والعباد , قال تعالى (يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم) (البقرة:276)
وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله..).
وفى الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ".
**حصون المستقبل دمرها الكفر والانحراف***
كان قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين والفراعنة و غيرهم من أصحاب الحضارات الزائفة التى أقيمت على أساس العبودية لغير الله , وآثارهم تدل على حرصهم على تأمين المستقبل وكانوا ينحتون الجبال بيوتا فارهين ويبنون المصانع لعلهم يخلدون أقاموا الأهرامات والمسلات والقصور , فما الذى آل إليه أمرهم ؟ يقول الله تعالى :(وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين) (القصص:58)
وما سبب الدمار الذى نزل بساحتهم ؟ إنه الكفر والضلال ، يقول تعالى:(وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا) (الطلاق:8)
, وإذا كنا نجد على مستوى الأفراد من يرتشي ويسرق ويغش لتأمين مستقبله ومستقبل عياله , فعلى مستوى الدولة نجد استيراد النظم والدساتير والمناهج المخالفة بزعم مواكبة تطور الحياة والأخذ بأسباب التقدم والتحضر !! وإيجاد المستقبل الآمن للأجيال القادمة , وما هى إلا مزاعم؛ فالمعصية سبب كل شر ودماروما نزل بلاء إلا بذنب , وكيف نأمن على أنفسنا وقد ضيعنا ديننا وهل نستطيع أن نحصن أنفسنا أمام زلزال مدمر ؟؟ وما الذي فعلته أمريكا أمام إعصار اندرو وفيضان الميسيسبي ؟؟.
**إضاعة النساء بزعم تأمين المستقبل لهن***
نزعم الشفقة والحب لبناتنا والقيام على مصلحتهن وقد يتقدم الرجل للزواج فيتم السؤال عن عمله وراتبه ومسكنه...إلخ، وقد نقبله زوجا ونحن لا ندري شيئا عن عقيدته، وهل يصلي أم لا، وقد يكون مخمورا مقامرا وتثور بعد ذلك المشاكل والخلافات وإذا قيل للولي: لماذا لم تسال عن ديانة زوج ابنتك يقول: خجلت !!وهو لم يخجل عندما سأل عن الماديات !! ومن المعلوم أن من زوج ابنته من فاسق فقد قطع رحمها ، وكانت أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها تقول: النكاح رق فلينظر أحدكم عند من يسترق كريمته. فالكفاءة ينظر فيها أول ما ينظر إلى الديانة والصلاح والحرص على طاعة الله وتعظيم حرمات الله ، وكيف نأتمن تارك الصلاة على زوجة وأولاد ؟.
كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يبعث لولاته ويقول لهم : ألا إن أهم أموركم عندى الصلاة , ألا لا حظ فى الإسلام لمن ضيع الصلاة , ويقول : من ضيعها فهو لما سواها أضيع , وسئل الحسن: ممن أزوج ابنتي ؟ فقال : زوجها التقي النقي فإنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يهنها . ومن صور الإضاعة السماح للبنات بالخروج متبرجات يختلطن بالشباب فى المدارس والجامعات وأماكن العمل ، وقد تستحث الأم ابنتها على إقامة علاقات مع الرجال طلبا للزواج !!! وقد تصل العلاقات المحرمة والتى يسميها البعض صداقة وزمالة إلى حد المعاشرة الزوجية أثناء الخطوبة وقبلها , ويتم ذلك بمباركة أهل المرأة أحيانا , بزعم جريان العرف بذلك !!!! أو حتى تنشأ المعرفة والحب قبل الزواج ...
لقد أمر الشرع بالمباعدة بين الرجال والنساء حتى فى أماكن العبادة فالمرأة تطوف بالكعبة من خلف صفوف الرجال وخير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها , وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها , وما ترك النبى صلى الله عليه وسلم فتنة أضر على الرجال من النساء , والمرأة مأمورة بالصيانة والتحفظ والتحجب والتستر والتباعد عن مواطن التهم والريب والشكوك , قال تعالى: ( وقرن فى بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) قيل : كانت المرأة تسير متكشفة وسط الرجال ,أو أنها كانت تظهر خصلة من خصلات شعرها , وقال تعالى: ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ... ) الآية وقال جل وعلا :( وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ) ومن هنا تدرك خطورة دعوات تحرير المرأة ومحاولات جر المرأة المسلمة للتشبه بالمرأة الغربية , وما تنطوى عليه هذه المحاولات من إشاعة الفسق والفجور والتحلل فى جسد هذه الأمة بزعم المحافظة على حقوق المرأة !! والسعى فى إيجاد مستقبل مشرق وغد آمن لها !!!.
إن فشل الكثير من حالات الزواج سببه هذه المقدمات الفاسدة ؛ فلكل مقدمة نتيجة ومعظم النار من مستصغر الشرر , والخطبة مجرد وعد بالزواج والعلاقة فيها علاقة أجنبي بأجنبية , وطالما رآها وأعجبته , ورأته وأعجبها , عادت الحرمة كما كانت. والمرأة تطلب من وليها ولا يصح أن يتاجر بها وأن تصبح سلعة معروضة، ولا يجوز أن يستخف بعقلها بحيث تصبح فتنة لنفسها وفتنة لغيرها والله يعلم وأنتم لا تعلمون .
**الأمان الحقيقي في العمل بطاعة الله***
كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول لسعد بن وهيب ـ خال النبي صلى الله عليه وسلم ـ: يا سعد: ليس بينكم وبين الله نسب أنتم عباده وهو ربكم تنالون ما عنده بطاعته . فما عند الله من خير وبركة وسعة رزق وأمن وأمان لا نناله إلا باستقامتنا على شرع الله ، وكان عمر بن عبد العزيز يقول : إن الأمان غدا لمن باع قليلا بكثير ونافدا بباق، ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين وسيخلفها من بعدكم الباقون وكذلك حتى تردوا إلى خير الوارثين.
إن الخوف على مستقبل ذريتك يدفعك دفعا لتقوى الله قال تعالى ( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ) , فتوكل على الله حق توكله؛ فلا سبيل لتحقيق الأمن والأمان هنا وهناك إلا بالعمل بطاعة الله: ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) فهيا بنا نعمر الدنيا بطاعة الله ونقيم حضارة على منهاج النبوة ونؤمن المستقبل باستقامة لا عوج فيها.